تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية لرئيس مجلس المستشارين السيد حكيم بن شماش خلال الدورة الثالثة من المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي

2018-06-26

الرباط يوم الجمعة 22 يونيو 2018 بمقر البرلمان المغربي ( القاعة المغربية).

- السيد  François de Rugy، رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية المحترم؛

- السيد Gérard  Larcher، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي المحترم؛

- أخي وزميلي السيد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب  المغربي المحترم؛  

- السيد Jean-François Girault، سفير جمهورية فرنسا المعتمد بالرباط؛ 

- السيدات والسادة أعضاء وعضوات  البرلمان المغربي والفرنسي بغرفتيه  المحترمين؛ 

- أيھا الحضور الكريم،  

    يسعدني ويشرفني بدوري أن أرحب بكم في بلدكم الثاني المغرب الذي يحضى بشرف احتضان هذه الدورة الثالثة من المنتدى البرلماني المغربي الفرنسي ، الذي يشكل محطة أخرى في مسار التشاور والحوار البرلماني ما بين بلدينا، والذي يرمي إلى تدعيم وتقوية الشراكة الاستثنائية والتفاهم والتشاور ما بين الرباط وباريز.

كما أستغل هذه المناسبة لأجدد، لرئيسي وأعضاء مجلسي الجمعية الوطنية والشيوخ الفرنسيين، أسمى عبارات الشكر والامتنان على التعاون  الدائم والبَناءْ والمثمر بين مؤسساتنا التشريعية، كما أجدد بھذه المناسبة أيضا الشكر لكل رؤساء الفرق والمجموعات البرلمانية الذين ساهموا  في الإعداد لهذا المنتدى الهام والمتميز تحدوهم في ذلك الرغبة المشتركة في ترسيخ علاقاتنا الثنائية على أسس متينة، وهو ما يجسد بالفعل الإرادة القوية التي تحدو برلمانيي بلدينا  لتقوية علاقاتنا الثنائية على المستوى التشريعي والرقي بھا إلى مستوى الروابط العريقة والمتميزة التي تجمع بين بلدينا الصديقين.

حضرات السادة الرؤساء،  السيدات والسادة البرلمانيين، أيھا الحضور الكريم،  

إن الحديث عن التجربة الرائدة التي تجمع بلدينا في مجال التعاون على مختلف المستويات، جدير اليوم بأن يكون مصدر ارتياح، وما انعقاد منتدانا البرلماني في نسخته الثالثة إلا دليل على النضج والثقة والالتزام الذي يؤطر علاقاتنا البرلمانية اليوم، كما يؤكد مرة أخرى مدى ايماننا كممثلين منتخبين للشعبين الصديقين، بالأهمية التي تحظى بها  المؤسسة التشريعية لبلدينا في مواكبة وتوطيد هذه الشراكة الاستثنائية.

كما أن انعقاد أشغال هذا المنتدى البرلماني الثالث المغربي- الفرنسي يشكل مناسبة هامة لممثلي الشعبين المغربي والفرنسي لتقييم التقدم الهام الذي حققناه في إطار التعاون والتبادل بين بلدينا وفي إطار الحوار الصريح والبناء في العديد من المجالات، كما يشكل كذلك فرصة لتثمين المكتسبات المشتركة وللتفكير وتبادل الآراء وبلورة الاقتراحات الكفيلة بتجديد وتطوير علاقاتنا الاقتصادية والثقافية وتعزيز التعاون على المستوى الأمني والسياسي بين بلدينا الصديقين.

إن اختيارنا لموضوع "الشراكة المغربية الفرنسية: الآفاق الأفريقية"، لمنتدانا البرلماني الثالث، والتركيز على أربعة محاور أساسية في غاية الأهمية  والمتمثلة في: "السياسة والاستقرار، الهجرة والتنقل، التعاون الاقتصادي، البيئة والتنمية المستدامة"، يبين بوضوح مستوى جودة العلاقات ما بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية على كل المستويات ويعكس غنها وتنوعها وحيويتها، ويؤكد الإرادة المشتركة للحفاظ وتدعيم وتقوية وتطوير وتنويع هذه العلاقات الثنائية والشراكة الاستثنائية، الأساس المتين لعلاقة استراتيجية، مبنية على الثقة والاحترام المتبادل والتعاون المثمر بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين. 

ولا يفوتني في هذا الاطار أن أذكر بحجم كثافة ومودة العلاقات البرلمانية المغربية الفرنسية خلال السنوات الأخيرة وعلى كل المستويات، حيث سمحت بإعطاء دينامية جديدة للعلاقات الثنائية وتكثيفها ما بين بلدينا، ولقد ساهم في ذلك الدينامية والزخم الذي أعطي لهذه العلاقات من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس،نصره الله وأيده، وفخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد "ايمانويل ماكرون" ، خلال عدة مناسبات كان آخرها  اللقاء الذي كان بينهما يوم 18 أبريل 2018 بقصر الإليزي والذي  "تطرق فيه  قائدا البلدين، بشكل مطول ، لعدد من القضايا الإقليمية والدولية ، وسجلا تطابقا واسعا لوجهات النظر بهذا الخصوص. كما عبرا عن ارتياحهما للمستوى الممتاز للعلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، وأعربا عن إرادتهما في تعزيز هذه العلاقات في كافة المجالات، لاسيما السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية". وهذا يعطي إشارة قوية إلى أن العلاقات التي تجمع بلدينا هي أكبر من مجرد تبادل مشاعر التقدير والاحترام، بل هي علاقات تؤطرها الثقة المتبادلة والطموح المشترك والفعل الملموس بين مختلف الفاعلين في بلدين صديقين، كما تجسد في المقابل اضطلاع برلمانيي البلدين بأدوارهم في استقراء كل الجوانب المحيطة بعلاقات بلدينا والإجابة عن كل الأسئلة والتحديات التي يفرضها سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد وتتوالى فيه التحولات والتغيرات بشكل سريع ومعقد.

حضرات السادة الرؤساء،  السيدات والسادة البرلمانيين، أيھا الحضور الكريم،  

     بالإضافة إلى هذه الاعتبارات، فإن ما يضفي راھنية على موضوع والمحاور المدرجة على جدول أعمال منتدانا البرلماني الثالث هذا وانعقاده في المغرب، ھو موقع بلدنا الجيو- استراتيجي في القارة الافريقية من جهة، وعلاقاته التاريخية والسياسية والاقتصادية والدينية المعروفة والمتميزة مع دول قارتنا الأفريقية، من جهة ثانية، والتي توجت بعودة المغرب، العضو المؤسس، إلى بيته الإفريقي تفعيلا للتصور الاستراتيجي المتجدد والمتكامل  للمغرب الذي حدده ويقوده جلالة الملك، نصره الله وأيده، والقائم على ترسيخ العلاقات التاريخية مع بلدان القارة الافريقية عبر مبادرات تشمل الحقل الديني والإنساني والتنموي والتضامني. وتمتد إلى توطيد التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي الذي يشكل رافعة مهمة في استراتيجية المغرب بإفريقيا ، حيث قامت بلادنا بإبرام عدد من اتفاقيات التعاون المهمة شملت مجالات مختلفة مع العديد من دول أفريقيا خلال الزيارات العديدة التي قام بها صاحب الجلالة لعدد من الدول الأفريقية الشقيقة، أعطت دفعة قوية للتعاون الثنائي مع دول المنطقة. كما نذكر هنا بطلب انضمام بلادنا للمجموعة الاقتصادية لغرب افريقيا .وبقرار جلالته إحداث وزارة منتدبة خاصة بالشؤون الإفريقية تكريسا لتوجه المغرب نحو عمقه الإفريقي المبني على رؤية طويلة المدى تنبني على فضائل التعاون جنوب-جنوب وعلى ضرورة التنمية البشرية في إقامة روابط اقتصادية منصفة وعادلة ومتوازنة.

ولذلك اختار المغرب بأن يكون قطب الرحى في بناء شبكات للتعاون جنوب جنوب، وشمال جنوب، وترجم ذلك من خلال تحقيقه للعديد من المشاريع  الملموسة مع عدد من الدول في مجالات أساسية،لا يسع المجال لذكرها، تتعلق أساسا بالتنمية البشرية. وهذا سيفتح آفاقا جديدة وواعدة من أجل تعاون ثلاثي الأطراف ما بين المغرب- فرنسا - وأفريقيا لصالح التنمية المستدامة المشتركة والتضامن في الفضاء الأورو- متوسطي والأورو-أفريقي وتحقيق السلم والاستقرار والازدهار المشترك.

وبالمناسبة أذكر بأن المغرب يشكل محورا أساسيا بالنسبة للمقاولات الفرنسية التي اختارت أن تجعل من بلادنا منصة(plateforme)  لأنشطتها ومشاريعها الأفريقية، بالإضافة إلى عدد من المشاريع المشتركة ما بين المقاولات المغربية والفرنسية في أفريقيا (مجلات الصناعات الفلاحية، الابتكارات البيئية والطاقية، المجال الرقمي...)، لذلك فإن بلادنا  يمكن أن تلعب دور المحرك المحتمل لإنعاش وتحريك الاتحاد الافريقي.

حضرات السادة الرؤساء، السيدات والسادة البرلمانيين، أيھا الحضور الكريم،   

إن قارتنا الأفريقية، وإن كانت قارة المستقبل بامتياز، فهي في المقابل ماتزال تعرف العديد من بؤر التوتر وتعاني عدد من بلدانها من اللاإستقرار السياسي، إما لضعف وهشاشة مؤسسات الدولة، وبالخصوص في الدول ضحية الصراعات المسلحة والتطرف، أو التي تعاني من التأخر السوسيو- الاقتصادي، أو ذلك الناتج عن اللاأمن الذي تعرفه منطقة الساحل والصحراء  وأفريقيا الوسطى والتي تشكل منبعا للمخاطر الأمنية ومرتعا للإرهاب والحركات الإرهابية وتهريب البشر.

ويمكن في هذا الاطار للمغرب وفرنسا لما لهما من تاريخ مؤسساتي متين  وعلاقات وشراكات استراتيجية فيما بينهما أو مع العديد من الدول الافريقية، أن يعملا سويا على تشجيع الاستقرار السياسي  في المناطق التي تعاني من الفقر والعنف والمآسي الإنسانية ويمكن للبرلمانين المغربي والفرنسي أن يقوما بدور أساسي في هذا الاتجاه، بشكل يساعد القارة الأفريقية على تجاوز مشاكلها والاتجاه نحو المستقبل الذي يجب أن يتأسس على علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والانصاف والعدل في أفق تحقيق التنمية البشرية المستدامة في القارة.

وفي هذا السياق يشكل موضوع التنقل والهجرة أحد المواضيع المحورية في هذه الدورة والتي تشكل أولوية قصوى، ونذكر هنا بالسياسة والاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي  انتهجها المغرب، تحت قيادة صاحب الجلالة بصفته رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة،  والمبنية على القيم الكونية لحقوق الإنسان، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين لتمكينهم من الولوج إلى الحقوق الأساسية، ونعتبر أن إشكالية الادماج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين، قضية مركزية في سياسات الهجرة، بل ونعتبر أن المدخل الأول لمحاربة بعض نتائج الهجرة كالتطرف هو تشجيع المهاجرين على الاندماج في دول الاستقبال والتعامل معهم كمساهمين في النمو الاقتصادي للدول التي تحتضنهم وكذا لدولهم الأصلية، وخصوصا أن أفريقيا ومنها المغرب هي المعنية بشكل أكبر بقضايا الهجرة.

وبناء عليه لا بد من التعاون لوضع إطار استراتيجي لسياسة الهجرة يمكن أن تساهم، أولا، في التصدي للتحديات والمشاكل التي تفرضها وتنتج عن الهجرة، وضمان إدماج المهاجرين، وثانيا، أن تمكن من مواجهة الاشكالات ذات الصلة في السياسات الوطنية والإقليمية بقضايا الأمن والاستقرار والتعاون والتنمية.

حضرات السادة الرؤساء،  السيدات والسادة البرلمانيين، أيھا الحضور الكريم،   

أما فيما يتعلق بقضايا البيئة والتنمية المستدامة فلهذا الموضوع أهمية قصوى وحاضر بشكل أولوي ودائم في الأجندة والانشغالات الدولية، خصوصا مايتعلق بندرة الموارد المائية، وحجم وعنف التغييرات المناخية، والاحتساب الحراري،  ولا يخفى عليكم حجم التحديات التي تنتظر بلداننا والمرتبطة بالالتزامات ذات الصلة بالتغيرات المناخية وتنمية الطاقات النظيفة، ونشير هنا بالخصوص إلى ما ترتب عن قمتي المناخ العالميتين "كوب 21"التي احتضنتهما كل من مدينة باريز سنة 2015 ، و "كوب 22 " التي احتضنتها مدينة مراكش  سنة 2016، واللتين تمخض عنهما ولادة وعي عالمي جديد بالرهانات والتحديات البيئية والتنموية، ويشكل المغرب وفرنسا نموذج لبلدين يقتسمان نفس الأهداف من أجل مواجهة التغيرات المناخية وفي مقدمتها مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد كوكب الأرض بكوارث مناخية وإنسانية مرعبة وخطيرة، مع الأخذ بعين الاعتبار حاجيات ومشاكل الدول السائرة في طريق النمو ومنها الدول الأفريقية.

ونذكر هنا بخطة العمل المتكاملة التي تستهدف تكثيف عمل البرلمانات و الاتحاد البرلماني الدولي في مجال المناخ، التي أصبحت مرجعا لصياغة خطط مماثلة على مستوى الجمعيات البرلمانية الجهوية، وأيضا على مستوى البرلمانات الوطنية.  و يمكن الاستدلال في هذا المجال بالأولويات الواردة في الخطة ومنها التحليل الممنهج للعمل التشريعي على المستوى الوطني في مجال التحولات المناخية، و تقديم تعديلات على الإطار التشريعي المتعلق بالبيئة بناء على اتفاق باريس حول المناخ ووضع آليات لمراقبة قدرة الحكومات على القيام بالتزاماتها الوطنية و الدولية. وهناك أيضا ما يتعلق باستثمار البرلمانات للديناميات الوطنية المتعلقة بدعم البعد البيئي في السياسات العمومية. واسمحوا لي أن أذكر في هذا السياق بتجربتنا ،في مجلس المستشارين المغربي، الرامية إلى إغناء هذه الدينامية الوطنية، وتتمثل التجربة الأولى في كون  إعلان المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية الصادر عن المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية المنعقد يومي 19 و 20 فبراير 2016 تحت شعار " تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك" و المنظم من طرف مجلس المستشارين. قد حدد في إحدى تحدياته الأساسية " الحماية من الآثار الاجتماعية للتقلبات المناخية، في إطار متطلبات التنمية المستدامة، و ذلك عبر آليات دعم عمومي ملائم. أما التجربة الثانية فتتمثل في كون الاستراتيجية المرحلية لعمل مجلس المستشارين للفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 تحدد كهدف ثالث لها "جعل مجلس المستشارين فضاء للحوار  العمومي و النقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور وتحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و البيئية." ، ويندرج تنظيم ندوة برلمانية دولية حول ملائمة التشريعات الوطنية مع مضامين اتفاق باريز حول التغيرات المناخية، ( في 26 يناير 2017)  بشراكة مع "مؤسسة وستمنستر للديموقراطية" و"معهد غرانتهام للأبحاث حول المناخ والبيئة"، ضمن تحقيق هذا الهدف.

حضرات السادة الرؤساء،  السيدات والسادة البرلمانيين، أيھا الحضور الكريم، 

في الأخير أود أن انهي كلمتي هاته برغبة تتمثل أساسا في ضرورة أن تعكس الشراكة المغربية الفرنسية بصدق الصداقة التاريخية ما بين شعبي بلدينا، لذلك نعتبر أن المسؤولية الملقاة على عاتقنا اليوم كممثلين لشعوبنا، أكثر من أي وقت مضى، كبيرة للاستمرار بشكل إيجابي في بناء وتوطيد علاقتنا على كل المستويات، وتنويعها وتوسيعها إلى كل المجالات والميادين، وذلك برؤية استباقية وبتصور استراتيجي عميق بما يخدم المصلحة المشتركة لبلدينا. وخصوصا أن هناك وعي وقناعة بالدور الذي يمكن أن يقوم به بلدينا في إطار التعاون الثلاثي وأيضا في إطار تكاملية سياستيهما الأفريقية، لذلك نحن مطالبون لكي نضع يدنا في يد ونوحد جهودنا  ووسائلنا وامكانياتنا لخدمة التنمية البشرية في أفريقيا ، خصوصا، من خلال برامج ومشاريع تتعلق بالتعاون المشترك.  

وشكرا على إصغائكم.