تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية لرئيس مجلس المستشارين في اليوم الدراسي حول "القوانين المتعلقة بمحاربة العنف ضد المرأة"

2017-10-20

الكلمة الافتتاحية للأستاذ حكيم بن شماش، رئيس مجلس المستشارين

في  اليوم  الدراسي المنظم من قبل هيئة الأمم المتحدة للمرأة ONU Femmes والمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول "القوانين المتعلقة بمحاربة العنف ضد المرأة"

 

الجمعة 20 أكتوبر 2017 بمقر مجلس المستشارين

حضرات السيدات و السادة،

يسعدني أن يكون موضوع هذا اليوم الدراسي المنظم بشراكة مع منظمة المرأة التابعة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة ONU Femmes والمجلس الوطني لحقوق الإنسان حول "القوانين المتعلقة بمحاربة العنف ضد المرأة"،وبالمناسبة أرحب بالحضور الكريم في هذا اللقاء الذي نتمنى أن يكون فرصة تاريخية لتثمين العمل الذي يقوم به مجلس المستشارين.

ويعتبر هذا اليوم الدراسي، بالنسبة لنا، محطة أخرى من بين محطات سابقة لها علاقة  بنفس الموضوع، والتي كان المجلس مبادرا إلى تنظيمها أو احتضانها أو الانخراط فيها، من قبيل: احتضانه للاجتماع الوطني لائتلاف البرلمانيات من الدول العربية، بشراكة مع مؤسسة وستمنستر للديمقراطية وائتلاف البرلمانيات من الدول العربية لمناهضة العنف ضد المرأة،يوم 8 مارس من هذه السنة،والذي عرف تنظيم مائدة مستديرة لمناقشة "الاتفاقية العربية لمناهضة العنف ضد والمرأة والفتاة والعنف الأسري"، أو من خلال احتضانه أيضا لليوم الدراسي حول مشروع القانون المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة التمييز، والمنظم من طرف منظمة المرأة الاستقلالية والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية. فضلا عن انخراطه بقوة في الحملة التي أطلقتها منظمة المرأة التابعة للأمم المتحدة شهر نونبر من السنة الماضية للتحسيس بأهمية مناهضة العنف ضد النساء.

ويرمي المجلس من احتضان هذا اليوم الدراسي إلى الاستفادة من التجارب الرائدة في وضع قوانين متقدمة خاصة بمحاربة العنف ضد النساء وتوفير أقصى الضمانات لحمايتهن، ونحن هنا اليوم للاستفادة من تجربة قريبة منا جغرافيا،تاريخيا،ثقافيا،حضاريا ودينيا، ويتعلق الأمر بالتجربة التونسية التي صادق برلمانها مؤخرا على قانون جد متقدم في هذا الشأن.

حضرات السيدات والسادة؛

إذا كان العنف ضد النساء، ظاهرة ذات بعد عالمي، فهي ليست مقتصرة على ثقافة أو دين أو بلد بعينه، أو على فئة خاصة من النساء بمجتمع ما، كما أنه يستهدف جميع الفئات العمرية ويوجد في جميع الفضاءات الخاصة أو العامة، كما يمكن أن يرتكب من قبل شخص ذاتي أو معنوي أو من طرف المسؤولين على إنفاذ القوانين. فإن هناك في المقابل إجماعا على اعتباره انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

كما أن هناك إقرارا بأن العنف ضد النساء يشكل أحد المعيقات التي تحول دون تحقيق المساواة والتنمية.  فإذا كانت فكرة المساواة تحيل إلى كون جميع البشر يتمتعون بحقوق طبيعية أساسية ولدوا معها ولا يمكن لأي أحد سلبها أو انتقاصها لأي اعتبار، فإنه في المقابل تعتبر التنمية في معناها الشمولي وسيلة وهدفا لا يمكن أن تتحقق دون مشاركة حقيقية وفعلية للمرأة في مختلف الميادين السياسية،الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والتي تبقى مشروطة بالحفاظ على حقوقها، وتفعيل دورها في بناء المجتمع.

إن ما تعيشه العديد من النساء اليوم من عنف داخل الأسرة، وفي العمل والأماكن العامة يعرف تزايدا مستمرا ،بشكل مقلق خلال السنوات الأخيرة، ويتخذ أبعادا خطيرة فهو لم يعد تشكل  فقط تهديدا للسلامة الجسدية والنفسية للمرأة، بل أصبح يدمر البناء الأسري والمجتمعي، في وقت لم يعد فيه السياق الدولي ولا الوطني دستوريا وسياسيا يسمح باستمرار ممارسة العنف ضد المرأة.

حضرات السيدات والسادة،

اسمحو لي أن أقدم بعض الأرقام لكي أثير الانتباه إلى خطورة الوضع؛ فكما لا يخفى عليكم، قدرت الأمم المتحدة وفقاً لبيانات البنك الدولي نسبة النساء اللائي يتعرضن للعنف أثناء حياتهن ب 70 في المائة، وأوضحت بأن النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و 44 عاماً يزيد خطر تعرضهن للاغتصاب والعنف العائلي عن خطر تعرضهن للسرطان وحوادث السيارات والحرب والملاريا، وهو ما يعتبره كارثة إنسانية يتوجب على كل من موقعه العمل بجهد من أجل مواجهتها، بل وإنهائها إذا كنا بالفعل ننشد مجتمعات سليمة، متقدمة، نشيطة ومتزنة.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فثلث النساء في العالم تعرضن لعنف جسدي أو جنسي، عزت استفحال ظاهرة العنف على الصعيد العالمي، إلى ضعف العقوبات الزجرية التي تفرض على مقترفي العنف الجنسي على المرأة نتيجة وجود ثغرات قانونية والاقتصار أحيانا على عقوبات زجرية وتأديبية دون توفير آليات حمائية ووقائية.

أما على الصعيد الوطني، فإن الوضع الذي يعيشه المغرب ليس معزولا عما يعيشه العالم العربي والغربي، فالمرأة المغربية لا تزال، على غرار الكثير من نساء العالم، تعاني من ظاهرة العنف،وهذا ما تؤكد بعض الأرقام المقلقة والصادمة التي تختلف حسب الجهات صاحبة هذه الأرقام،فيما إذا كانت هيئات حقوقية وطنية أو منظمات دولية، أو مؤسسات رسمية. فحسب آخر تقرير لمكتب الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، خلال نوفمبر 2016، فقد بلغ عدد النساء المغربيات التي تعرضن للتعنيف والتحرش بالأماكن العامة، 2.4 مليون امرأة مغربية.

كما كشف التقرير السنوي الأول للمرصد الوطني للعنف ضد النساء، عن تسجيل 38 ألفا و318 حالة عنف ضد النساء في 2014، مبرزا أن هذه الحالات تتوزع على 14 ألفا و400 حالة توضع في خانة "العنف النفسي" و8743 حالة في إطار "العنف الجسدي" و1770 حالة ضمن "العنف القانوني" و12 ألفا و561 حالة في خانة "العنف الاقتصادي" و844 حالة في إطار "العنف الجنسي".

وأضاف التقرير أن أكثر من 80% من النساء المعنفات تتراوح أعمارهن ما بين 19 و48 سنة، وأن أكثر من 46% من النساء اللواتي تعرضن لمختلف أشكال العنف متزوجات، وما يقارب 25% أرامل، وأكثر من 50% ليس لهن سكن مستقل و23% تعشن بشكل مستقل.

- وتتحدث آخر نتائج البحث الوطني الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول العنف ضد النساء بالفضاءات العامة بالمدن المغربية، لسنة 2009، أنه "من أصل 5.7 مليون امرأة بالمدن تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة، تعرضت ما يناهز 2.3 مليون امرأة من بينهن، أي ما يعادل 40.6 في المائة، في فضاء عام بمدينتهم لفعل واحد على الأقل يصنف ضمن أفعال العنف، وذلك خلال فترة الإثنى عشر شهرا السابقة للبحث". وأشار البحث إلى أن النساء ضحايا العنف بالفضاءات العامة بالمدن تنتمي إلى جميع الفئات العمرية وجميع الفئات المجتمعية.

- وهناك أرقام أخرى وفق المعطيات المسجلة لدى وزارة العدل أو المصالح الأمنية. وفي مقابل هذه الأرقام الرسمية تشير عدة تقارير حقوقية إلى أن 6,2 مليون امرأة مغربية من أصل 9.5 مليون امرأة بين 18 و64 سنة، أي ما يعادل 62.8% يعانين من العنف.

حضرات السيدات والسادة؛

إذا كانت بلادنا من بين الدول السباقة إلى الاهتمام بموضوع محاربة ظاهرة العنف ضد النساء، من خلال العمل الجبار الذي قامت به منظمات المجتمع المدني منذ بداية التسعينات، وما واكبه من اهتمام من المؤسسات الحكومية من خلال عدة برامج ومبادرات وحملات تحسيسية تهدف مقاومة هذه الظاهرة والقضاء عليها، وراكمت من خلال ذلك بلادنا  تجربة مؤسساتية ومدنية رائدة على صعيد العالم العربي في مجال التعبئة والتوعية ونشر المعرفة، الشيء الذي أدى إلى إحراز تقدم كبير في مجال تعزيز مكانة النساء والفتيات وتحسين أوضاعهن.

ونشير هنا إلى أن المغرب بادر إلى اتخاذ العديد من التدابير من أجل التصدي لهذه الآفة، وتكريس حقوق المرأة، التي تعد جزء لا يتجزأ من الحقوق الإنسانية، حيث قطع في هذا المجال خطوات مهمة، مستندا في ذلك إلى المرجعيات التالية:

- الالتزامات الدولية المترتبة عن مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو »، والبروتوكول الملحق بها، والبروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، وأيضا منهاج عمل بيجين 1995 بمحاوره الإثني عشر، والأهداف الإنمائية للألفية.. وغيرهم من الاتفاقيات المتعلقة بمناهضة العنف ضد النساء والفتيات؛

- مقتضيات الدستور الجديد للمملكة المغربية لسنة 2011 ، الذي نص في ديباجته على حظر كافة أشكال التمييز، وعلى الحق في السلامة الجسدية والمعنوية للأفراد وأكد الفصل 22 على عدم جواز المساس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف ومن قبل أي جهة، كانت خاصة أو عامة، إضافة إلى إقرار الفصل 19 مبدأ المناصفة من خلال التنصيص على إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز والتي تأخرنا في إخراج النص القانوني المتعلق بها.

حضرات السيدات والسادة؛

بالرغم من حجم الإصلاحات المنجزة والمكتسبات المحققة إلا أن المعركة  ضد ظاهرة العنف في حق النساء تبقى متواصلة وتستدعي العمل بشكل أكبر من أجل ضمان انسجام التشريع الوطني مع المعايير الدولية المعتمدة. كما أن القضاء على ظاهرة العنف ضد النساء لا يمكن أن يتحقق إلا بإرساء ثقافة مجتمعية ترتكز على قيم وثقافة حقوق الإنسان وعلى مبادئ الإنصاف والمساواة بين الجنسين، و تقر أيضا بضرورة تمكين النساء وتوفير الحماية لهن، مع تمتيعهن بكل حقوقهن الإنسانية.

وإذا كانت العديد من الدول قد اعتمدت قوانين خاصة بالعنف ضد النساء، إلا أن هذه التشريعات تتفاوت من حيث درجة اتساقها وانسجامها مع المعايير الدولية. لذلك فإننا في المغرب أمام فرصة تاريخية يمكن أن تلعب فيه بلادنا دورا رياديا في مكافحة هذه الظاهرة، بضمان سنّ قوانين شاملة ومتناسبة مع المعايير الدولية، وتتناسب مع اللحظة التاريخية والدستورية والسياسية التي يعيشها المغرب.

ووعيا من المجلس بالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الآفة وانعكاساتها السلبية على المجتمع، وإيمانا منه بأن هذا الموضوع مسؤولية مشتركة ما بين كل الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين (برلمان، حكومة، مجتمع مدني) فإن ذلك يستلزم تكثيف وتنسيق جهود ومبادرات مختلف المتدخلين المعنيين، سواء قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية، أو هيئات المجتمع المدني، للتصدي ومحاربة هذه الآفة الاجتماعية التي تؤرق مختلف المجتمعات عالميا، التي تشكل في العمق التزاما إنسانيا وأخلاقيا قبل أن تكون التزاما دوليا تدعو إليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

وإن كان لدينا اليوم مشروع - قانون يرمي إلى محاربة هذه الآفة فإننا، نطمح من خلال هذا اليوم الدراسي، إلى تنوير السيدات والسادة المستشارين والحاضرين من ممثلي كل القطاعات الرسمية والمدنية، عن سبل تعزيز هذا المشروع قانون وتدارك النقص الموجود فيه، قبل المصادقة النهائية عليه، لتوفير حماية أفضل من العنف بمختلف أشكاله وتمظهراته، وحماية الناجيات، ومحاسبة المعتدين.

كما نصبو،أيضا، أن تضعوا بين أيدينا قراءة نقدية بناءة لمشروع القانون الأول من نوعه في المغرب المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، الذي و إن كانت له  إيجابيات عديدة، ورغم ما يحمله من إجراءات زجرية وتدابير حمائية، فإنه لن يخلو من سلبيات، حسب ما جاء في العديد من تقارير المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني والرأي الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي أشارت إلى إغفال مشروع القانون للعديد من القضايا من قبيل تجريم الاغتصاب بين الزوجين، رغم تزايد عدد الشكايات بهذا الخصوص، وإغفاله المطالب المتعلقة بمراجعة المقتضيات الخاصة بالإجهاض من خلال إباحته في أحوال معينة من بينها زنا المحارم، اغتصاب القاصرات، أو جرائم الاغتصاب المتبوع بحمل وإغفال تجريم زواج القاصرات دون الحصول على إذن قضائي، خاصة وأن المشروع عاقب على الإكراه في الزواج، وإغفال التنصيص على عقوبات خاصة في إطار محاربة العنف الاقتصادي الذي تتعرض له عدد كبير من النساء بسبب الأعراف والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة، ولاسيما في حالات حرمان النساء من الإرث أو التصرف في ممتلكاتهن المملوكة على الشياع.

وشكرا على انتباهكم وعلى حسن الإصغاء.