دعا حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين، أمس الأربعاء 22 يونيو 2016 بجنيف، إلى دور أكبر للبرلمانات في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بالنظر لمساهمتها الأساسية في تطبيق الآليات الدولية.
وأوضح خلال نقاش أمام المجلس حول حصيلة مساهمة المؤسسات التشريعية في أنشطة مجلس حقوق الإنسان، أن ذلك يتطلب وقتا لتعميمه بالنظر لتنوع الممارسات والسياقات في مجال العمل البرلماني. كما حث المجتمع المدني على الاضطلاع بدور حاسم في هذا الاتجاه.
ودعا رئيس مجلس المستشارين إلى مأسسة إمكانية مساهمة البرلمانات الوطنية بتقديم تقارير موازية أمام هيئات المعاهدات أو في إطار الاستعراض الدوري الشامل، بما يتطلبه ذلك من تعديل على مستوى المساطر ذات الصلة على مستوى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة.
وتم التأكيد خلال هذا اللقاء على ضرورة انفتاح البرلمانات الوطنية بشكل أفضل على الآليات الدولية لحقوق الإنسان كشرط لدفع العمل التشريعي نحو نتائج أكثر فاعلية.
وأبرز حكيم بنشماش، بالمناسبة، التجربة المغربية في مجال ملاءمة التشريعات الوطنية والنصوص المعيارية المعتمدة على المستوى الدولي.
وأشار، في هذا الصدد، إلى إحدى عناصر قوة التجربة المغربية في مجال العلاقات بين مؤسسات حماية حقوق الإنسان و النهوض بها و البرلمانات، و التي يعتبر البرلمان المغربي أحد البرلمانات القليلة التي سلكت سبيل مأسسة هذه العلاقة بالاستناد إلى مبادئ بلغراد المصادق عليه بمقتضى قرار مجلس حقوق الإنسان في فبراير 2012.
وأوضح أن مجلسي البرلمان (مجلس النواب و مجلس المستشارين) و المجلس الوطني لحقوق الإنسان استندوا كل في مجال اختصاصه على النقطتين 20 و 22 من مبادئ بلغراد المذكورة من أجل توقيع مذكرة تفاهم، بتاريخ 10 ديسمبر 2014 حددت كهدف استراتيجي مشترك لها "التعاون و العمل على اعتبار المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان في مجالات التشريع و مراقبة عمل الحكومة و تقييم السياسات العمومية " .
وتسمح مذكرة التفاهم هذه، يضيف بنشماش، بتعبئة مشورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال اعتبار مقاربة حقوق الإنسان في عملية التشريع و ملاءمة النظام القانوني الوطني مع الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، و استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال دراسة أثر مشاريع المعاهدات و الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان و الموجودة قيد المصادقة على المنظومة القانونية الوطنية وعلى التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان، وفي مجال تقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان، وكذا في مجال دعم القدرات في مجال مقاربة حقوق الإنسان والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وقال إن إحدى جوانب قوة مذكرة التفاهم تكمن في كونها تنص على إعداد البرلمان بمجلسيه بمعية المجلس الوطني لحقوق الإنسان استراتيجية مشتركة لمتابعة التوصيات التي تقدمها الآليات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان متابعةً منهجيةً. كما أن مذكرة التفاهم تتيح إمكانية إنجاز مختلف البرامج المندرجة في إطارها بشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان و المؤسسات الأكاديمية الوطنية والدولية، والمنظمات الدولية الحكومية, والمنظمات غير الحكومية.
وشدد رئيس مجلس المستشارين على أن هذه المرتكزات ذات الطابع المعياري والتعاقدي في آن واحد هي التي مكنت مجلس المستشارين من تحقيق ثلاث مكتسبات استراتيجية هامة في مجال تقوية دوره المتعلق بحماية حقوق الإنسان والنهوض بها وكذا دوره المتعلق بملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع التزاماتنا الاتفاقية.
ويتمثل المكتسب الأول، يقول حكيم بنشماش، في تعبئة الدور الاستشاري للمجلس الوطني لحقوق الإنسان عبر طلب آرائه الاستشارية في مشاريع قوانين ذات علاقة وثيقة بالحقوق المضمونة بمقتضى الدستور و بمقتضى الاتفاقيات التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، كمشروع القانون المتعلق بشروط الشغل والتشغيل للعمال المنزليين والقانونين التنظيميين المتعلقين بممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع والعرائض إلى السلطات العمومية وكذا مشروع القانون الإطار المتعلق بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة و النهوض بها، علاوة على المساهمة المستمرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في أوراش التفكير التشاركي التي أطلقها مجلس المستشارين خلال هذه السنة في مجال العدالة الاجتماعية وضمان الطابع الفعلي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وكذا في مجال إرساء مقاربة حقوق الإنسان على مستوى السياسات العمومية الترابية التي تندرج في إطار اختصاصات مجالس الجماعات الترابية (مجالس الجهات، مجلس العمالات و الأقاليم و مجالس الجماعات).
أما المكتسب الثاني فيتمثل في عمل مجلس المستشارين الحالي على إعداد إطار مفاهيمي و منهجي لتقييم السياسات العمومية من منظور حقوق الإنسان بما في ذلك منظور النوع الاجتماعي ، حيث تمت تجربة هذا الإطار بشكل أولي في تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالحكامة الترابية خلال السنة الفارطة.
أما ثالث المكتسبات فيتوخى إضفاء طابع استراتيجي و استشرافي و مستديم على مختلف ما تم ترصيده، و عرضه بشكل مختصر في هذه الورقة. و يتعلق الأمر باستراتيجية عمل مجلس المستشارين للفترة الممتدة من 2015-2017 و التي تتضمن عددا من الإجراءات الأساسية ذات الصلة المباشرة بالاعتبار الأفقي لمقاربة حقوق الإنسان.
وذكر رئيس مجلس المستشارين، في بداية مداخلته، بأن تصدير دستور المملكة الذي يشكل جزءا لا يتجزأ منه، يكرس التزام الدولة المغربية ب"حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء ؛" و كذا "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة."
وأكد على أن هذا المنحى تم تكريسه في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، حيث يتضمن النظام الداخلي لمجلس المستشارين على سبيل المثال مقتضيات خاصة بعلاقة المجلس بمؤسسات و هيئات حماية الحقوق و الحريات و الحكامة الجيدة و التنمية البشرية و المستدامة و الديمقراطية التشاركية.
وحضر هذا الاجتماع أيضا المندوب الوزاري لحقوق الإنسان محجوب الهيبة والسفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة محمد أوجار.