السيد الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري المحترم؛
السيد الأمين العام لحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية المحترم؛
السيد وزير العدل المحترم؛
السيد رئيس فريق التجمع الدستوري، بمجلس النواب، المحترم،
السيد رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين المحترم،
السيدات والسادة البرلمانين والبرلمانيات المحترمين؛
الحضور الكريم؛
بداية أشكركم على دعوتكم الكريمة للمشاركة معكم في أشغال هذا اليوم الدراسي الهام الذي ينظمه فريقاكم النيابيان حول موضوع: "دعم المقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة رافعة أساسية لخدمة التنمية الاقتصادية".
وكما لا يخفى عليكم تعتبر المقاولة، بشكل عام، القاعدة الأساسية لاقتصاد أي بلد، وهي المحرك الرئيسي لكل المشاريع والأوراش والمخططات الكبرى، ولكل طموحات الفاعلين الاقتصاديين والساهرين على حسن تدبير كل المؤسسات الاقتصادية والمالية. وللإشارة تتوفر بلادنا على نسيج مقاولاتي يتكون من حوالي 93 إلى 95 في المائة من المقاولات الصغيرة والمتوسطة والتي تلعب دورا إستراتيجيا ومحوريا في عملية التنمية، إذ تشكل هذه الفئة من المقاولات النسبة الأكبر من النسيج الاقتصادي، وتضمن عدد لا يستهان به من فرص العمل، وتشارك بشكل إيجابي في إنتاج القيمة المضافة، كما لهذه المقاولات، التي تعتبر فضاءا لتشجيع روح المبادرة الذاتية، أثر إيجابي على تماسك النسيج الاقتصادي ومحاربة الفقر والاندماج الاجتماعي. لذلك فهذا النوع من المقاولات تلعب دورا محوريا وحيويا في النمو الاقتصادي وخلق الثروة، وهي بذلك تشكل العمود الأساسي لأي اقتصاد صاعد وحديث. إلا أنه رغم كل ذلك فإنها للأسف لا تحقق من الناتج الداخلي الوطني الخام أكثر من 20 %، بسبب عدد من الصعوبات التي تواجهها؛
ونظرا للأهمية التي تحتلها المقاولات الصغرى والمتوسطة بالمغرب، فقد خصص لها قانون المالية لسنة 2018 عددا من الإجراءات الضريبية والتحفيزية للتخفيف من الضغط الضريبي الذي تشتكي منه، بالإضافة إلى بدل السلطات العمومية، منذ سنوات، لعدة مجهودات واتخاذها للعديد من الإجراءات التشريعية والقانونية والتنظيمية والضريبية، وتبنيها لعدة برنامج لتأهيل وتطوير ودعم وتحفيز المقاولة المغربية، وبالخصوص الصغيرة جدا والمتوسطة. إلا أنه وبالرغم من كل ذلك فإن هذه الأخيرة ما زالت تعاني من عدة مشاكل وتحديات، ويشكل هذا اليوم الدراسي فرصة للوقوف عليها والبحث عن حلول عملية وتقديم توصيات واقعية لتجاوز المشاكل التي ماتزال تواجه هذه الفئة من المقاولات وتقييم مختلف التدابير والإجراءات التي اتخذتها الدولة لصالحها على كل المستويات، القانونية، الإدارية، الضريبية...إلخ،
حضرات السيادات والسادة،
اسمحوا لي، في هذا السياق، أن أتطرق لبعض من المشاكل والتحديات التي تواجه هذه الفئة من المقاولات والتي أعتبرها ذات أولوية، ويمكن إجمالها بشكل مختصر في:
أولا، التحدي المرتبط بالتمويل والولوج إلى الأسواق المالية والبنكية، فرغم بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومات السابقة والحالية والتي لا يسع المجال لذكرها(كعملية مساندة وبرنامج امتياز)، فإن هذا المشكل ما يزال مطروحا ويتمثل بالأساس في ضعف قدرات المقاولات الذاتية للتمويل، وصعوبة الحصول على التمويل الكافي لتمويل مشاريعها وضعفها وعدم تغطيها لكل حاجياتها ، وهو ما يترتب عنه ارتفاع نسبة المخاطر، وضعف على مستوى الضمانات المقدمة إلى المؤسسات البنكية والمصرفية، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على القدرة التنافسية لهذه المقاولات، وأيضا حتى على تأمين استمراريتها وعيشها، كما يطرح في هذا السياق إشكال النظام البنكي في علاقته بهذا النوع من المقاولات بحيث يجب على النظام البنكي أن يكون في خدمة الاقتصاد وليس العكس.
ثانيا، هشاشة المقاولات الصغرى والمتوسطة ويظهر ذلك من خلال ضعف ما تمثله في الاقتصاد الوطني، في حين أن المقاولات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات على الرغم من قلة عددها تستحوذ على نسبة كبيرة من الخيرات، إضافة إلى ضعف المردودية الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، (من مواد أولية، وطاقة، والتجهيزات، النقل، وغلاء العقار)، إضافة إلى عدم وضوح السياسات المعتمدة لدعم هذه المقاولات، (سواء فيما يتعلق مثلا بتكاليف العقار، أسعار الطاقة، مشاكل النقل ومصاريف الشحن، صعوبة التسويق، الجانب الضريبي...). إضافة إلى المشاكل الناتجة عن التأخر في الأداء، والتكاليف الاجتماعية التي أصبحت تحد من فعالية المقاولة ...
ثالثا، هناك الإشكال المرتبط بالتكوين وتأهيل الموارد البشرية وتطوير الكفاءات، في زمن العولمة و التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، التي تجعل من الاستثمار في العنصر البشري، مسألة أساسية وجوهرية وحاسمة، ليكون مؤهلا لمواجهة التحديات التي تواجه هذه المقاولات، وبالخصوص أمام التغير الجدري لمختلف المهن مما يفرض تبني سياسات "للتدبير التوقعي للمهن والكفاءات" لوضع الأطر والكفاءات المؤهلة رهن إشارة هذه المقاولات، لذلك يجب إعادة النظر في النظام المعتمد بخصوص التكوين والتكوين المستمر، الذي يجب إشراك القطاع الخاص بشكل فعال في آليات الحكامة، ووضع برامج للتكوين والتكوين المستمر وإعادة التأهيل محددة الأهداف وتستجيب لحاجيات هذه الفئة من المقاولات.
حضرات السيدات والسادة؛
أريد أن أثير الانتباه إلى أن التحولات والمتغيرات والتحديات التي تنتظر بلادنا من الناحية الاقتصادية ستتأثر بها، في العمق، هذه الفئة من المقاولات، لذلك لا يجب الاستسلام للإفراط في التفاؤل فيما يتعلق بمآل المقاولات الصغرى والمتوسطة على المدى المتوسط والبعيد، لأن التحديات التي تواجه هذا النوع من المقاولات ترجح احتمال تفاقم مشاكلها في ظل غياب التفكير والإدراك العميق للتحديات المستقبلية التي ستواجهها في ظل العولمة، لذلك لابد من توفر رؤية مستقبلية بعيدة المدى والبحث عن سبل مواجهة ما ينتظرها من خلال تبني حلول بنيوية وعميقة؛
ويمكنني الجزم، في تقديري المتواضع، على أن المقاولات الصغرى والمتوسطة في المغرب لا تعاني اليوم من أزمة نصوص تشريعية أو نصوص قانونية لأنه تمت المصادقة خلال السنوات الأخيرة على عدد من النصوص القانونية( تعديل مدونة التجارة، النص القانوني المتعلق بالتكوين المستمر...) وبعضها الآخر في طور المصادقة عليه(كقانون إحداث المقاولات بطريقة إلكترونية ومواكبتها...)، وإنما تحتاج إلى مواكبة وتحفيز ودعم مؤسساتي من طرف الدولة وتنخرط فيه كل القطاعات الحكومية، بشكل فعلي وجدي، دون الركون فقط إلى تكرار نفس التشخيصات التي لا يختلف عليها أحد، بل تحتاج إلى الإرادة القوية في زمن يعرف فيه عالم المقاولة والاقتصاد تحولات جدرية، كبيرة، سريعة، ومعقدة في ظل عولمة الاقتصاد وانتشار وسائل الاتصال والتكنولوجيات الجديدة التي تفرض على المقاولات المغربية مواكبة التحديات المترتبة عن هذه التحولات الكبرى ، وذلك لن يتأتى إلا من خلال تأهيلها لمواجهة التنافسية القوية المفروضة من قبل السلع الأجنبية المتدفقة على السوق الوطنية والعالمية على حد سواء، وعصرنة طرق تدبيرها وتسييرها، والاستفادة من التكنولوجيات الحديثة سواء فيما يتعلق بالتصنيع والتسويق، وحل مشاكل التمويل، والتكوين الجيد والمناسب للموارد البشرية والبحث عن كفاءات ذات خبرات تقنية وتدبيرية تملك مفاتيح النجاح والقدرة على الابتكار وخلق ومتابعة كل الفرص التي يتيحها محيط المقاولة، وكل ذلك من أجل أن تكون هذه الفئة من المقاولات قادرة على رفع التحديات والرهانات المستقبلية والانخراط والمساهمة في النموذج التنموي الجديد، وتعلب دورها في تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز مساهمتها في النمو الاقتصادي ، ولذلك يجب أن نجعلها في صلب النموذج التنموي الجديد الذي نبتغي بناءه.
في الأخير أتمنى التوفيق لأشغال هذا اليوم الدراسي وأن يكون فرصة للتشخيص والتقييم الواقعي وأيضا مناسبة للخروج بحلول وتوصيات عملية يمكن أن تفيد في النهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، وشكرا على حسن إصغاءكم والسلام عليكم./.