السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان بالمملكة المغربية
معالي السيد إلياس كاستييو، رئيس برلمان أمريكا اللاثنينة والكراييب
معالي السيد رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا
السيد رئيس المجموعة الجيوسياسية لأمريكا اللاثينية والكراييب بالاتحاد البرلماني الدولي
السادة رؤساء البرلمانات
السادة رؤساء الوفود البرلمانية
السادة ممثلو الاتحادات والجمعيات البرلمانية العربية والافريقية و الدولية
السيد المندوب الوزاري لحقوق الانسان
السيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان
السيد الكاتب العام للاتحاد البرلماني الافريقي
السادة الأعضاء السابقين بهيئة التحكيم المستقلة للتعويض
السادة الأعضاء السابقين بهيئة الانصاف والمصالحة
السادة الخبراء والمشاركين
حضرات السيدات والسادة.
بعد الترحيب بكم جميعا في بلدكم الثاني المغرب وشكركم على تلبية الدعوة، اسمحوا لي في مستهل هذه الكلمة أن أتقدم بالشكر الجزيل لشريكنا الرئيسي في هذه الندوة الدولية الهامة وأقصد المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
يندرج تنظيم هذه الندوة الدولية، ليس فقط لتفعيل إحدى الأولويات البرنامجية للرابطة – أسيكا-، ولكن أساسا لمرافقة التحولات التي تشهدها المنطقتين الجغرافيتين المشمولتين باختصاصها لتجريب وافتحاص الجدوى من اللجوء إلى العدالة الانتقالية كبديل عن كافة الأشكال الأخرى لفض نزاعات الماضي من جهة، ولمحاولة تلمس سبل رفع التحديات ذات الصلة بالمتغيرات الجيو – سياسية الإقليمية وتبعات موجات الاحتجاج والهبات الاجتماعية التي أفضت إلى تغيير خارطة الأنظمة السياسية بدول بعينها وما نتج عن ذلك من تحديات ورهانات لا داعي للخوض في تفاصيلها، من جهة أخرى.
فبعد مرور 15 سنة على تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة والتي جرى تنصيب رئيسها وأعضائها يوم 7 يناير 2004 ووصف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله في خطابه السامي لهذه التجربة بكونها"...هي إنجاز من لدن شعب لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، عاملا على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية لبناء مجتمع ديمقراطي وحداثي يمارس فيه كل المواطنين حقوقهم وينهضون بواجباتهم بكل مسؤولية وحرية والتزام." وللتذكير فقط، فبعد تقديم تقريرها الختامي في نهاية نونبر 2005 والموافقة السامية عليه، أصدر جلالة الملك أوامره بتنفيذ توصيات الهيئة وتكليف المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (المجلس الاستشاري آنذاك والمجلس الوطني حاليا) بمتابعة وتتبع التنفيذ كخطوة غير مسبوقة في التجارب الدولية السابقة.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد فتحت هيئة الإنصاف والمصالحة الباب أمام بروز جيل جديد من هيئات الحقيقة والمصالحة كآليات غير قضائية لتسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ فإذا كانت التجارب المؤسسة قد وقعت في ظل تغيرات جوهرية في طبيعة الأنظمة السياسية - ولاسيما الانتقال من الديكتاتورية إلى الحكم المدني-، فإن لجنة الحقيقة المغربية قد تأسست في ظل استمرارية نفس النظام السياسي كمؤشر على أن العنصر الحاسم في استحداث آليات من هذا النوع يتمثل في توافر الإرادات وخاصة إرادة الدولة وإرادة القوى الفاعلة في المجتمع لمواجهة الماضي. وإن حصول التفاعل بين هذين الطرفين وبين المجتمع المدني بصفة عامة هو الذي ينتج صيغة من صيغ التدبير ومواجهة الماضي وفق إرادة تنبثق من عوامل سياسية ومجتمعية محددة.
عطفا على ذلك، ولي اليقين، بأن خبراء وخبيرات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والأعضاء السابقين لهيأة الإنصاف والمصالحة الحاضرين معنا اليوم -والذين أتشرف وأعتز بمشاركتهم معنا- في هذه الندوة، سيقدمون ما يكفي من بيان عناصر فرادة التجربة المغربية في هذا المجال ولاسيما تحقيق أهداف إستراتيجية غير مرئية قوامها تجنيب بلادنا الويلات والمآسي، ولاسيما "الانتقالات الدموية" transitions sanguinaires التي مازالت ترخي بضلالها على محيطنا القريب، وذلك بفضل الرؤية الاستباقية والاستشرافية والريادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ليس فقط بتفاعله مع انتظارات ومطالب المجتمع الآنية ولكن بسياسته المقدامة لمواجهة ماضي الانتهاكات الحقوقية وأعطاب الحكامة الاقتصادية والمؤسساتية قبل عقدين من الزمن.
حضرات السيدات والسادة؛
اسمحوا لي بعد التنويه والإشادة غير المبالغ فيها بالمجهود المبذول من قبل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي مازال مستمرا، لاستكمال تسوية الملفات العالقة، أن أتقاسم معكم بعض الأفكار ذات الصلة بموضوع ندوتنا هذه.
يفيد استقراء التجارب العالمية أنه لا يقصد بالمصالحة الصلح بين طرفين بين الفرد والجلاد أو بين الفرد والمسئول عن الانتهاك، فموضوع الصفح وطلب الاعتذار أو السماح شأن يهم الأفراد، في حين أن المقصود عادة في الانتقالات السياسية بالمصالحة هو المصالحة السياسية والاجتماعية، وغالبا ما تسبق المصالحة السياسية الأشكال الأخرى من المصالحة. ومن بين أبرز أشكال هذه المصالحات هو فتح النقاش الصريح والواسع النطاق حول حقيقة ما جرى ولماذا جرى وخاصة ما يتعلق بالاستهتار بالحقوق والتمزق الثقافي وإنكار التاريخ وتشويه الذاكرة الجماعية.
فضلا عن ذلك، فالعمل المحوري الذي تقوم به لجان الحقيقة لا يتعلق فقط بكشف الحقائق كحقائق مجردة حول الانتهاكات وكافة أشكال القمع ولكن في النفاذ إلى جوهر الأمور عبر تفسير هذه الانتهاكات كنمط من أنماط القمع وكوسيلة من وسائل تدبير الشؤون العامة في مرحلة معينة،لأن النقاش حول الأسباب يؤدي إلى إثراء الثقافة السياسية وإلى الوعي بالذات وإلى التماثل مع التاريخ المشترك الذي يجمع شعبا أو وطنا؛ لأن إحياء الذاكرة وترميمها من شأنه السماح بإغناء -كما جاء مثلا في نص الظهير الشريف المحدث لهيئة الإنصاف والمصالحة- المساهمة في تنمية وإشاعة مقومات المصالحة. فالمصالحة في آخر المطاف هي نتيجة ومسارات منها مسار الحقيقة ومسار الديمقراطية ومسار ترسيخ ضمانات عدم تكرار ما جرى ومسار استرجاع الثقة، ومن تم فهي محصلة كل هذه المسارات ولا تتأتى بمجرد الدعوة إليها.
حضرات السيدات والسادة؛
تأسيسا على ما سبق، نتطلع إلى أن ينصب النقاش، من خلال المحاور المقترحة، على مسائلة أدوار البرلمانات الوطنية وفقا للأنظمة الدستورية والقانونية الخاصة بكل بلد، بدءا بالاستشارات الوطنية لإطلاق مسارات العدالة الانتقالية ومرورا بمساهماتها التشريعية ولاسيما في سن القوانين ذات الصلة وتفعيل أدوارها الرقابية وخاصة المتعلق منها بلجان تقصي الحقائق وانتهاء بالمساهمة في متابعة مخرجات هيئات الحقيقة والمصالحة ذات الصلة بالإصلاحات المؤسساتية وتأهيل منظومة العدالة وضمانات عدم التكرار.
وفي الختام وفضلا عن الأدوار الحاسمة للبرلمانات الوطنية في سن وتجويد القوانين أو مشاريع قوانين أو مقترحات قوانين ذات الصلة بالعدالة الانتقالية، فالمعول عليها هو تعزيز سعي البرلمانات الحثيث إلى المساهمة في استرجاع الثقة وإعادة ترميم النسق السياسي بعد سنوات من التمزق الحاصلة عن النزاعات والذي لن يتأتى إلا بإذكاء الوعي والتفكير الجماعي لاقتراح إصلاحات والمساهمة في تقييم ما حصل من إصلاحات في مرحلة الأزمة وفي مرحلة الانتقال واستشراف المستقبل؛ من جهة وفي جعل المؤسسة البرلمانية ليس فق فضاء للبوح العمومي ولكن أيضا مجالا للحوار المجتمعي الحر والمفتوح وآلية استباقية لاحتواء الأزمات والإنذار المبكر بإمكانات حدوثها، من جهة أخرى، على اعتبار أن البرلمان هو امتداد طبيعي ومؤسسي لساحات التداول الشعبي بشأن القضايا المؤرقة والمشاكل التي من شأنها استدامة التوترات والاحتقان الاجتماعي المهدد للسلم والاستقرار.
تلكم سيداتي سادتي بعض الأفكار التي وددت تقاسمها معكم وشكرا على حسن الإصغاء.