السيدات المستشارات والسادة المستشارين؛
السيد عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
السيدات والسادة ممثلي البرامج الشريكة في تنظيم هذه الندوة؛
السيدات والسادة الخبراء؛
أيها الحضور الكريم؛
لقد حظي موضوع مصالحة المغرب مع هويته ولغته وثقافته الأمازيغية، باعتبارها ملكا لجميع المغاربة، بعناية ملكية سامية كبيرة، تجسدت في الخطاب التاريخي لأجدير، منذ قرابة عشرين سنة، الذي وضع من خلاله جلالة الملك أسس مقاربة هذا الملف، بأن جعله في قلب "المشروع الديمقراطي الحداثي"، وأنه يندرج في إطار "رد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية". وكان تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الاداة الضرورية للتفكير والاقتراح لمسلسل إدماج الأمازيغية، أساسا، في مجالي التعليم والإعلام؛
لكن، تبقى نقطة التحول الاهم، متمثلة في الخطاب الملكي لـ 9 مارس 2011، الذي دشن لمسلسل عميق خصص المرتكز الاول منها "للتكريس الدستوري للطابع التعددي للإصلاح الدستوري، بمرتكزات سبع، للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة"، وترجمة لذلك، نص الفصل الخامس من دستور 2011، على أنه "تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"؛
ولتفعيل الطابع الرسمي الأمازيغية، أحدث دستور المملكة، آليتين، الأولى، هي القانون التنظيمي المتعلق بمراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الاولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية، والثانية، هي المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والذي تكمن مهمته، على وجه الخصوص، في حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية باعتبارها تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا؛
وعلى أساس هذه المرجعية الدستورية، تم وضع القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والمشكل لخارطة طريق لإعطاء معنى فعلي وملموس وحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية؛
السيدات والسادة
لقد خص القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، بابه الثالث للبرلمان، بعنوان "إدماج الأمازيغية في مجال التشريع والتنظيم والعمل البرلماني"، ووضحت المواد 9 و10 و11 ما هو مطلوب من البرلمان في مسلسل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والذي يكمن في "استعمال اللغة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية في إطار أشغال الجلسات العمومية للبرلمان وأجهزته، مع توفير "نقل جلسات البرلمان بمجلسيه، و الترجمة الفورية لهذه الاشغال من اللغة الأمازيغية وإليها عند الضرورة" مباشرة على القنوات التلفزية والاذاعات العمومية الأمازيغية، مصحوبة بترجمة فورية لأشغالها إلى اللغة الأمازيغية. مع إصدار نسخة من الجريدة الرسمية للبرلمان باللغة الأمازيغية". كل ذلك داخل سقف زمني يتراوح ما بين خمس سنوات، وخمس عشرة سنة من تاريخ نشر القانون التنظيمي المذكور بالجريدة الرسمية؛
وانخراطا من مجلس المستشارين، في مسلسل التفاعل الايجابي مع هذا المتطلب الدستوري الكبير، ننظم هذه الندوة التي تندرج في مسلسل للتهيئ الجيد، والتفكير الجماعي، المنفتح على التجارب المقارنة الرائدة في سياسات تدبير التعددية اللغوية في تنظيم أشغال المجالس والهيئات النيابية، لتمكين مجلسنا في القريب، من كل المقومات الفنية، والبشرية للتحدث والتواصل، والنشر باللغتين الرسمية لبلادنا العربية والأمازيغية. ولأن منظورنا، لهذا الورش ليس تقنيا، وليس مرتبطا فقط بتوفير الأجهزة الضرورية، وكفاءات للترجمة الفورية، عملنا على تبني هذه المقاربة المنفتحة، المنصتة إما لمؤسسات وطنية وخبرات محلية، أو الاستعانة بهيئات وكفاءات دولية مشهود لها بالعطاء في هذا الموضوع؛
فإدماج اللغة الأمازيغية في هياكل مجلس المستشارين، أشغال جلساته، وأعمال لجانه، وبياناته، وبوابته الالكترونية، سيغير صورة مجلسنا، وسيجعله مجلسا متعددا، قريب خطابه من عموم المواطنين، متحدثا بلسانهم، منفتحا على انشغالاتهم، مما سيعزز دائرة الاهتمام بأعمال مجلسنا، وأداء مكوناته، بشكل أكبر من ذي قبل، وسيعكس، في ذلك، غنى الثقافة الوطنية وتعدد روافدها المتلاحمة المتنوعة من جهة، والمنصهرة من جهة أخرى؛
إن كل ما تقدم، يتطلب إحداث تغيير كبير في نظامنا الداخلي، هذه الوثيقة المرجع، المتممة للدستور وللقوانين التنظيمية، والتي تعد دليلنا في الممارسة البرلمانية اليومية، مطالبة بأن تقدم لنا أجوبة كافية لمسلسل التفعيل الذي ننشده، فنظامنا الداخلي، الذي فتحنا ورش تعديله ومراجعته مؤخرا، موكول له توضيح القواعد الضابطة للعمل بلغتين رسميتين، والتعبيرات اللسنية المعنية، وتوحيد المعجم الموظف، وإعداد المحاضر والتقارير، إلى جانب ما تفرضه الترجمة الفورية من توفير إمكانات مادية وبشرية هامة...وكما تعلمون، فإن جزءا كبيرا من هذا الانشغال، ليس قانونيا، ويهم بالأساس البحث اللسني واللغوي، وإعداد قواعد للمعطيات، وتوحيدا للمفردات والعبارات، وتدقيقا لها... وهو ما دفعنا إلى تجديد شراكة مجلسنا مع مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بمحاور وبدفتر عمل وتعاقد جديدين، قادرة على تلبية كل هذه التحديات والانتظارات، بما في ذلك، تأهيل أطر المجلس للقيام بهذه الادوار الجديدة؛
السيدات والسادة
إن الدستور المغربي، والقوانين التنظيمية المنبثقة منه، غيرت الوجه المؤسساتي لبلادنا، وعززت حداثة وديمقراطية نظامنا، وسلطته الدستورية، وحفظ لمملكتنا، موقعا ضمن الدول التي تتعزز فيها، وبنفس تراكمي، مكتسبات الحقوق والحريات، ومؤشرات الديمقراطية والتنمية المستدامة، وهو ما يلقي تحديات كبيرة على مؤسستنا، للتعريف بهذا التطور، وبترجمته المنتظمة في الادوار الدستورية لمجلسنا، وفي عمله الديبلوماسي، وفي شراكاته وصداقاته المتعددة المتنوعة... ومن خلال هذا الورش، الذي نفتتح حلقاته اليوم، فإننا نأمل من خلاله، تحقيق ما يلي:
- أولا، التأكيد على الطابع التشاركي في عمل مجلس المستشارين، لمقاربة الاشكالات الكبيرة، والتي تتم في انفتاح وانصات لكل المتدخلين، لا سيما إذا تعلق الامر بتفعيل أحكام الدستور، وأجرأة أحكامه الجديدة التي لم تجرب قط؛
- ثانيا، تعزيز العلاقات المؤسساتية التي تربط مجلسنا بالمؤسسات الوطنية أو الدولية، والتأكيد على جدية الحوار والشراكات التي تربطنا بها؛
- ثالثا، تعريف شركائنا الدوليين، بمستوى التطور الحاصل في منظومتنا المؤسساتية، ونمط اشتغالها وطبيعة مقاربتها، والتي تستلهم في كل ذلك المعايير الدولية المعمول بها، والتي تحظى باحترام وتقدير وعناية من الجميع.
السيدات والسادة
إن انتظاراتنا تبقى كبيرة، ورهاننا أكبر، على ما ستفضي إليه ندوتكم، ومسلسل تداولكم، من توصيات ومخرجات، نعول على عناصر أجوبتها، لمقاربة الأسئلة المقلقة المطروحة علينا في مسلسل تفعيل وأجرأة الطابع الرسمي للأمازيغية بمجلسنا، ومع ذلك فإننا واثقون، من أن خبراتكم، ومؤهلاتكم، ومساراتكم، ودروس التجارب التي تنتمون إليها أو التي تشتغلون عليها ... ستمكننا في النهاية من وضع اللبنات الاولى لهذا الورش الهام، المندرج في سياق وطني أوسع يروم تمكين اللغة الأمازيغية من كل المقومات التي تؤهلها للقيام بأدوارها الدستورية كاملة؛
لا يسعني في النهاية، الا أن أشكركم على التعاطي الايجابي مع دعوتنا للمشاركة في هذه الندوة، مع التنويه بشركائنا الوطنيين والدوليين ومساهمتهم في الإعداد الجيد لهذا اللقاء، الذي نتمنى لأشغاله، ولمناقشاته ولتوصياته كامل التوفيق والنجاح؛
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.