بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
السيدات والسادة الحضور الكرام
إن معاناة المجتمعات، وبشكل خاص المجتمعات العربية، تتزايد باستمرار جراء تصاعد موجات التعصب والتطرف، والتي وإن اختلفت في حجمها ومستواها وحدتها من مجتمع إلى آخر إلا أنه يجمعها فكر واحد، هو فكر الغلو والتشدد والكراهية.
والإرهاب ليس فعلا فحسب، لكنه بالأساس نتاج فكر منحرف، ونتاج خطاب يحرض على الكراهية: كراهية للمجتمع والدولة والعصر وفي أحيان كثيرة كراهية حتى للحياة. وبذلك فالإرهاب أساسه فكر متطرف، يقوم على ادعاء مطلق بتملك الحقيقة كاملة، مع رفض كامل لنسبية الحقيقة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وإذا كان الفكر العدواني المنحرف، أساسه التنشئة الأولى وخبرات الطفولة القاسية ثم التعليم الأحادي التلقيني الذي لا ينمي العقلية الناقدة، فإن الخطاب الديني التحريضي وفتاوى التكفير والأشرطة والكتيبات المتعصبة وأخيرا المنبر الإلكتروني المتطرف، كلها عوامل تغدي نزوعات الكراهية والفكر الإرهابي.
وجدير بالذكر، أن نزوعات التعصب والتطرف التي نشهدها اليوم، هي ثمار لما تم زرعه وتغذيته باستمرار من قبل تيارات سياسية ودينية تقتات على الكراهية والعنف:
ـ التيار التكفيري الديني، والذي يمثل فكرا إقصائيا قمعيا يشكك في معتقدات الآخرين، ويتهمهم بالبدعة والانحراف والضلالة، ويرى هذا التيار أن استخدام العنف وسيلة مشروعة في فرض الرأي السياسي والمفاهيم الدينية الخلافية.
ـ تيارا لإسلام السياسي، وهو فكر يقوم على أبدية الصراع مع الغرب، باعتباره العدو الدائم المتربص والمتآمر على المسلمين، ولذلك فهو فكر اتهامي مسكون بهواجس التآمر العالمي
-
وهو لا يكتفي باتهام العالم فحسب بل يتهم أيضا كل الأنظمة العربية الحاكمة بأنها صنائع الغرب وتنفذ مخططات الغرب، ثم إنهم يسحبون اتهاماتهم حتى على المثقفين والمفكرين من دعاة الإصلاح الديني والتعليمي والسياسي.
-
التيار القومي الذي يقوم على اعتقاد جازم بأن الغرب هو العدو الذي عوّق نهضة العرب، وأخطر ما في هذا الفكر أنه يحتكر (الوطنية ) ويخون الآخر المختلف معه، فإذا كان التياران السابقان (التكفيري والاسلام السياسي) يحتكران (الجنة) فإن التيار القومي يحتكر(الوطن).
-
وقد أدى التلاقح والتفاعل بين التيارات الثلاثة على امتداد العقود الأخيرة إلى إفراز ثقافة متعصبة متطرفة هي "ثقافة الكراهية" ولا سيما ضد دعاة العقلانية والتحديث والمطالبين بتبني ثقافة المراجعة والنقد .
وتزداد هذه الثقافة رسوخا وخطورة بفعل التحريض المستمر من قبل منابر التحريض ولاسيما بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الواسعة الانتشار، ذلك أنها تسهم وبشكل خطير في تهيئة بيئة مجتمعية متعاطفة مع ثقافة الكراهية.
شكرا على حسن انتباهكم