تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين ذ. عبد الحكيم بن شماش في لقاء رؤساء البرلمانات الافريقية ليوم 08 يوليوز 2021

2021-07-08

السيد الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب،

السادة رؤساء البرلمانات الوطنية الافريقية،

السادة رؤساء الوفود،

 إنه لَمِنْ دواعي سعادتي اليوم، أن أرحب بكم في مقر البرلمان المغربي، وببلدكم الثاني المغرب، لأعبر لكم جميعا عن شكري العميق على حضوركم والسماح لنا بتجديد اللقاء بكم في هذا الاجتماع البرلماني الرفيع المستوى.

ولا شك، أن اجتماعنا هذا سيساهم في مزيد من التشاور المثمر حول مستقبلنا المشترك، وسيشكل فرصة مهمة لتعميق النقاش وتبادل الرأي، حول أفضل السبل لتجاوز ما فرضته جائحة كوفيد 19 وما سبقها من عقبات واختلالات بنيوية، وتحقيق الشروط المثلى لتحقيق التنمية المستدامة، وحول أنجع الوسائل لضمان مزيد من التعاون والتضامن لمصلحة ومستقبل شعوبنا.

حضرات السيدات والسادة،

 فكما تعلمون جميعا، ينعقد اجتماعنا هذا في ظروف إقليمية ودولية صعبة واستثنائية، جراء التبعات السلبية لجائحة كوفيد 19 على المستويات الاقتصادية والاجتماعية. فمن المرتقب أن يعيش عالمنا أسوء كساد اقتصادي منذ 90 سنة، مع وصول نسبة المديونية العامة العالمية لمستويات قياسية وغير مسبوقة من الناتج الداخلي العالمي. ومن جهة أخرى، من المتوقع أن تتسع رقعة الفقر العالمية ب 150 مليون شخص في هذه السنة (8 من عشرة منهم سيكونون في الدول ذات الدخل المتوسط) وخصوصا بدول الجنوب ولاسيما منطقتنا الافريقية.

وإذا كان هذا المعطى الواقعي يكشف حجم التحديات غير المسبوقة المطروحة على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية لدولنا وقارتنا الإفريقية، فإنه من جهة ثانية يشكل فرصة وضرورة ملحة لتجديد أساليب التفكير وتسريع مسارات التغيير، وابتكار صيغ متقدمة لتعزيز وتوطيد آليات التعاون الثنائي والمتعدد الاطراف.

 وحين نقر بهذه الضرورة الملحة فان الأمر يستلزم، في المقام الأول، التعامل الصارم والحازم مع الجماعات والجهات المهووسة بحنينها إلى أساليب الزمن البائد، وزرع الدسائس عبر محاولات التفرقة وتفتيت الدول ورعاية الانفصال وممارسات قطاع الطرق، وفي مقام ثان المضي قدما في جعل مصالح شعوب قارتنا فوق كل اعتبار، وألا نخطئ الموعد والهدف مرة أخرى. وينضاف إلى ذلك الاتجاه بكل عقلانية وموضوعية إلى اعتبار حجم الفرص الهائلة التي تم تضييعها وتركيز جهودنا وتفكيرنا فيما يوفره التعاون والتكامل الإقليمي من مقومات إقلاع قارتنا، والتوجه سويا نحو المستقبل.

حضرات السيدات والسادة

 إفريقيا اليوم تمتلك امكانيات اقتصادية وديموغرافية وطبيعية هائلة توفر مجتمعة ٬ مع بزوغ جيل جديد من القيادات المستوعبة لمسؤوليتها التاريخية، فرصة ثمينة للتموقع الايجابي لقارتنا في النظام العالمي الجديد لما بعد كوفيد 19، كما أن مسار التعافي والتنشيط الاقتصادي يجب إن يكون مبنيا على التعاون والثقة والتكامل، فمن الصعب أن تنجح بلداننا في هذا المسار بالاعتماد على مقوماتها وامكانياتها الذاتية فقط، خاصة وأن كل دولة ستحتاج بالضرورة الى أسواق كبيرة وتدفقات استثمارية خارجية هامة ومنظومات لوجستية تنافسية. لذلك فالتعاون بين بلداننا سيمكننا جميعا من الطاقات الكبيرة المشتركة من أجل المضي قدما في آليات التعافي الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

حضرات السيدات والسادة،

 إننا كبرلمانيين مغاربة، حين نتحدث عن الفرص والضرورات السالفة الذكر، وحين نقر بأهمية وحتمية التعاون والتكامل والوحدة الافريقية في مختلف مستوياتها، فإننا ننطلق من مرتكز أساس في السياسة الخارجية للمملكة المغربية كجزء لا يتجزأ من الفضاء الإفريقي، وباعتبار افريقيا الامتداد الطبيعي جغرافيا وسياسيا للمغرب، مرتكز قوامه دعم التعاون جنوب- جنوب الذي يقوده ويرعاه جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، كما ننطلق من روح المبادئ التي وسمت علاقات المملكة المغربية مع اشقائها الأفارقة، القائمة على التضامن ونصرة قضايا الشعوب الافريقية، بدءا من دعمها واحتضانها لحركات التحرر الافريقية، وصولا الى المقترحات البناءة والمبادرات التضامنية للمغرب، بتوجيهات ملكية سامية، مع البلدان الإفريقية من أجل مواجهة جائحة كوفيد 19 والخروج من تداعياتها العصيبة.

 فالمغرب بعد عودته إلى أحضان أسرته في الاتحاد الإفريقي، وإصراره الدائم والمبدئي على التمسك بجذوره الإفريقية، فقد سعى بكل صدق ومصداقية، الى تطوير شراكات قوية مع عمقه الافريقي وفق مبادئ تنبني على توجهات "التنمية المشتركة"، ووفق منهجية تستهدف تعزيز تدفقات استثمارية قوية ونقل مستمر للخبرات وتعزيز آليات الخلق المشترك للقيمة المضافة من أجل وضع أسس صلبة لانبثاق سلسلة قيمة افريقية قادرة على التموقع القوى في منظومة سلاسل القيمة العالمية. وفي هذا الاطار يسجل انتقال الاستثمارات المغربية في القارة الإفريقية من 907 ملايين درهم سنة 2007 إلى 5.4 مليار درهم سنة 2019، بجانب مساهمة المغرب في تعزيز منصات التكوين وتقوية المنظومات البنكية وتعزيز مشاركة الممارسات الفضلى في السياسات القطاعية لتطوير نجاعتها وآليات الحكامة، مع العمل على الاستثمار في الرقي بالسيادة الغذائية الافريقية من خلال توطين مجموعة من مصانع الاسمدة بالقارة بهدف تطوير الانتاج في أفق ضمان الأمن الغذائي لمجموعة من الدول الإفريقية، وهذه التوجهات تجعل من المغرب مستثمرا استراتيجيا موثوقا به بالقارة الافريقية.

 كما عمل المغرب على توسيع نطاق الشراكات، لتشمل قطاعات إستراتيجية جديدة كقطاع الطاقة. حيث أن الشراكة المغربية النيجيرية ستمكن من انجاز أحد أهم أنابيب الغاز بالعالم، وهو ما يشكل تحولا عميقا في الخريطة الطاقية العالمية وتوجها ذكيا لربط نيجيريا ومعها 13 دولة افريقية أخرى مع المنظومة الطاقية الأوربية بممر طاقي استراتيجي سيمكن من تثمين قوي للقدرات الطاقية بالقارة الافريقية وفتحها على أحد أهم الاسواق بالعالم.

السادة الرؤساء المحترمين،

الحضور الكريم،

إن القناعات والضرورات السالفة الذكر، وكل ما يرتبط بها من تحديات جسام، مقابل ما تتوفر عليه قارتنا من مقومات النهضة والتنمية، يستوجب حضور مؤسسة برلمانية افريقية جديرة بحمل هذا الاسم، قادرة على الاضطلاع بمهامها التاريخية ومسؤولياتها الأخلاقية والسياسية، مؤسسة برلمانية افريقية ينصب عملها على بلورة التصورات واقتراح الأفكار وبرامج عمل ملموسة كفيلة بوضع "أجندة مشتركة للتعافي الاقتصادي والرفاه الاجتماعي" تشكل آلية لتعزيز الاندماج الاقتصادي بين دول قارتنا وتقوية الربط اللوجيستي والترابط القوي لمنظومة سلاسل القيمة الجهوية والتوطين المشترك للأنشطة الصناعية وتبادل الخبرات في المهن العالمية الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التي ستكون دون شك أهم آليات خلق الثروة في المستقبل.

مؤسسة برلمانية كفيلة بإيصال صوت الشعوب الافريقية والانصات لهمومها والاستجابة لتطلعاتها، برلمان إفريقي يكون فضاء لإبداع الحلول والمبادرات، من قبيل إحداث آلية برلمانية إفريقية لتتبع تنفيذ الالتزامات الخاصة بمنطقة التبادل الحر للقارة الافريقية، وتسريع مسار تنزيل أهدافها من أجل أن تشكل آلية عملية لتقوية مسار التعافي الاقتصادي لما بعد جائحة كوفيد 19. مؤسسة برلمانية افريقية شرعية وموثوقة وناجعة قادرة على تقديم مقترحات لتجويد الممارسات التشريعية المرتبطة بمنطقة التبادل الحر، بهدف ضمان التحيين المستمر للقوانين والأنظمة من أجل انجاح هذا الورش التجاري القاري، الذي يشكل أكبر منطقة للتبادل الحر بالعالم.

مؤسسة برلمانية ينصب عملها على بلورة أجندة تشريعية إفريقية استباقية وبناءة، تسعى لتحقيق الوحدة والتكامل الإفريقيين، عمادها تعزيز التضامن والتسامح ووحدة الأفارقة.

فلم يعد الوضع ولا الظرفية الدقيقة التي تجتازها الشعوب الإفريقية، تسمح لمن ما زال يحن إلى الممارسات والأساليب والأطروحات المتهالكة وليدة مخلفات الحرب الباردة، أن يجعل من البرلمان الإفريقي مؤسسة فارغة، أو فضاء للسجال العقيم؛ ولم يعد مقبولا البتة، ولا مسموحا لمن أعماهم الحقد والضغينة أو النزوات الشخصية، ولا لمن جعل نفسه رهينة وأداة في يد أطراف خارجية لا تريد الخير لإفريقيا ولشعوبها، أن يعيد تلك الممارسات المشينة واللاديمقراطية التي استعملتها داخل البرلمان الإفريقي، خصوصا في دورته العادية الرابعة التي انعقدت خلال شهر مايو الماضي.

إخواني رؤساء البرلمانات الإفريقية،

الاخوة رؤساء الوفود،

اننا مدعون قبل أي وقت مضى، لتوحيد الصف البرلماني الافريقي، وملزمون لخدمة هذا المسعى النبيل، باتخاذ الإجراءات والتدابير، واقتراح الحلول والبدائل الكفيلة بتأهيل العمل البرلماني الإفريقي، ليكون جسرا متينا وحلقة وصل أساسية في مسار تكريس التكامل الإفريقي.

      إننا نطمح أن تفضي هذه المحطة الهامة من التشاور بيننا إلى اعتماد توصيات لا تقف عند حد تشخيص المشاكل وكشف العقبات التي تعاني منها الديمقراطية الإفريقية الناشئة وخصوصا في بعدها التمثيلي البرلماني القاري، بل تبتغي البحث عن أجود السبل لتوحيد الرؤى وتقريب وجهات النظر بشأن الأسئلة والقضايا المطروحة، في أفق المشاركة بمواقف ومبادرات مشتركة كفيلة بطرح أجوبة وبدائل مؤسساتية تروم البناء ٬ بناء مؤسسة تمثيلية برلمانية افريقية قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها التاريخية في ظل هذه الظرفية الدقيقة والصعبة التي تعيشها قارتنا الافريقية، وقادرة على استعادة ادوارها التاريخية في استشراف أجوبة ومقترحات ومبادرات تضع مصلحة الشعوب الافريقية في صلب اهتماماتها، وتجعل من البرلمان الافريقي صوتا مسموعا في مختلف المحافل الدولية والأممية.

    السادة الرؤساء المحترمين،

   الحضور الكريم،

 وفي الختام، اسمحوا لي التأكيد على أن تذكيري، في معرض هذه الكلمة، بالنزر القليل من المساعي الصادقة للمملكة المغربية، وببعض من مبادراتها التضامنية، ليس من باب التباهي أو استجداء

منفعة ظرفية، بل قناعة منا في البرلمان المغربي بأن هذا الإسهام ينبني أولا وقبل كل شيء، على تصور استراتيجي متجدد ومتكامل حدده جلالة الملك في أكثر من مناسبة، قائم على الاعتماد على المقومات والقدرات الذاتية لقارتنا وعلى ترسيخ العلاقات التاريخية مع جميع بلدان المنطقة عبر مبادرات لا تشمل فقط الجانب الاقتصادي بل تمتد إلى مختلف الحقول الإنسانية والتنموية والتضامنية والسياسية والدينية والأمنية، ...وتبعا لذلك، يحق لنا أن نتوجه مباشرة إلى تلك الجهات الأخرى، بكل مسؤولية وجدية، ونهيب بها أن تعمل على المساهمة في تحقيق النماء والعدالة الاجتماعية بقارتنا العزيزة ومراعاة مصالح شعوبها وبما ينفع مصالح الشعوب الإفريقية والنأي عن إحاكة الدسائس والمكائد وأساليب وممارسات العهد البائد؟؟ وبكل الوضوح اللازم يحق لنا التساؤل عن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها حين تجعل من كل قمة برلمانية افريقية فضاء لعرقلة التعاون والتكامل والحوار البرلماني الرصين والبناء؟ ربما هي أسئلة لن تكون لدى الجهات المعنية بهـــا الجرأة للإجابة عنها، لكـــــــــــــــــن

التاريخ سيضع كل واحد في مقام منجزاته ومبادراته، وقبل هذا وذاك،

فالشعوب الإفريقية بنضجها وذكائها قادرة على مواجهة هذه الأساليب وعلى تقرير مصيرها ومستقبلها.

      تلكم بعض الهواجس والقناعات التي وددت تقاسمها معكم، وشكرا على حسن الإصغاء ومرحبا بكم مجددا في عاصمة الأنوار عاصمة بلدكم الثاني.