تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني الدولي التاسع للعدالة الاجتماعية

2025-02-19

السيد رئيس مجلس النواب؛

السيدة والسادة الوزراء؛

السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛

السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان؛

السيد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛

السادة السفراء، قيدومو الأسلاك الديبلوماسية بالمغرب؛

السيد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة؛

السيدات والسادة رؤساء وممثلو الهيئات والمنظمات الدولية؛

السيدات والسادة البرلمانيون؛

السادة رؤساء الجهات؛

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء جامعات الغرف المهنية؛

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الجماعات الترابية؛

السيدات والسادة ممثلو الأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية والمهنية؛

السيدات والسادة رؤساء الجامعات وعمداء مؤسسات التعليم العالي؛

السيدات والسادة الخبراء والأساتذة الجامعيون؛

حضرات السيدات والسادة الأفاضل، كل باسمه وصفته.

يسعدني أن أرحب بكم جميعا في رحاب مجلس المستشارين ضمن أشغال النسخة التاسعة من المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، الَذي دَأَبَ مجلسنا الموقر على تنظيمه، بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تخليدا باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، والذي اخترنا له هذه السنة موضوع "تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب: رؤية تنموية بمعايير دولية" شعارا له.

واسمحوا لي، في مستهل هذه الكلمة، أن أرفع، باسمكم جميعا، أسمى عبارات الشكر والامتنان إلى مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره، الذي تفضل وأحاط فعاليات هذا المنتدى البرلماني الدولي برعايته السامية، تأكيدا للأهمية الكبرى التي يوليها جلالته لقضايا العدالة الاجتماعية والمجالية، باعتبارها مُحَدِدًا أساسيا لكل مشاريع الإصلاح والتنمية، ورافعة أساسية لضمان العيش الكريم، وتحصين الاستقرار الاجتماعي، وتعزيز التضامن الوطني.

وهي مناسبة لا بد أن نستحضر فيها، بكل مسؤولية، دعوة مولانا حفظه الله، ضمن الخطاب السامي الموجه لأعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية المنصرمة، "للعمل على إعطاء الأسبقية، لعقلنة ونجاعة برامج الدعم الاجتماعي الموجودة حاليا، وتأمين استدامة وسائل التمويل" و"اعتماد حكامة جيدة لهذا المشروع، في كل أبعاده، وأن يتم وضع آلية خاصة للتتبع والتقييم، بما يضمن له أسباب التطور والتقويم المستمر".

حضرات السيدات والسادة،

إن الحماية الاجتماعية تشكل عِمَاد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، حيث من ضمن ما نصت عليه المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في فقرتها الأولى، أنه : " لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية"، كما نصت المادة 22 من نفس الإعلان على أنه " لكلِّ شخص، بوصفه عضوًا في المجتمع له حقٌّ في الضمان الاجتماعي، ومن حقِّه أن تُوفَّر له، من خلال المجهود القَومْي والتعاون الدولي، وبما يتَّفق مع هيكل كلِّ دولة ومواردها، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا غنى عنها لكرامته ولتنامي شخصيته في حرِّية ".

وفي ذات السياق، تقر الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بموجب المادة التاسعة منه، بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية.

إن ما يعزز وصف الحماية الاجتماعية، بكونها "عماد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، يتجسد بشكل أساسي في إقرار المجتمع الدولي باعتبار الحماية الاجتماعية حق أساسي من حقوق الإنسان، يجب توسيع الاستفادة منه، حيث اعتبرت الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وخاصة الاتفاقية رقم 102 المتعلقة بالمعايير الدُّنيا للضمان الاجتماعي، والتي تعتبر النص المرجعي للحقوق والواجبات المتعلقة بمجالات الحماية الاجتماعية، أنه يجب أن تتضمن برامج الحماية الاجتماعية كل الضمانات الأساسية التي تمنح للأفراد خلال فترات حياتهم، وتكفل لهم الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية وحدا أدنى من الدخل يتماشى مع المستويات الوطنية، مع وجوب أن يتماشى ذلك مع برامج دعم للتمكين الاقتصادي واعتماد سياسات تحفز الإنتاجية وتساهم في خلق فرص الشغل المنظم واللائق، والذي يضمن حقوق العمال ومكتسباتهم الاجتماعية خلال أدائهم للعمل وبعد التقاعد.

وضمن نفس المنطق، وجب التذكير بأن أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 تصف ورش الحماية الاجتماعية بأنه "فريد"، باعتباره يشكل مُنطلق ومُنتهى معظم الأهداف السبعة عشر المشكلة لهذه الخطة.

حضرات السيدات والسادة،

جدير بالذكر أن بلادنا قد سهرت منذ الاستقلال، على عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني طيب الله ثراهما، على بناء منظومة وطنية للحماية الاجتماعية همت إِقْرَارْ نظام للضمان الاجتماعي وإرساء نظام تعاضدي ونظام للتعويض عن حوادث الشغل، وغيرها من الأنظمة ذات الصلة.

وعلى نفس النهج، ومنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين، دخل المغرب مرحلة جديدة عنوانها توطيد وتقوية وإثراء هذه المنظومة، بدءا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقت دينامية جديدة في مجال محاربة الفقر والهشاشة، مرورا بورش إصلاح أنظمة التغطية الصحية، ووصولا إلى إعطاء مولانا حفظه الله، ضمن خطاب العرش سنة 2020، الانطلاقة لتعميم الحماية الاجتماعية لفائدة كافة المغاربة، ضمن رؤية ملكية سامية تروم استكمال بناء أسس الدولة الاجتماعية.

وهي الرؤية التي تمت ترجمتها ضمن القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، والذي تمت صياغته استرشادا بالالتزامات الاتفاقية للمملكة المغربية المذكورة سلفا، واستنادا إلى أحكام دستور المملكة، الذي أفرد بابه الثاني للحريات والحقوق الأساسية، بما في ذلك التنصيص، في فصله الواحد والثلاثين، على الالتزام الإيجابي للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بتعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وعلى رأسها الحق في العلاج والعناية الصحية، والحق في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التَعَاضُدي أو المنظم من لدن الدولة.

وتجدر الإشارة، بهذه المناسبة، أنه من بين نقاط قوة هذا القانون الإطار، تحديده للجدولة الزمنية لتنفيذه، والتي هي من اختصاص النصوص التنظيمية بالعادة، مما يؤكد بجلاء أن تنزيله بني على منهجية التدبير بالنتائج، التي لا تؤمن إلا بالتطبيق السليم على أرض الواقع وملامَسَتِهِ لحاجيات المستفيدين وتأمينهم الاجتماعي الفعلي.

حضرات السيدات والسادة،

ومع أن أحدا منا، لا يملك أن يَرْتَابْ في أهمية ما تحقق من منجزات في باب تعزيز الحماية الاجتماعية ببلادنا، إلا أن الذي لا شك فيه هو أن هذا الورش الإصلاحي، مهما بلغت متانته وصلابة أسسه، فإن تنزيله تكتنفه العديد من التحديات، إن على مستوى ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الدولية وتعزيز الإطار القانوني في شموليته بما يجنب التداخل بين النصوص ذات الصلة، أو على مستوى توفير شروط استدامة المنظومة في مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، لاسيما بالنظر إلى تنامي احتياجات وتطلعات المواطنات والمواطنين في ظل الإكراهات المالية والمؤسساتية الآنية والمستقبلية.

نعم، يحق لنا الحديث عن بَوَاكِير نهضة اجتماعية غير مسبوقة، لكن أحد شروط هذه النهضة يتمثل لا محالة في المواكبة بالتفكير الجماعي والنقاش العمومي البناء والرصين. ويعتبر هذا المنتدى فضاء مؤسساتيا سانحا لهذه المواكبة، بما يتيحه من فرص للتفصيل في التحديات المذكورة واستشراف حلول جماعية مبتكرة لرفعها.

حضرات السيدات والسادة،

آمل أن نستفيد ضمن هذا التمرين الجماعي من تنوع تخصصات المشاركات والمشاركين وتعدد مواقِعِهم المؤسساتية، للسير قدما في طريق البناء التشاركي للنموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، عبر تحديد الشروط اللازمة لتمنيع وتحصين منظومتنا الوطنية لتعميم الحماية الاجتماعية، وذلك بالاستناد إلى المداخل والفرص التي يتيحها دستور بلادنا، في تكامل مع الخطط الأممية والأُطُرْ المعيارية الدولية ذات الصلة، وإلى ما تحقق على مستوى المبادرات الوطنية الرائدة في مجال التنمية الاجتماعية من مكتسبات.

وفي إطار هذا الأمل، الذي يحدونا جميعا، نتطلع إلى أن تفضي أشغال هذا المنتدى إلى بلورة خلاصات وتوصيات عملية من أجل تعزيز وتعميم منظومة الحماية الاجتماعية ببلادنا، بما يتيح مساحات أَرْحَبْ لإعمال قيم الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص، ويعزز مسار تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.

ختاما، أود أن أتقدم بالشكر وجزيل العرفان إلى أعضاء الحكومة ورؤساء المؤسسات الدستورية، وإلى قيدومي التمثيليات الدبلوماسية ورؤساء وممثلي الهيئات الأممية، كل باسمه وصفته، على تلبيتهم الدعوة للمشاركة في أشغال هذا المنتدى.

والشكر موصول أيضا إلى رؤساء وأعضاء مجالس الجماعات الترابية ورؤساء وأعضاء جامعات الغرف المهنية والمشاركات والمشاركين باسم التمثيليات الجهوية لحقوق الإنسان، وإلى كل رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد العليا، والأكاديميون والخبراء، الذين تكبدوا عناء السفر للمشاركة معنا ضمن فعاليات هذا المنتدى.

ولا أنسى نساء ورجال الإعلام الذين يواكبون أشغال هذا المنتدى بكل مهنية ونكران للذات.

وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.