ـ 29 مارس 2019 ـ
السيد وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي المحترم؛
السيد رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا والقنيطرة المحترم؛
حضرات السيدات والسادة ممثلي وممثلات الحكومات الأفريقية والقطاعات الوزارية المعنية بالموضوع، وكذا ممثلي الغرف المهنية، والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسفارات والمنظمات الإقليمية والدولية، وممثلي البنوك والبنوك التشاركية؛
السيدات والسادة نساء ورجال الأعمال؛
أيها الحضور الكريم؛
يشرفني في البداية أن أرحب بكم جميعا بمجلس المستشارين الذي دأب على احتضان العديد من الفعاليات والملتقيات الدولية والقارية والإقليمية ذات الصلة بما هو اقتصادي، لذلك يسعدنا أن يحتضن مجلسنا الموقر أشغال هذا الملتقى الإفريقي الأول من نوعه للتجارة والاستثمار تحت شعار :"نحو رؤية إستراتيجية واندماجية توافقية"، والمنظم من طرف غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط سلا والقنيطرة مع مجموعة من الشركاء، من أجل خلق فضاء للتواصل وإتاحة مساحة للتبادل والنقاش بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين، ولتحقيق التكامل والانسجام والمساهمة في النمو الاقتصادي ودعم التنمية في قارتنا الأفريقية وتحرير إمكاناتها وقدراتها.
ويجب بهذه المناسبة أن نستحضر ما تمثله العلاقات الاقتصادية والتجارية من أولوية إستراتيجية لبلدان قاراتنا، من خلال توسيع نطاق التعاون الاستثماري والتجاري والمالي والتعريف بالمشاريع الاستثمارية المطروحة بقطاعات حيوية عديدة وواعدة، ووضع خارطة طريق لإرساء شراكات إستراتيجية. ولن يسمح المجال لتعداد ما تتوفر عليه قارتنا من خيرات وفرص استثمار وتعاون وكل المؤشرات تؤكد على أن هناك آفاقا واعدة للاستثمار في القارة الأفريقية.
إلا أنه وبالرغم مما تم القيام من مجهودات من أجل تقوية منظومة التجارة الداخلية وتوسيع الاستثمار في قارتنا، إلا أن ذلك لا يرقى إلى مستوى طموحات شعوبنا الإفريقية. فمثلا، تضل حصة التجارة داخل القارة من إجمالي التجارة الإفريقية ضعيفة نسبياً ولم تتغير كثيراً في العقود الأخيرة. ففي سنة 2016، بلغ حجم التجارة الأفريقية 1.08 تريليون دولار كان نصيب التجارة البينية الأفريقية منها 156.94 مليار دولار أي حوالي 15 ٪ فقط من إجمالي التجارة، بينما تصل هذه النسبة ل 67% في الإتحاد الأوربي.
كما أنه على مستوى الاستثمار يسجل انخفاض مقلق في تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي من 52.5 مليار دولار في عام 2016 الى 42 مليار دولار في عام 2017 بانخفاض قدره 21 ٪... بينما عرف الاستثمار البيني الافريقي تطورا ملحوظا ليتضاعف ثلاث مرات في العشر سنوات الأخيرة ويصل ل وصل لأزيد من 12.1 مليار دولار سنة 2018. وهذا التطور لعبت فيه بلادنا دورا محوريا حيث تطور الاستثمار المغربي في افريقيا بأزيد من 66% لتصبح بلادنا أهم مستثمر إفريقي بالقارة.
حضرات السيدات والسادة؛
أود أن أشير، بالمناسبة، إلى أن تعزيز روابط التضامن والتعاون بكل أبعادهما بين بلدان القارة الإفريقية يشكل محورا رئيسيا للسياسة الخارجية المغربية كما رسمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وتشكل الزيارات المتعددة التي قام بها جلالته إلى مختلف الدول الافريقية دليلا على الإرادة الملكية لترسيخ وتعميق جذورنا الإفريقية بشكل أكبر في القارة التي ننتمي إليها بفعل الروابط التاريخية التي توطدت منذ قرون. كما تبرز هذه الزيارات أيضا الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالته لتعزيز التعاون جنوب-جنوب بإحاطة أفريقيا بعناية خاصة على اعتبار أنها تشكل امتدادا طبيعيا وجغرافيا-سياسيا للمغرب. وتتجدد هذه الشراكة الاستثنائية، التي بنيت منذ القدم من خلال المبادلات الثقافية والدينية، وأصبحت تقوم حاليا، من أجل ضمان ديمومتها، على تعاون اقتصادي رابح-رابح وكذا على التنمية البشرية وتقاسم التجارب.
ولا يفوتني هنا الإشارة إلى بعض المبادرات الأخرى الدالة التي قامت بها بلادنا وبالخصوص مبادرة جلالة الملك، نصره الله، منذ السنوات الأولى لتوليه العرش بإلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية، الأمر الذي حظي بإشادة دولية واسعة، خاصة أن قضايا التنمية المحلية للدول الإفريقية تأتي في صلب انشغالات المملكة. كما لا يجب أن ننسى العمل المتميز الذي قام به جلالته أيضا في مجال تطوير الشبكات التجارية لفائدة المستثمرين في قارتنا الإفريقية.
كما أود التذكير، في هذا السياق، بالدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب بحكم شبكة العلاقات التي يتوفر عليها مع مختلف الشركاء الدوليين على صعيد أوربا، أمريكا اللاتينية، وأسيا، وكذا مع الدول الشقيقة أفريقيا وعربيا، والتي ستسمح بتعزيز العلاقات التجارية وتطوير قطاع الأعمال وخلق شراكات جديدة وتجاوز العديد من التحديات والمشاكل التي تؤثر على تطور العلاقات التجارية بين الدول الأفريقية على كل المستويات قانونيا، مؤسساتيا، اقتصاديا، ماليا، اجتماعيا...؛
فالمغرب بحكم موقعه الجيو-استراتيجي كملتقى للأسواق العالمية من جهة ، وانطلاقا من علاقاته مع دول القارة الأفريقية ، فإنه ينطلق من تصور استراتيجي متجدد ومتكامل حدده جلالة الملك في أكثر من مناسبة، وهو تصور ينبني ليس فقط على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية جنوب - جنوب من خلال الاعتماد على المقومات والقدرات الذاتية لقارتنا ، بل أيضا يتأسس على ترسيخ العلاقات التاريخية مع جميع بلدان المنطقة عبر مبادرات لا تشمل فقط الجانب الاقتصادي بل تمتد إلى مختلف الحقول الإنسانية والتنموية والتضامنية والسياسية والدينية والأمنية.... وغيرها.
لذلك فإن بلادنا، الوفية لمبادئ التضامن والتعاون، التي فَعَّلَت علاقاتها مع الدول الإفريقية الشقيقة والصديقة والمصممة على بناء علاقات التعاون المتبادل والمثمر، عازمة على الانخراط بشكل لا يمكن التراجع عنه في المساهمة الملموسة في نهضة قارتنا اقتصاديا واجتماعيا، وتَدْعَمٌ كل المبادرات الهادفة إلى تطوير الشراكة والتعاون بين بلداننا. ولذلك نعتبر أن التعاون الاقتصادي في كل المجالات ومنها مجالي التجارة والاستثمار سيفتح أفاقا واعدة أمام بلداننا وسيسمح بوضع الخبرة والتجربة التي راكتمها بلادنا رهن إشارة أشقاءنا وإخواننا في القارة الأفريقية، وسنتقاسم معهم نتاج الدينامية الاقتصادية التي تعرفها بلادنا. كما أن شعوبنا تملك كثيرا من الميزات المشتركة ثقافيا وتاريخيا كي تتحقق من خلالها أهداف التنمية.
حضرات السيدات والسادة؛
أستغل هذه المناسبة لدعوة جميع الفاعلين للوقوف في وجه كل التحديات والمشاكل التي تعترض مختلف أشكال التعاون والتبادل بين بلداننا الأفريقية حتى تتمكن من ممارسة سيادتها وتعزيز العلاقات السياسية القائمة على الاحترام المتبادل وإرساء شراكات متنوعة ومثمرة، والتفكير في إحداث آليات التنسيق في ما بينها وآليات التنسيق في تعاملاتها مع التكتلات الاقتصادية في العالم، والبحث عن الحلول من أجل تمويل الاستثمار وتوفير فرص لقاءات مستقبلية مباشرة بين المؤسسات الأفريقية للتنمية الاقتصادية والبنوك وصناديق رأس المال والمخاطر وصناديق الاستثمار، وتجاوز صعوبات قوانين الصرف، وتدعيم الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف بما يساهم في دعم وزيادة الاستثمار والتجارة لأنهما يشكلان عاملان أساسيان إذا ما أرادت أفريقيا تحقيق النمو المطلوب للوصول إلى الأهداف الإنمائية للألفية.
وأود في هذا الإطار أن أذكر بما يمكن أن يلعبه إرساء منطقة التبادل الحر(بعد تمام المصادقة على الاتفاقية المنشأة لها) التي تشكل أحد المحاور ذات الأولوية لأجندة 2063 للاتحاد الإفريقي التي وضعت رؤية جديدة لتنمية القارة خلال العقود الخمسة المقبلة عبر نمو شامل وتنمية مستدامة، حيث ستمكن من إنشاء سوق قارية واحدة للسلع والخدمات، مع حرية حركة رجال الأعمال والاستثمارات في أفق تمهيد الطريق لتسريع إنشاء الاتحاد الجمركي الأفريقي. كما تسعى لتوسيع منظومة التجارة البينية داخل إفريقيا من خلال تحسين تنسيق أنظمة وأدوات تحرير المنظومة التجارية وتسهيل مساطرها في جميع المجموعات الاقتصادية الإقليمية وجميع أنحاء القارة كما ستساهم في رفع نسبة التبادل التجاري بين الدول الأفريقية إلى 52% والاستفادة من سوق عملاقة يصل عدد المستهلكين فيها أزيد من 1.2 مليار شخص، بالإضافة إلى تعزيز الصادرات الزراعية والصناعية، وتوفير آلاف الفرص الاستثمارية وملايين الوظائف. وهي أمور من شأنها خلق عوامل تجانس قاري من أجل تقوية المناعة الاقتصادية (Résilience économique) لدول القارة والتأسيس لنموذج إفريقي جديد للتكامل الاقتصادي مبني على أسس براغماتية تستهدف المصلحة الفضلى للمواطن الإفريقي.
وإلى جانب كل هذا ينبغي العمل على تقوية البنية التحتية القارية والارتقاء بها "لمنصة لوجستيكية إفريقية" (plateforme logistique africaine)من جل تسهيل حركة السلع ورجال الإعمال، وذلك بالموازاة مع العمل على تقوية المقاولات المبتكرة(Start-up) والتوجه نحو المهن الجديد كالمهن الرقمية (Digital)ومهن الذكاء الاصطناعي(Intelligence artificielle). ولكن المدخل الحقيقي للنجاح في هذه المهن العالية القيمة المضافة هو بناء والاستثمار في الإنسان الإفريقي، وخاصة الشباب(42% من سكان القارة في سنة 2030) من أجل الاستفادة من فرص العائد الديمغرافي لخدمة تطور التجارة والاستثمار بقارتنا كما دعا لذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في رسالته لمنتدى كرانس مونتانا حيث أكد جلالته "أن هذا الجيل من الشباب، هو الذي سيبني إفريقيا الغـد، وهو الذي سيساهم في توطيد السلم والاستقرار، وفي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة"، وأضاف جلالته أن "شبابنا في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤولية، بل وإعطائه ما يستحق من قيمة".
كما نرى أنه يجب العمل على تقوية البنية المالية الإفريقية وتعزيز اندماجها، من خلال التوجه نحو خلق صناديق استثمار (fonds d’investissement) خاصة بتعزيز الاستثمار والتجارة البينية الافريقية من أجل تسهيل عمليات التمويل وتبسيط المساطر الخاصة بتدفقات رؤوس الأموال بالقارة. وذلك بجانب إرساء دعائم نظام بنكي جديد يتسم بالمرونة في الأبعاد المتعقلة بالتجارة البينية القارية.
وفي الأخير أجدد الترحاب بكم مرة أخرى في بلدكم الثاني المغرب، وأتمنى التوفيق والنجاح لأشغال هذا الملتقى الهام، وشكرا على حسن إصغاءكم والسلام عليكم./.