معالي السيدات و السادة سفراء الدول الافريقية واللاتينية،
معالي السيد Bernard MAKUZA، رئيس مجلس الشيوخ الرواندي
السيدات والسادة،
باسمي الشخصي ونيابة عن رئيس مجلس المستشارين الذي تعذر عليه الحضور وباسم أعضاء مكتب مجلس المستشارين وكافة مكونات المجلس، يطيب لي في البداية أن أرحب بكم برحاب مجلس المستشارين وأشكر مؤسسة "غابرييل غارسيا ماركيث بالمغرب" على عقد هذا اليوم الدراسي البالغ الأهمية والذي يهدف إلى استشراف العلاقات الإفريقية اللاتينية من أجل نموذج للتعاون جنوب- جنوب.
اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة المقتضبة التأكيد على أن احتضان مجلس المستشارين لمبادرة مؤسسة غابرييل غارسيا ماركيث بالمغرب، بتنظيم يوم دراسي حول العلاقات بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، نابع من قناعتنا بأهمية مساهمة الفاعلين غير الحكوميين في دعم الحوار وتقريب وجهات النظر حول تطلعات ومصالح الشعوب الإفريقية والأمريكية اللاتينية، وهي قناعات ما فتئت تترسخ لدى مجلس المستشارين، من خلال مسار العلاقات التي راكمها مع برلمانات البلدان الافريقية واللاتينية في السنين الأخيرة.
فارتكازا على خلاصات المنتديات واللقاءات التي احتضنها أو شارك فيها مجلس المستشارين، إلى جانب برلمانات الدول الافريقية الشقيقة، خصوصا أشغال اللقاء التنسيقي للبرلمانات الإفريقية حول التغيرات المناخية الذي انعقد على هامش كوب 22 بمراكش، أو فعاليات الدورة 69 للجنة التنفيذية للإتحاد البرلماني الإفريقي وذلك في إطار فعاليات المؤتمر 39 لرؤساء المجالس البرلمانية المنضوية تحت لواء الاتحاد البرلماني الإفريقي الذي تشرف البرلمان المغربي باستضافته، إضافة إلى مسار العلاقات الثنائية والجهوية التي راكمها مجلس المستشارين والبرلمان المغربي بغرفتيه مع برلمانات بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب الصديقة، خصوصا من خلال استضافته للدورة 17 لمنتدى رئيسات ورؤساء برلمانات أمريكا الوسطى والكاريبي FOPREL، ولاجتماع المكتب التنفيذي لبرلمان أمريكا الوسطى( PARLACEN) وكذا الزيارات المتبادلة مع برلمانات إفريقيا وأمريكا اللاتينية على العموم، وهي الخلاصات التي زكت ورسخت ايماننا المشترك بمدى تشابه وترابط القضايا والتحديات المطروحة على بلدان القارتين وشعوبها، وهو ما يستلزم تفعيل اختصاصات مؤسساتنا التشريعية بالكثير من الصرامة والشجاعة والحزم، من خلال الاضطلاع بمهمتنا النبيلة كصوت معبر عن من لا أصوات لهم عبر اعتماد دبلوماسية برلمانية مندمجة قوامها الندية والفاعلية تتغيا الترافع الفعال لتحقيق الإنصاف والعدالة، بل وجبر الضرر الجماعي لشعوب قارتينا لما لحقها من تمزيق لأوطانها واستغلال لثرواتها ورهن بنيوي لمستقبلها ومصيرها المشترك.
السيدات والسادة
إن السياقات والمتغيرات الجيو-سياسية على الصعيد العالمي وبحكم ما ترتب عنها من موجات التشكيك في القدرة على بناء مجتمع عالمي قوامه العيش المشترك، فضلا عن التحديات المرتبطة بالكابوس المخيف المتمثل في تنامي التهديدات الإرهابية، والتحديات المرتبطة بتعثر وتعقد مسارات إشراك المواطنين والمواطنات والشباب والنساء على وجه الخصوص، في عمليات صناعة القرار السياسي المرتبطة ببلدان الجنوب، وقضايا التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والنزوح، والهجرة، والتوترات والنزاعات ومستلزمات تأمين أجيالنا القادمة من مخاطر التغيرات المناخية، يحتم علينا اليوم الاستثمار في بناء الثقة في أنفسنا وفي قدرتنا الجماعية على تقرير مصائرنا بأنفسنا وصياغة المستقبل المشترك، وهو ما يستلزم أكثر من أي وقت مضى بناء شراكات على أساس التعاون جنوب-جنوب والمضي قدما في إطلاق ديناميات مشاريع تكاملية لضمان الرفاه الاجتماعي في تساوق مع توطيد مسارات دمقرطة نظمنا السياسية وتعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين في صناعة القرارات المرتبطة بحاضر ومستقبل يسوده السلم والأمن والحرية وتلازمية العلاقة بين الأمن والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون واحترام الوحدة الوطنية للدول والتضامن بين الشعوب.
السيدات والسادة
إن كان واقعنا اليوم بالقارتين الافريقية والامريكو لاتينية، يفرض كل هذه الاكراهات والتحديات والتعقيدات، فهو يوفر آفاقا وفرصا تاريخية لإرساء شراكة حقيقية تكون في مستوى نموذج للتعاون جنوب- جنوب، لما تعرفه دول المنطقتين من نهضة على المستويات السياسية والفكرية والاقتصادية، تتوج مسارات من الدمقرطة والمصالحات السياسية، خصوصا في ظل إرادة سياسية تتجاوز مخلفات الحرب الباردة، لخصتها وترجمتها بشكل بليغ الرسالة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله التي وجهها للمشاركين في أشغال منتدى "كرانس مونتانا"بتاريخ 17 مارس 2017 بمدينة الداخلة، حيث أكد جلالته على "أن "تحقيق النهضة الإفريقية المنشودة، يبقى رهينا بمدى ثقتنا في نفسنا، وبالاعتماد على مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، واستغلالها على أحسن وجه، في إطار تعاون جنوب جنوب مربح، وشراكة استراتيجية وتضامنية بين دول الجنوب.
وإننا لواثقون من كسب هذه الرهانات. فإفريقيا اليوم، يحكمها جيل جديد من القادة البراغماتيين، المتحررين من العقد الإيديولوجية، التي عفا عنها الزمن. هؤلاء القادة الذين يعملون، بكل غيرة وطنية ومسؤولية عالية، من أجل استقرار بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي". انتهى كلام جلالة الملك.
إني أكاد اجزم، أن هذه الفقرة من الكلمة السامية لجلالته، تنطبق على واقع علاقاتنا بشركائنا في بلدان أمريكا اللاتينية اليوم.
فالمتغيرات التي تعرفها القارة الافريقية اليوم، والتي اتسمت بالعودة المؤسساتية للمملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، كتتويج لمسار من المبادرات والتحركات الدبلوماسية التي أشرف عليها جلالة الملك محمد السادس وقادها بشكل مباشر.
وفي نفس الإطار فان بروز قوى إقليمية صاعدة بأمريكا اللاتينية في السنوات الأخيرة، وتكثيف الزيارات الثنائية والمنتديات الجهوية، وعلى رأسها قمم قادة دول ورؤساء حكومات إفريقيا وأمريكا الجنوبية في القمم الثلاث المنعقدة بكل من ابوجا نجيريا سنة 2006، وفنزويلا سنة 2009 و مالابو-غينيا الاستوائية سنة 2013، والتي أكدت على أن القرن الحادي والعشرين والعقود المقبلة هي زمن تأكيد مكانة العالم النامي، وخصوصا بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية"، ورافعت من أجل مطالب دول القارتين بفتح ورش إصلاح الهيئات الأممية لتكون أكثر عدالة في تمثيلها لدول الجنوب.
معالي السيدات والسادة السفراء
تلكم كانت بعض التصورات والقناعات التي وددت أن أتقاسمها معكم، ولا شك ان المحاور التي رسمها برنامج يومنا الدراسي هذا، ومداخلات السيدات والسادة المتدخلين، ستشكل فرصة لاستكشاف الفرص التنموية المشتركة، والتعريف بالروابط الثقافية بين القارتين، وأدوار الفاعلين غير الحكوميين في الانخراط الفعال في مسلسل دعم التعاون بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكذا التفكير والتفاعل الجماعي حول مختلف المبادرات التي يمكن أن تسهم بها الدبلوماسية الموازية في دعم بناء نموذج شراكة تضمن لشعوب دول الجنوب الأمن والاستقرار والكرامة الإنسانية.
وشكرا على حسن المتابعة.