بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على أشرف المرسلين
السيد راشيد الطالبي العلمي المحترم، رئيس مجلس النواب بالمملكة المغربية،
السيدات والسادة المحترمون أعضاء اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي،
السيد محمد القرشي نياس المحترم، الأمين العام للاتحاد،
السيدات والسادة،
يسعدني في البداية أن أعرب لكم عما يخالجني من اعتزاز وسرور ونحن نجدد اللقاء بكم في بلدكم الثاني، المملكة المغربية، متمنيا لكم مقاما طيبا، ومتطلعا إلى أن تشكل مخرجات هذا الاجتماع الثاني والخمسين للجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة نوعية إلى ما راكمه اتحادنا من أفكار وما أنجزه من أعمال وما هو بصدده من مبادرات.
السيدات والسادة،
نجتمع اليوم، في إطار ظرفية صعبة وحساسة، تتسم بتصاعد الأزمات الأمنية والاقتصادية والبيئية والجيوسياسية في عدة مناطق من عالمنا الإسلامي، ظرفية زاد من حدتها تأزم الوضع في فلسطين الحبيبة، إذ أن القضية الفلسطينية ومصير القدس الشريف كانت وستبقى قضية جميع المغاربة، ملكا وحكومة وشعبا، وعنوانا بارزا في العمل السياسي والدبلوماسي والإنساني الميداني الذي يقوم به المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، رئيس لجنة القدس.
ومن هذا المنبر نجدد إدانتنا لما تتعرض له الأراضي الفلسطينية من أحداث دامية ومروعة، وما يواكبها من مآسي إنسانية واجتماعية من مجازر ضد المدنيين الفلسطينيين العزل وفقدانهم لكل مقومات الحياة بسبب الاستهدافات العسكرية الإسرائيلية اليومية التي تطالهم في أرواحهم وأسرهم وأملاكهم وبيوتهم.
ولا يفوتني التشديد على أن المملكة المغربية، بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رئيس لجنة القدس، تجدد دعمها وتضامنها الكامل مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، في نيل حريته وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وفق حل الدولتين المتوافق عليه دوليا، بما يمكن شعوب المنطقة من مستقبل آمن، يعمه السلام والأمن والاستقرار.
السيدات والسادة،
لقد دعا جلالة الملك محمد السادس نصره الله، انطلاقا من التزام جلالته بالسلام، وبصفته رئيسا للجنة القدس غير ما مرة، إلى التحرك جماعيا، كل من موقعه، للوقف الفوري والشامل والمستدام لإطلاق النار، وإيصال المساعدات الإنسانية بانسيابية وبكميات كافية لساكنة غزة، والرفض التام لكافة أشكال التهجير القسري والعقاب الجماعي والأعمال الانتقامية، التي يتعرض لها أشقاؤنا الفلسطينيون.
كما يمثل اجتماعنا هذا فرصة سانحة لبحث آليات تعزيز العمل الإسلامي المشترك بما يحقق الوقف الفوري لكافة الانتهاكات الإسرائيلية، ودعم ضمان إقامة دولة فلسطينية آمنة ومستقرة وفقا للقوانين الدولية ذات الصلة. إذ أننا كبرلمانيين ممثلين لشعوبنا مطالبون بالعمل على مضاعفة الجهود لإطلاق تحرك عاجل وفاعل لدعم القضية من خلال التأكيد على ضرورة حماية المدنيين، وإدانة كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق وما يتعرض له حاليا من عدوان وانتهاكات لحقوقه، في ضرب صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
السيدات والسادة،
تقف دولنا وجها لوجه أمام أزمات من جيل جديد، اقتصادية وسياسية وأمنية وبيئية وصحية. تستدعي منا أكثر من أي وقت مضى استحضار روح الأخوة والتضامن والتآزر، ومضاعفة جهودنا لابتكار برامج ومشاريع عملية تمكننا من مجابهة التحديات المشتركة التي تواجهها دولنا وتحقيق تنمية بلداننا، وفي هذا السياق فإن جلالة الملك محمد السادس نصره الله كان قد أكد في خطابه السامي الموجه إلى القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي، المقامة في جمهورية غامبيا الشقيقية، يوم 4 ماي 2024، على أن " كسب رهانات التنمية البشرية الشاملة والمستدامة، وتحقيق الرفاه الاقتصادي، يقتضي استكشاف فرص التكامل والاندماج، لتحقيق المنفعة المشتركة ولتنفيذ الأولويات الثمانية عشرة للبرنامج العشري المقبل لمنظمة التعاون الإسلامي، ولاسيما الرفع من حصة التجارة البينية في التجارة الخارجية للبلدان الأعضاء، وإزالة العراقيل التي تعترض تنمية المبادلات التجارية بين بلدان المنظمة. كما أن توسيع آفاق العمل الإسلامي المشترك، واستثمار القدرات الوطنية لبلداننا يتطلب تقييما واقعيا وبناء لآليات تنفيذ برنامج عمل منظمتنا، وتجويد الإطار القانوني، بغية ملاءمته ليستجيب لحاجيات مجتمعاتنا في مجالات الاستثمار والتجارة، وتمكين القطاعات الإنتاجية من الاندماج والتكامل الاقتصادي المطلوب". (انتهى كلام صاحب الجلالة).
السيدات والسادة،
إن الانتماء الإفريقي للمملكة المغربية يدعونا دائما إلى التأكيد على أهمية التنمية المستدامة وتعزيز التعاون الإسلامي المشترك لفائدة الدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة ودعم اقتصادياتها من خلال مبادرات تنموية إقليمية وبرامج ملموسة تهدف إلى تحقيق الرفاهية والازدهار الاقتصادي للشعوب الإفريقية. ويمكن في هذا السياق التذكير بالمبادرة الأطلسية الهادفة إلى تمكين دول الساحل والصحراء من ولوج واجهة الأطلسي بتسخير إمكانيات وتجربة المملكة المغربية لهذه البلدان، كما تهدف هذه المبادرة الواعدة إلى المساهمة في دمج اقتصاديات هذه الدول ودعم سبل العيش الكريم والرفاه الاقتصادي وتعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي لشعوبها.
السيدات والسادة،
تعتبر ظاهرة الإسلاموفوبيا من بين أخطر الظواهر التي تهدد قيم وأسس اتحادنا، وقد عرفت هذه الظاهرة تصاعدا خطيرا في السنوات الأخيرة، إذ نستحضر هنا، وباستنكار شديد ما أقدم عليه بعض الأفراد من إحراق وتدنيس نسخ من المصحف الشريف.
مما يستدعي منا اليقظة والحزم والتنسيق لمواجهة هذه التجاوزات المسيئة، بنفس قوة تشبتنا بمبادئ الحوار والتسامح بين الأديان والثقافات والانفتاح واحترام الآخر، وفي هذا السياق فقد انخرطت المملكة المغربية، منذ سنوات في عدة مبادرات تروم المساهمة بفعالية في إرساء دعائم التعايش والحوار بين الحضارات، ومنها مبادرة جلالة الملك محمد السادس نصره الله أمام القمة الإسلامية الحادية عشرة المنعقدة بدكار في مارس 2008، وإطلاق خطة عمل الرباط سنة 2013 بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداء أو العنف، كما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجماع 193 دولة، في 25 يوليوز 2023، قرارا تقدمت به المملكة المغربية بشأن "النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية".
ويتجسد الانخراط القوي للمملكة أيضا في دعم الحوار بين الثقافات والحضارات، في احتضانها للعديد من الملتقيات والمنتديات المتخصصة، كالمنتدى العالمي التاسع لتحالف الحضارات الذي التأم في فاس يومي 22 و23 نونبر 2022، وأشغال المؤتمر البرلماني الدولي حول الأديان، المنظم بمراكش يوم 13 يونيو 2023.
السيدات والسادة،
لا يخفى عليكم أن الدبلوماسية البرلمانية تسعى إلى الاضطلاع بدور أساسي في تشكيل نظام عالمي جديد أكثر إنصافا وفائدة. ومن هذا المنطلق فإن التحديات التي تعيشها بلداننا، تستدعي منا استثمار هذه الآلية كأداة فعالة لوضع سياسات ملموسة وشاملة عن طريق تبادل الخبرات والممارسات الفضلى في مختلف الميادين مما سيمكننا من مجابهة الأزمات المتعددة التي يتعرض لها عالمنا الإسلامي.
السيدات والسادة،
في الختام، وإذ نجدد الترحيب بكم بين ظهرانينا، نتمنى أن تتكلل أشغال هذا الاجتماع بالتوفيق والسداد، وأن يمثل منطلقا لمحطات قادمة وواعدة في مسار بناء علاقات تعاون متقدمة واستراتيجية بين دول اتحادنا.
والسـلام عليكـم ورحمـة الله تعـالـى وبـركـاتـه.