بسم الله الرحمان الرحيم
معالي السيد راشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب المحترم،
معالي السيدات والسادة رئيسات ورؤساء وممثلو البرلمانات الوطنية المحترمون،
معالي السيدات والسادة رؤساء وممثلو الهيئات الدينية المحترمون،
معالي السيد مارتين شونغونغ، الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي المحترم،
حضرات السيدات والسادة،
أيها الحضور الكريم،
بعد ثلاثة أيام كاملة من النقاشات الهادفة والتبادل الواسع للأفكار والمقترحات، نلتقي هذا المساء في هذه الجلسة الختامية لنتوج حصيلة أعمال مؤتمرنا البرلماني الهام حول موضوع: "الحوار بين الأديان: العمل مع من أجل مستقبلنا"، وهو موضوع حيوي يتصدر، كما تعلمون، اهتمامات المملكة المغربية على أعلى المستويات، ولذلكم استحق هذا المؤتمر التشريف الملكي من خلال إحاطته بالرعاية السامية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.
وكما تتبعنا جميعا خلال الجلسة الافتتاحية أول أمس، فقد كانت الرسالة الملكية الموجهة إليكم حافلة بالإشارات الدالة على سماحة المغرب وأرضه وشعبه عبر التاريخ، وجاءت عربونا ناصعا وبرهانا دامغا على الالتزام الراسخ لجلالته حفظه الله، انطلاقا من مسؤولياته الدينية والزمنية، من أجل صيانة قيم التسامح والتعايش الديني وجعله واقعا ملموسا وطنيا ودوليا.
وإن المضامين العميقة لهذه الرسالة الملكية السامية ترقى بها إلى الوثائق المرجعية الأساسية لهذا المؤتمر، ومن المفيد جدا الاسترشاد بها في إعداد أي خارطة طريق أو خطة عمل في مجال التعاون البرلماني الدولي بقيادة مؤسستنا العريقة "الاتحاد البرلماني الدولي" من أجل التمكين للحوار بين وداخل الأديان والمعتقدات وجعله حوارا دائما ومستمرا ودامجا لكل المعنيين من رجال دين ومؤسسات ومنظمات دينية والمؤسسات التشريعية الوطنية والهيئات البرلمانية الإقليمية والجهوية والدولية.
السيدات والسادة الكرام،
اسمحوا لي أن أعرب لكل المشاركات والمشاركين في أشغال هذا المؤتمر البرلماني التاريخي، كل باسمه وصفته، عن بالغ تقديرنا واعتزازنا بالمداخلات القيمة والمساهمات الجادة التي تفضلوا بها خلال النقاشات وورشات العمل التي تضمنها جدول أعمال المؤتمر.
لقد أبانت هده النقاشات عن قدر عال من المسؤولية التي نستشعر جميعا جسامتها، من مواقعنا البرلمانية والدينية المتكاملة والداعمة لبعضها البعض، بل أفضت إلى إبراز تطابق واسع في وجهات النظر والمواقف حيال الموضوع الذي اجتمعنا من أجله، واتضحت للجميع أهمية وضرورة المضي قدما في هذا العمل الذي ندشنه اليوم من مراكش، على أمل استمراه في أمكنة أخرى ومواعيد منتظمة وقارة.
لقد سجل المشاركون، بإجماع، كون الشراكة بين رجال الدين والمؤسسات التشريعية والبرلمانيين أمرا لا تخفى أهميته البالغة وضرورته الملحة في بناء أسس مجتمعات تعزز التنوع الديني والثقافي والعرقي ويسودها السلم والتعايش، من خلال نبذ استعمال الدين لأهداف سياسية وحسابات ضيقة، والعمل على سن تشريعات ووضع قوانين دامجة تضمن وتصون حقوق مختلف الأقليات وتحترم حقوق الأفراد والجماعات وتحفظ كرامة المرأة.
كما تم التأكيد على ضرورة الاستمرار في التنسيق والتعاون البناء بين المؤسسات التشريعية الوطنية والهيئات التي توحد أعمالهم جهويا وإقليميا ودوليا، وبين القادة الدينيين بغية ترسيخ قيم الانفتاح والتسامح ونبذ التعصب والانغلاق بكل أشكاله وصوره المقيتة، وفي بناء دولة الحق والقانون وإرساء أسس مجتمعات وطنية متضامنة، ودعم السلام والأمن والاعتدال والطمأنينة في كل أرجاء العالم.
لقد عبر الجميع عن قناعته بأن الأهمية الديموقراطية والتمثيلية التي تتمتع بها المؤسسات البرلمانية، توازيها الأهمية الخاصة أيضا لرجال الدين لما لهم من نفوذ ديني وتأثير كبير على الأمن الروحي للأفراد وصيانتهم من المخاطر المحدقة بهم من كل جانب والتي تزج بكثير منهم في أتون التطرف والغلو وتغرقهم في دوامة العنف والإرهاب، سيما في ظل التطورات الهائلة التي يعرفها عالم اليوم على أكثر من صعيد.
إن استمرا التعاون والتنسيق بين هذين المكونين الرئيسيين أمر يبقى ملحا، وهذه هي المساهمة التاريخية التي نتوقع من الاتحاد البرلماني الدولي أن يقدمها للعالم من أجل الأجيال الحالية والآتية، ومن أجل عالم تتعزز فيه فرص التقدم والرخاء، عالم يضع يدا في يد لمجابهة التطرف الديني والتعصب المذهبي والتزمت الفكري، والتحديات الأخرى المرتبطة بالتغيرات المناخية وتفشي الأوبئة وضمان الأمن الغذائي والدوائي.
لقد شدد المتدخلون أيضا على ضرورة بذل مزيد من الجهود الكفيلة بإبراز القيم المشتركة للأديان، وهي كثيرة ومتعددة، لتعزيز التعايش والتسامح وتعبئة كل قنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية بما يؤدي إلى إحداث تغييرات سلوكية وأخلاقية إيجابية تعزز التشبع بثقافة احترام الآخر وخصوصياته الثقافية والدينية والعقدية.
وتم التركيز في هذ الصدد على أهمية إشراك فئات الشباب، عماد الحاضر وصمام أمان المستقبل، في مسلسل اتخاذ القرار التشريعي، والعمل على انخراطهم المنتج في العمل التوعوي الديني، القائم على الاعتدال والتسامح، خاصة وأنهم متمكنون من الوسائط الجديدة للتواصل والتكنولوجيات الجديدة، التي يشكل الذكاء الاصطناعي آخر تجلياته، والتي تنذر بالكثير من المخاطر الجمة.
لقد أبانت مناقشاتنا أيضا حاجتنا الملحة، كمجتمع دولي، إلى تكثيف جهودنا، نحن البرلمانيون ورجال الدين، إلى برامج وخطط فعالة من أجل مجابهة التأويلات المتطرفة للنصوص الدينية، التي لا يخلو منها أي دين أو معتقد، للمساهمة في محاربة الاضطهاد الديني والتطاول على الرموز الدينية وتدنيسها وغيرها من الممارسات المقيتة الآخذة في الانتشار والتي تفاقم من خطاب الكراهية الدينية والهجرة الاضطرارية وما تفرزه من ويلات ومآسي إنسانية.
وقد أجمع المشاركون في هذه النقطة على ضرورة توضيح العلاقة وإيجاد التوازن بين حرية التعبير كقيمة أساسية في منظومة حقوق الإنسان، وبين احترام الأديان والمعتقدات كضرورة ملحة في حماية التسامح والتعايش بين كل الأطياف.
وقد أدان المتدخلون أيضا المحاولات اليائسة، المتكررة هنا وهناك، بهدف تفريع الديانات والمعتقدات من حمولتها الروحية وقيمها ومثلها الإنسانية المشتركة، مما يقوي خطورة انتشار خطاب الكراهية والتحريض على التفرقة لأهداف سياسية وانتخابوية مقيتة.
إن الحاجة ملحة أيضا للتصدي لكل التشريعات التي تقيد حرية ممارسة الشؤون الدينية وتجهز على حقوق الأقليات، وإن عملنا المشترك يكتسي صبغة استعجالية من أجل إزالة الحواجز أمام الأديان وتمكين مختلف المجتمعات من أن تعيش في كنف السلم والتعايش والوئام.
ومن المجدي في هذا السياق التأكيد على أهمية تأطير الاجتهاد الديني داخل الدين الواحد تفاديا لأي انزلاقات أو انحرافات أو تفسيرات مغرضة، عبر تعزيز الحوار بين رجال الدين والبرلمانيين لما يتمتعون به من تجربة وحكمة ورؤية متبصرة لمواجهة التحديات القائمة وإشاعة قيم التسامح والسلم والحوار واحترام الآخر وتعزيز الفهم المتبادل.
إن ذلك يتطلب، كما أجمعت عليه المداخلات، التحلي بالثقة وتبني خطاب الواقعية لمواجهة الكراهية من أجل مجتمعات تنعم بالسلم والأمان، مثلما يستدعي التسريع بإحداث مؤسسات وطنية تعنى بتشجيع الحوار بين وداخل الأديان وضمان تمثيل مختلف الأطياف الدينية والثقافية.
تلكم، السيدات والسادة الأفاضل، بعض الخلاصات والأفكار الرئيسية التي وددت أن أتقاسمها معكم، لأنها أولا نابعة من المناقشات التي أجريناها جميعا، ولأنها ثانيا على قدر كبير من الأهمية في إمدادنا بالحماس المطلوب والإرادة الصلبة للمضي قدما في حوارنا المتعدد الأطراف داخل فضاء الاتحاد البرلماني الدولي حول الحوار بين وداخل الأديان، من أجل عالم أقل عنفا وكراهية وأكثر تفاهما وانسجاما وأكثر انشغالا بحاضرنا ومستقبلنا المشترك.
السيدات والسادة،
قبل اختتام كلمتي هذه، أود أن أتقدم مجددا بخالص الشكر والامتنان للسيدات والسادة رؤساء البرلمانات الوطنية ورؤساء وأعضاء الوفود المشاركة، وللسيد رئيس الاتحاد البرلماني الدولي والسيد الكاتب العام به، وكذا لمؤسساتنا الشريكة والداعمة، منظمة "أديان من أجل السلام" و"الرابطة المحمدية للعلماء"، و"تحالف الحضارات التابع لمنظمة الأمم المتحدة."
شكرا لكم جميعا على حسن الإنصات، وإلى اللقاء في موعد ومكان آخر لاستكمال حوارنا البرلماني حول موضوع تبقيه أهميته البالغة نقطة رئيسية في جدول أعمالنا.