تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة

2024-11-22

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيد رئيس مجلس النواب،

السيدة وزيرة التضامن والادماج الاجتماعي والاسرة

السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،

السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان،

السيدة رئيسة الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري،

 السيد المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية،

السيدة النائبة المحترمة، رئيسة مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بالمساواة والمناصفة

السيدات والسادة النواب .

السيدات والسادة ممثلي البرلمانات الصديقة

السيدات والسادة الأفاضل كل بصفته واسمه، أيها الحضور الكريم؛

يشرفني أن أساهم معكم في افتتاح أشغال الدورة التأسيسية للمنتدى البرلماني السنوي للمساواة والمناصفة، الذي ينعقد تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

وإذ أتشرف اليوم، بمشاركتكم افتتاح أشغال هذا المنتدى، أغتنمها فرصة لأعرب للسيد رئيس مجلس النواب عن فائق الشكر لدعوته الكريمة، وأن أنوه بوجاهة الموضوع الذي تم اختياره شعارا لهذه الدورة التأسيسية، ألا وهو "البرلمان رافعة أساسية لتعزيز المساواة والمناصفة".

إن هذا المنتدى، حضرات السيدات والسادة، يأتي ليعزز تقليدا ومسارا برلمانيا متميزا دأب عليه برلمان المملكة المغربية منذ سنوات، في سعيه إلى تقوية وتوطيد الاحتضان المؤسساتي للنقاش العمومي والحوار المجتمعي التعددي، بشأن القضايا الراهنة ذات الارتباط بمقاصد العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

وغَنِيٌ عن البَيَانْ، أن  النقاش في هذا الموضوع ، يندرج لا محالة ضمن سياق الأدوار المنوطة بالبرلمانات الوطنية، كما أقرها الاتحاد البرلماني الدولي في العديد من قراراته، في تدعيم مختلف الجهود الوطنية والدولية في مجالات "القضاء على الفقر وتعزيز العمالة الكاملة والعمل اللائق والمساواة بين الجنسين وتحقيق الرفاه الاجتماعي والعدالة الاجتماعية للجميع"، والتي وردت كأولويات في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أقر إعلان الاحتفال سنويا بيوم 20 فبراير بوصفه اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، والتي تتكامل، مع الأهداف التي حددها إعلان منظمة العمل الدولية بشأن العدالة الاجتماعية من أجل عولمة عادلة، وكذا مع الأهداف المحددة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، المعتمدة بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عدد 1.70 بتاريخ 25 سبتمبر 2015 تحت عنوان "تَحْوِيلُ عالمنا"، والتي تم الإعلان عن انطلاق العمل بها منذ فاتح يناير 2016. 

وأنه من هذا المنطلق، قطعت بلادنا اليوم أشواط مهمة في مسار تعزيز المساواة والمناصفة بين الرجل والمرأة، بل وجعلت منه مرتكزا أساسيا في صياغة وإعداد السياسات التشريعية والاستراتيجيات والبرامج العمومية المعتمدة، وذلك تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين، والذي أكد  جلالته على أن المساواة بين الرجل والمرأة " حق من الحقوق الإنسانية الأساسية، ومطلب قانوني، وضرورة اجتماعية واقتصادية"، وذلك في الرسالة السامية التي وجهها جلالته إلى المشاركين في أشغال القمة العالمية الثانية لمبادرة "نساء في افريقيا" بتاريخ 27 سبتمبر 2018 بمراكش.

ومما لا شك فيه، أنه ضمن هذا السياق يبرز دور البرلمان المغربي بمجلسيه في تنزيل التوجيهات الملكية السامية، والمواثيق الدولية والقيم الكونية وتشريعاتنا الوطنية التي تنص على المساواة بين الجنسين دون أي تمييز، وفي تدعيم مختلف الجهود في مجال تعزيز" المساواة والمناصفة"، في انسجام واحترام تامين للمبادئ والقيم السمحة التي أقرها ديننا الإسلامي الحنيف، دين الوسطية والاعتدال، الذي كرم المرأة جاعلا من النساء شقائق الرجال في الأحكام.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل،

يجدر بنا أن نسجل، بأن قضية تحقيق المناصفة والمساواة بين الجنسين، على الصعيد الوطني، تعتلي صدارة انشغالاتنا، كبرلمان، لأن قناعتنا راسخة بأن الأمر في هذه القضية لا يتعلق فقط بغاية تشريعية أو التزام دستوري بزيادة عدد المقاعد وتطوير تمثيلية النساء في مختلف المواقع، بل من منطلق الدور الريادي الذي ينبغي أن يضطلع به البرلمان بمجلسيه في إثراء النقاش الوطني حول قضايا تمكين المرأة، وترسيخ وإرساء ثقافة المناصفة والمشاركة الفعلية المتساوية والمنصفة لكلا الجنسين في تدبير مختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة.

إن تحقيق ذلك، في تقديرنا ينبغي أن يستند إلى واجهتي عمل أساسيتين للإصلاح:

ترتكز الواجهة الأولى على مدخل تعزيز الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، واعتماد سياسات مؤطرة للتدخلات، عبر مقاربة تشريعية متقدمة تستهدف تجاوز العقبات البنيوية وتعزيز مشاركة نسائية فاعلة ومؤثرة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما الواجهة الثانية فَتَنْهَضُ على التغيير المجتمعي عبر نشر الوعي والقطع مع الإفلات من العقاب وتجنيد قنوات التنشئة الاجتماعية للتربية على قيم المساواة والعدل والإنصاف وإثارة النقاش العام المؤطر بالمعرفة العلمية للظواهر الاجتماعية ذات الصلة.

حضرات السيدات والسادة

جدير بالإشارة، إلى أن هذه الدينامية الإصلاحية المتنامية التي تعرفها بلادنا في مجال تعزيز المساواة والمناصفة، والتي يرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تتأسس على ركائز معيارية وقيمية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • مقتضيات دستور المملكة المغربية الذي يحظر، في تصديره، كافة أشكال التمييز والعنف اتجاه النساء والفتيات؛ ويكرس، في فصله التاسع عشر، مبدأ المساواة الفعلية والمناصفة بين الرجال والنساء في كافة المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ وينص، في ذات الفصل، على إحداث هيأة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز لأجل هذه الغاية؛ كما ينص، في فصله السادس، على الالتزام الإيجابي للسلطات العمومية بتوفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين والمساواة بينهم ومشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ فيما يحدد الفصل الواحد والثلاثين منه، نطاق ومجال الالتزامات الإيجابية للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تعبئة الوسائل الضرورية لضمان التمتع الفعلي للمواطنات والمواطنين على قدم المساواة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية.
  • الانخراط الطوعي للمملكة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان من خلال الانضمام والتوقيع على الاتفاقيات الأساسية ذات الصلة بحقوق المرأة والطفل والمهاجرين ومناهضة التعذيب والبروتوكولات الملحقة بها.
  • تقوية اختصاصات المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في مجال الحماية والتظلم.
  • التحول التدريجي نحو إدماج بعد المساواة بين الجنسين في البرامج والخطط التنموية الجهوية والمحلية انسجاما مع الدينامية الوطنية التي أحدثها ورش الجهوية المتقدمة وسياسة اللاتمركز الإداري.
  • تطوير ضمانات الحماية القانونية للنساء من كافة أشكال التمييز والعنف، واتخاذ إجراءات تعزيز مشاركة المرأة في مختلف المجالات بفضل الإصلاحات القانونية وإجراءات الدعم الإدارية التي اتخذت، والتي كان من ثمارها تطور مؤشرات تمثيلية النساء في البرلمان بغرفتيه وفي مجالس الجماعات الترابية وفي المؤسسات الوطنية وكذا في مراكز القرار الإداري.
  • تطوير المحيط المؤسساتي الداعم لحقوق المرأة وتعزيز أدوار المجتمع المدني من حيث الرصد والوظيفة الاقتراحية، لاسيما بعد إصدار القوانين التنظيمية التي تم إعدادها تنزيلا للاختيار الدستوري فيما يخص الديمقراطية التشاركية، مما مكن من ضمان تمثيلية المجتمع المدني في العديد من الهيآت الاستشارية، وعزز بالتالي شروط مواصلة منظماته دفاعها عن قضايا حقوق الإنسان وفي مقدمتها القضايا الأساسية ذات الصلة بحقوق المرأة والفتيات والحماية من العنف وسوء المعاملة ومكافحة الإفلات من العقاب.

       حضرات السيدات والسادة الأفاضل

إننا مُطالبون، حكومة وبرلمانا وفاعلين غير حكوميين، وعلى ضوء كل ما سلف ذكره، أن نواصل العمل، وفق مقاربة قوامها الترصيد والبناء على التراكم، عبر التعاطي مع الإجراءات المنصوص عليها دستوريا أو قانونيا أو تنظيميا، ليس كهدف في حد ذاتها، وإنما كوسيلة من أجل تيسير سبل تكافؤ الفرص لتولي مراكز القرار وتغيير الصورة النمطية المترسخة عن أدوار النساء وإبراز قدراتهن في قيادة قاطرة التغيير المنشودة في كل أبعادها المؤسساتية، من منطلق أن التمثيلية السياسية للنساء ورهان المساواة يستوجب اعتماد مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية، في أفق تحقيق مشاركة نسائية منصفة ونوعية ومعبرة عن وضعهن المجتمعي.

تلكم، حضرات السيدات والسادة الأفاضل، بعض العناصر التي وددت تقاسمها معكن ومعكم، إسهاما مني في استشراف مسالك التفكير لتعزيز التقائية آليات تدخلنا المؤسساتي، حكومة وبرلمانا وفاعلين غير حكوميين، بما يخدم تحقيق المناصفة والمساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية في مختلف تجلياتها وأبعادها.

ولنا اليقين في أن المقترحات والتوصيات التي ستتمخض عن هذا المنتدى الهام والأول من نوعه، ستسهم  بكل تأكيد، في تعزيز مسار ترسيخ المكتسبات بخصوص قضية المرأة وموضوع المساواة والمناصفة، بفضل ما يتوفر عليه المشاركات والمشاركون من خبرات وكفاءات مشهود لهن ولهم بها، وما راكمنه وراكموه من ممارسات فضلى وتجارب ناجحة بشأن مختلف القضايا التي تهم المرأة بشكل عام، وقضايا المساواة والمناصفة بشكل خاص، بما يمكننا من وضع مجتمعاتنا وبلداننا على سكة المساواة والمناصفة الحقيقية والفعلية لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة والمستدامة.

شكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.