بسم الله الرحمان الرحيم
السيد رئيس مجلس النواب ؛
السيدة رئيسة مجلس النواب بجمهورية الشيلي ؛
السيد رئيس البرلمان الأنديني ؛
السادة الوزراء ؛
السيدات والسادة أعضاء برلمان جمهورية الشيلي ؛
السيدات والسادة أعضاء برلمان الممكلة المغربية ؛
السيدات والسادة المفكرون والخبراء والأكاديميون ؛
السيدات والسادة ممثلوا وسائل الاعلام الوطنية والدولية ؛
أيها الحضور الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يسعدني أن أرحب بكم في هذا اللقاء الفكري والحدث الدولي المميز، الذي يجمع ثلة من خيرة النخب السياسية والأكاديمية، من الباحثين والممارسين والمتخصصين، من مختلف أنحاء العالم، من أجل التفكير بصوت عال في مستقبل الإنسانية ومطارحة تحدياتها الكبرى، من زوايا ومقاربات علمية مختلفة ومتعددة.
وإنه لمن دواعي الاعتزاز، أن يحتضن برلمان المملكة المغربية، النسخة الحالية من "مؤتمر المستقبل"، باعتبارها أول دورة تنعقد خارج جمهورية الشيلي وأمريكا اللاتينية.
ومما لا شك فيه، أن لذلك دلالاته الرمزية القوية، كونه تأكيد، من جهة، على المكانة الرائدة والثقة التي تحظى بها بلادنا على الصعيدين الدولي والإقليمي، تحت القيادة الحكيمة والرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
ومن جهة ثانية، يعكس متانة وقوة العلاقات المتميزة والعريقة التي تجمع بلدينا الصديقين، المغرب والشيلي، منذ ما يقارب 64 عاما على إقامة علاقاتنا الدبلوماسية، والتي تشهد اليوم مرور عشرين (20) سنة على الزيارة التاريخية لجلالته حفظه الله لهذا البلد الصديق.
إنها علاقات الصداقة المتينة والراسخة، المسنودة بالإرادة والطموح المشترك من أجل أفق أرحب لشعوبنا الصديقة؛
علاقات تجسدها مشاعر التقدير العميق الذي يحظى به جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، في منطقة أمريكا اللاتينية والكارييب، علاوة على روح الإيمان الصادق بعدالة القضية الوطنية، والدعم الأخوي النبيل للوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وإذ يحضر معنا اليوم، الأخ والصديق غوستافو باتشيكو، رئيس البرلمان الأنديني، والذي يضم في عضويته جمهورية الشيلي الصديقة، فاسمحوا لي أن أوجه له ومن خلالكم جميعا، لكل الأصدقاء بأمريكا اللاتينية والكراييب، أسمى عبارات التقدير والامتنان، على ما لمسناه منكم جميعا من إرادة قوية لتحصين وتوطيد العلاقات البرلمانية، وهي لا شك، نفس الارادة والمبادئ والقناعات التي أطرت الإعلان المشترك الذي توج اللقاء الذي جمعنا، برحاب مكتبة الملك محمد السادس.
وأرجو أن تنقلوا لكافة الرؤساء الموقعين على هذا الإعلان المشترك، تحية التقدير والامتنان على هذه الثقة، ورسالة التأكيد على أننا سنبذل قصارى وصادق الجهود لتنزيل مضامين إعلاننا، وبلوغ أهدافه المتوخاة.
حضرات السيدات والسادة
علاوة على ما سبق، فإن استضافة المملكة المغربية لهذه النسخة من المؤتمر تأتي أيضا في إطار إشعاع هذه المبادرة داخل القارة الإفريقية، خصوصا وأن المملكة المغربية جعلت من تعزيز موقعها الإقليمي في القارة الإفريقية واحدا من أهم أهدافها السياسية والجيو_استراتيجية العامة، القائمة على اعتبار التعاون جنوب-جنوب ودعم المبادرات التنموية والتضامنية، كأحد أركان السياسة الإفريقية للمغرب.
وفي هذا السياق، لا يخفى عليكم أهمية المبادرات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي أطلقها المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة في علاقته بدول إفريقيا جنوب الصحراء، بمبادرة ورعاية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، من بينها مشروع أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، ومبادرة تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ، والتي من شأنها تعزيز أسس الاستقرار في المنطقة ومعالجة القضايا المرتبطة بالهجرة والأمن والتنمية.
حضرات السيدات والسادة
إن الفكرة التي نجتمع حولها اليوم، هي أن المصير الإنساني مشترك، وأن التحديات التي تواجه الوجود الإنساني اليوم أضحت تتخطى الحدود التقليدية؛
إنها تحديات عابرة لحدود الجغرافيا وللخصوصيات المحلية والثقافية؛
تحديات لا يمكن اختزالها في مجرد قضايا تقنية تحل بمعادلات رياضية أو سياسات قطاعية، بل هي قضايا وجودية تمس جوهر الإنسانية ووجودها، فالتغير المناخي، على سبيل المثال، هو نتيجة للاختلال في علاقة الإنسان بالطبيعة، وهو تحدي يضعنا أمام مخاطر كبرى.
والمغرب يعي حجم هذه المخاطر، من خلال حرصه على تبني توجه استباقي قائم على استراتيجيات تنموية، لتعزيز الجهود الرامية إلى ضمان السيادة الطاقية، وتسريع وتيرة التحول إلى الاقتصاد الأخضر، لا سيما على مستوى الاستثمار في الطاقات المتجددة، وفق أهداف "الخطة الوطنية منخفضة الكربون طويلة الأمد 2050"، التي قدَّمها المغرب للأمم المتحدة في نهاية عام 2021.
ولا يقتصر الالتزام على قضية المناخ فحسب، بل يمتد ليشمل الأمن الغذائي، خصوصا في ظل الاكراهات والتغيرات المناخية والنزاعات الإقليمية، و بلادنا لعبت وتلعب دورا رياديا بقيادة عاهل البلاد، حفظه الله وأيده، في إطلاق ودعم عدد من المبادرات التنموية والتضامنية الهادفة إلى تطوير الشراكات بين عدد من مناطق ودول العالم، وخصوصا المنطقة العربية والإفريقية وأمريكا اللاتينية والكارييب، وعلى رأسها المبادرة من أجل تكييف الفلاحة الإفريقية مع التغيرات المناخية، التي تعرف بمبادرة "Triple A» التي أطلقها جلالته بمناسبة قمة المناخ "كوب 22".
حضرات السيدات والسادة
من القضايا التي ستستأثر باهتمام المشاركين مسألة السلم والأمن الدوليين، والمملكة المغربية أظهرت على الدوام التزاما ثابتا ودائما لفائدة حفظ السلام والأمن في العالم، وذلك انسجاما مع رؤية ملكية متبصرة للسياسة الخارجية المغربية، المرتكزة على الالتزام بالعمل المشترك، وتكريس قيم التضامن الفاعل والتعاون البناء، ونشر قيم الحوار والسلم والتعايش في العالم، والمساعدة على إقراراهما حفاظا على الأمن ونبذا للصراعات والحروب، والتشبث بالحل السلمي للنزاعات، واحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
أما فيما يتعلق بقضية الهجرة، فهي ليست مجرد أزمة عابرة، بل ظاهرة أضحت تتخذ أبعادا مقلقة، وتتطلب إدارتها رؤية إنسانية شاملة توازن بين السيادة الوطنية وحقوق المهاجرين. والمغرب، يقدم نموذجا يمكن أن يحتذى به في هذا الاطار، ولا أدل على ذلك، التوافق الدولي حول "الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة"، الذي تم اعتماده خلال الاجتماع رفيع المستوى المنعقد بمدينة مراكش في دجنبر 2018، والذي شكل لحظة تحول تاريخية في التعاطي مع قضية الهجرة.
حضرات السيدات والسادة
ثمت قضايا أخرى لا تقل أهمية، كالصحة، والمساواة بين الجنسين، وقيم التسامح، والذكاء الاصطناعي والتحولات في مجال العلاقات الإنسانية والروابط الاجتماعية، وغيرها من المواضيع ذات الصلة بالمحاور المطروحة على جدول أعمال هذا المؤتمر، والتي لا يسعنا الوقت لتناولها.
وإنني على يقين تام أن هذا المؤتمر، بجلساته الإحدى عشر (11) المتكاملة والمتقاطعة، وبتعدد وتنوع المساهمين والمشاركين فيه، سيشكل فرصة مناسبة لمتاقشة مختلق هذه القضايا، وتغذية ذكائنا الجماعي بالأفكار والتصورات الداعمة لطموحنا المشترك في مواجهة مختلف التحديات التي تواجه الإنسانية.
ختاما، اسمحوا لي، أن أتوجه بالتهنئة إلى الصديق جيراردي غويدو، لما بذله منذ أزيد من عقد من الزمن، من أجل وضع هذه المبادرة على أجندة التفكير العلمي الدولي لطرح قضايا المستقبل والتصورات والبدائل الممكنة.
وإذ أجدد ترحيبي بكم، وامتناني لجميع الشركاء والمنظمين، ولكم جميعا على حضوركم ومشاركتكم الفعالة، أتمنى لأشغال مؤتمرنا هذا، كامل النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.