بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
دولة السيد كليوباس سيفو دلاميني رئيس مجلس الوزراء في مملكة اسواتيني
معالي السيدة ليندوي دلاميني رئيسة مجلس الشيوخ بمملكة اسواتيني المحترمة،
السيدات والسادة رئيسات ورؤساء المجالس والوفود الأعضاء في الرابطة المحترمون،
السيد الأمين العام للرابطة المحترم،
زملائي الأعزاء،
السيدات والسادة الحضور الكرام،
في البداية، يسرني ويسعدني أن أعرب عن جزيل شكري وعظيم تقديري لمملكة اسواتيني، حكومة وبرلمانا وشعبا على كرم وحسن الضيافة وحفاوة الاستقبال اللذين حظينا بهما منذ أن وطأت أقدامنا أرض مملكة إيسواتيني الصديقة.
كما يشرفني أن أعبر لكم عن سعادتي بالتئامنا اليوم من خلال هذا اللقاء الهام، من أجل التداول وتعميق النقاش وتبادل الآراء بشأن موضوعين رئيسيين في الأجندة الدولية وهما "تأثير الأزمات العالمية المتعددة على إقتصادات إفريقيا والعالم العربي" و"أهمية الاقتصاد الأخضر في تحقيق التنمية المستدامة في المنطقتين الإفريقية والعربية".
ومما لاشك فيه أن كلا الموضوعين على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لمنطقتي إفريقيا والعالم العربي والعالم برمته.
زملائي الأعزاء، السيدات والسادة الحضور الكرام،
لقد شهد العالم خلال السنوات الثلاث الماضية أزمات اقتصادية متتالية تمثلت بالدرجة الأولى في انتشار جائحة كورونا. وقد بذل العالم جهودا حثيثة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية الناجمة عنها، وتحمل تكاليف باهظة من أبرزها الارتفاع المهول في الديون العامة والخاصة، وزيادة معدلات التضخم، وارتفاع تكاليف الطاقة والمعادن والغذاء وانقطاعات سلاسل التوريد. وما كاد العالم يخرج من نفق الأزمة، حتى بدأت الأزمة الأوكرانية التي أعادت تعقيد الأوضاع الاقتصادية العالمية، وأصابت العلاقات الدولية بالتوتر، ورفعت مستويات عدم اليقين، وعمقت أزمة أسعار الطاقة والأغذية والمعادن والأسمدة والنقل ومثلت ضربة قوية للاقتصاد العالمي وما تزال.
ونتيجة لهذه الأزمات المتتالية فقد ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة تعتبر الأكبر منذ عام 2008، في حين تعد الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط لعام 1973 .
وعليه، فإنه يمكن القول بأن الملامح الرئيسية للاقتصاد العالمي في الفترة 2022- 2023 التي دفعت إلى توقعات بتباطؤ عملية التعافي الاقتصادي، في الوقت الراهن، تعود إلى ثلاث عوامل رئيسية هي: استمرار الاختناقات في سلاسل التوريد وارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم وتفاقم أزمة المديونية، ومؤخرا برزت أزمة المخاطر البنكية وإفلاس بعض البنوك بسبب الفوائد المرتفعة .
وفيما يتعلق بإفريقيا والعالم العربي فقد تأثر الأداء الاقتصادي للدول الإفريقية والعربية في الأعوام الثلاثة الماضية بشكل ملموس جراء هذه الأزمات المتتالية من خلال الانخفاض الحاد في حجم النشاط الاقتصادي وتأثر العديد من القطاعات مثل السياحة والنقل والتجارة، ونتج عن ذلك انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع نسبة البطالة وتسجيل زيادة كبيرة في عجز الموازنات العامة والدين العام، وارتفاع الأسعار العالمية للغذاء وتعميق الفقر.
بالإضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية، نواجه أيضا أزمة بيئية، حيث يتسبب تغير المناخ في حدوث ظروف مناخية قاسية مثل موجات الحر والفيضانات والجفاف التي تؤثر على المجتمعات في جميع أنحاء العالم. كما يهدد فقدان التنوع الحيوي للأنظمة البيئية التي تعد ضرورية للوجود البشري. ولا تمثل هذه الأزمة مشكلة بيئية فحسب، بل هي أيضا مشكلة اجتماعية واقتصادية.
وفي الواقع، ومن خلال مهامنا التشريعية المتعلقة بالميزانية والرقابة، يمكن لنا كبرلمانيين أن نلعب دورا هاما من خلال المساهمة في معالجة هذه الأزمات الاقتصادية والتخفيف من آثارها وتداعياتها باعتبارنا شركاء أساسيين في السياسات المرتبطة بالتنمية والاقتصاد وخصوصا في ظل التحديات الاقتصادية المستجدة التي يمر بها العالم وتداعياتها على المنطقتين العربية والإفريقية والعالم بأسره.
زملائي الأعزاء، السيدات والسادة الحضور الكريم،
في سبيل مواجهة الأزمات الاقتصادية الآنفة الذكر فقد طرح المجتمع الدولي مفهوم الاقتصاد الأخضر كوسيلة للتغلب على تلك الأزمات، وذلك من خلال إعادة توجيه رؤوس الأموال نحو الاستثمار في قطاعات الطاقة الخضراء. ويهدف الاقتصاد الأخضر كما هو معلوم إلى تعزيز التكامل فيما يخص تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، كما يعمل على الحد من انبعاث الكربون واستغلال الموارد بطريقة فعالة وشاملة من الناحية الاجتماعية. وعليه فإن عملية التوجه نحو الاقتصاد الأخضر في إفريقيا والعالم العربي تعد ضرورة ملحة للحد من مخاطر الصدمات المتعلقة بتغير المناخ، إلا أن هناك تحديا رئيسيا يتمثل في التكلفة الباهظة التي يتحملها الاقتصاد العربي الإفريقي نتيجة هذا التوجه، شأنه في ذلك شأن بقية الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على مصادر الطاقة المشتقة من الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز والفحم وغيرها من المصادر التي تساهم في تلوث البيئة من خلال انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون.
ومن المؤكد حدوث تقدم سريع في مجال التقنيات المستخدمة في استغلال مصادر الطاقة المتجددة والتي تتسم بأسعار معقولة مما يجعل التحول نحو الاقتصاد الأخضر ممكنا.
وفي الواقع فقد شرعت العديد من بلدان العالم بالفعل في تخضير اقتصاداتها، إذ كشفت الدراسات الحديثة أن الاقتصاد الأخضر يولد عائدات سنوية هائلة وفرص عمل كثيرة. وفي هذا الإطار، فقد أدركت عدة بلدان عربية وإفريقية أهمية الاقتصاد الأخضر والإمكانيات التي يتمتع بها، بل وشرعت في عملية تحول استراتيجي نحو هذا الاقتصاد، إلا أن ذلك يتطلب جهودا مكثفة من جميع البلدان، وتشمل تلك الجهود تقييم آثار سياسات تغير المناخ على الحياة الاجتماعية، إلى جانب الاهتمام بالتنمية القروية وقطاع الماء واعتماد تقنيات إنتاج أنظف وأكثر كفاءة ودعم الحركة الجماعية واعتماد المعايير البيئية في البناء ومعالجة مشكلة النفايات وإعادة تدويرها بشكل مفيد وصديق للبيئة. علاوة على ذلك، فإنه من الضروري القيام بسن القوانين التي تسهل عملية التحول نحو الطاقة الخضراء. وأخيرا وليس آخرا ينبغي تشجيع الاستثمارات الأجنبية في قطاعات الاقتصاد الأخضر، وتزويدها بحوافز مغرية مثل التخفيضات الضريبية والتسهيلات الائتمانية والإعفاءات الجمركية.
زملائي الأعزاء، السيدات والسادة الحضور الكرام،
إنني على يقين تام بأن السيدات والسادة الرئيسات والرؤساء وأعضاء الوفود سوف يثرون المداولات والنقاشات التي ستجري حول هذين الموضوعين الهامين من خلال أوراقهم ومداخلاتهم وما يمتلكونه من أفكار نيرة وخبرات واسعة على النحو الذي يمكن هذا الاجتماع من الخروج بتوصيات هامة تصب في تعزيز جهود المنطقتين العربية والإفريقية في مواجهة آثار وتداعيات الأزمات العالمية التي سبق ذكرها، وكذا تشجيع عملية التحول نحو الاقتصاد الأخضر لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وعادل على النحو الذي يخدم مصالح دولنا وشعوبنا.
وفي الختام أجدد شكري وتقديري لمجلس الشيوخ في مملكة إيسواتيني الصديقة على الجهود الجبارة التي بذلها في سبيل تنظيم هذا اللقاء الهام، متمنيا أن تكلل أشغاله بالنجاح.
شكرا لكم جميعا على حسن الإصغاء.