تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين في ندوة تيسير تنقل الأشخاص والبضائع بين البلدان الأفريقيةء 22 مارس 2018

2018-03-22

السيد رئيس مجلس النواب المحترم؛

السيد رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية CEDEAO المحترم؛

السيدة كاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المحترمة؛

السيدات والسادة ممثلي غرفتي البرلمان المغربي المحترمات والمحترمين؛

حضرات السيدات والسادة الحضور الكريم؛

يسعدني أن أشارك معكم في الجلسة الافتتاحية لأشغال هذه الندوة المهمة المنظمة من طرف زملاءنا في الغرفة الأولى، وبهذه المناسبة أتوجه بالشكر الجزيل والامتنان العميق لزميلي وأخي العزيز ذ. الحبيب الملكي، رئيس مجلس النواب المغربي، على دعوته الكريمة؛

كما أستغل الفرصة لأرحب بالسيد "مصطفى سيسي لو" المحترم رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية CEDEAO وبأعضاء الوفد المرافق له في بلدهم الثاني المغرب الذي نتمنى له فيه مُقاماً سعيدا؛

وأتمنى أن تكون هذه الندوة فرصة أخرى لتوسيع دائرة التنسيق وتبادل وجهات النظر حول ما يهم مصلحة بلداننا وشعوبنا والبحث عن كل السبل لتوطيد العلاقات، وذلك كشكل من أشكال تفعيل اتفاقية التعاون بين البرلمان المغربي بمجلسيه، مجلس النواب ومجلس المستشارين، وبرلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، التي وقعت خلال شهر أكتوبر من السنة الماضية ().

حضرات السيدات والسادة؛

كما لا يخفى عليكم يشكل تحرير الأسواق والتجارة الدولية أحد أهم مميزات النظام الاقتصادي العالمي في القرن الراهن، وهكذا تتجه دول العالم، وخاصة منها النامية، الى البحث عن صيغ مواجهة المتغيرات التي لحقت النظام الاقتصادي الدولي، والتي أفضت في النهاية إلى بروز التكتلات الاقتصادية كأداة يمكن من خلالها مواجهة تحديات عملية تحرير التجارة الدولية عبر فكرة التكامل الاقتصادي.

وتبعا لذلك، توجت البارحة، الأربعاء 21 مارس 2018، بالعاصمة الرواندية "كيغالي" المفاوضات التي كانت على مستوى الاتحاد الافريقي بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة من أجل إعداد اتفاقية حول منطقة قارية للتبادل الحر "ZLEC"، بالتوقيع على الاتفاق الجديد المتعلق بهذه المنطقة من طرف 44 دولة من بينها المغرب. ويجمع جميع الخبراء على أن تأسيس هذا الفضاء الاقتصادي، الذي يجمع أزيد من 1,2 مليار مستهلك، سيشكل مشروعا رائدا لأجندة 2063، التي تعكس الرؤية بعيدة المدى للاتحاد من أجل قارة أفريقية مندمجة، يعمها الازدهار والسلم.

كما أن إنشاء هذه المنطقة سينتج عنه إنشاء سوق قارية للبضائع والخدمات، وستمكن من تحقيق ناتج داخلي خام يقدر ب2,5 تريليون دولار. كما سيساهم نجاح هذا المشروع، الذي مازال في طور التكوين لما يناهز الأربعة عقود، بشكل مؤكد في تحفيز المبادلات بين الدول الإفريقية، التي لا تشكل في الوقت الحالي سوى 10 في المئة من مجموع مبادلات القارة.

وتجدر الإشارة، في هذا الإطار إلى أنه بحسب تقديرات البنك الإفريقي للتنمية، فإن منطقة التبادل الحر القارية ستعزز الناتج الداخلي الخام للقارة بأزيد من 35 مليار دولار خلال السنوات الخمسة المقبلة، وستسهم في الإلغاء التدريجي للحواجز التعريفية وغير التعريفية لتجارة البضائع، والتحرير التدريجي لتجارة الخدمات.  كما اعتبرت، من جانبها أيضا، اللجنة الاقتصادية لإفريقيا، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، أن تحقيق هذه المنطقة سيساهم بشكل مؤكد في رفع حصة القارة الإفريقية في التجارة العالمية، حيث تبقى مساهمة القارة ضئيلة إذ تساهم فقط ب 2 في المئة. ويرى الخبراء في هذا المجال، أن منطقة من هذا النوع من شأنها أن تساهم كذلك في تقليص تبعية أفريقيا للخارج، نتيجة تقليص الواردات الإفريقية ب 10,2 مليار دولار.

إن تحقيق هذا المشروع، الذي يجسد حلم شعوب القارة، سيعطي دفعة قوية للتعاون التجاري، عبر اتخاذ تدابير لتسهيل المبادلات، وخلق إتحاد جمركي، وإنشاء عملة موحدة، ومجموعة إقتصادية إفريقية. كما سيعمل على تنويع و تحويل الاقتصاد القاري، وكذا تحسين توزيع المصادر وتخفيض الأسعار داخل دول القارة، و جعل إفريقيا أقل هشاشة في مواجهة الصدمات التجارية الخارجية. ، كما سيمكن بلدان قارتنا  من وضع أجندة مشتركة، والنظر إلى مستقبلها بكل تفاؤل، وثقة.

حضرات السيادات والسادة؛

إن موقع المغرب الجيو-استراتيجي كملتقى للأسواق العالمية من جهة، وانطلاقا من علاقاته مع دول قارتنا الأفريقية، فإنه ينطلق من تصور استراتيجي متجدد ومتكامل حدده جلالة الملك، نصره الله، في أكثر من مناسبة، وآخرها الرسالة الملكية الموجهة أمس الى القمة الاستثنائية للاتحاد الإفريقي، وهو تصور يشدد على أولوية الاعتماد على المقومات والقدرات الذاتية لقارتنا، وعلى ترسيخ العلاقات التاريخية مع بلدان القارة عبر مبادرات تشمل الحقل الديني والإنساني والتنموي والتضامني.

وفي إطار سياسة توطيد التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي الذي يشكل رافعة مهمة في استراتيجية المغرب بإفريقيا كانت بلادنا سباقة إلى إبرام العديد من اتفاقيات التعاون شملت مجالات مختلفة مع العديد من دول أفريقيا ومنها بعض الدول المنتمية للمجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية "سيدياو".

ونؤكد، في هذا الإطار، على أن طلب المغرب للانضمام للمجموعة هو تتويج لاستراتيجية المملكة في تقوية التعاون جنوب - جنوب خاصة مع بلدان قارتنا، خصوصا وأن للمغرب وعدد من دول هذه المنطقة علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية ودينية معروفة ومتميزة. والتي نشيد بالمناسبة بها، ونؤكد على «الروابط الإنسانية والحضارية والروحية العريقة والعلاقات المتميزة من التعاون المثمر والتضامن الفعال التي تجمع بلادنا بدول هذه المنطقة".

وفي هذا الإطار لا حاجة للتفصيل في كل المبادرات التي قامت بها بلادنا تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بدأً بالعودة إلى بيته في الاتحاد الإفريقي إيمانا بالقدر الموحد لبلدان قارتنا، وكدليل على حسن التعاون. ونشيد بالمناسبة بقرار جلالته إحداث وزارة منتدبة خاصة بالشؤون الإفريقية كخطوة إضافية نحو الاندماج الإفريقي وتكريسا لتوجه المغرب نحو عمقه الإفريقي. كما تعززت هذه العلاقات في السنوات الاخيرة من خلال الزيارات العديدة التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره للعديد من بلدان هذه المنطقة والتي توجت بإبرام عدد مهم من الاتفاقيات، أعطت دفعة قوية للتعاون الثنائي مع دول المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك نذكر بالعلاقات المؤسساتية لبلدنا مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، من خلال صفته كملاحظ، منذ عدة سنوات، والتي مكنته من المشاركة في عدد من اجتماعات المنظمة وساهم في أنشطتها، وقاد مجموعة من مهمات الوساطة من أجل حل النزاعات في المنطقة، مما جعل من بلادنا، عضوا أساسيا في مهمات حفظ السلام والاستقرار بالمنطقة. كما لا يجب أن نغفل العلاقات الاخوية والاجتماعية التي تجمعنا بلادنا بالمنطقة وخارجها، حيث اتخذ جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، عدة مبادرات انسانية معبرة.

 

حضرات السيدات والسادة؛

من المهم التذكير بالآفاق الاقتصادية الواعدة التي من المفروض أن يفتحها انضمام المغرب للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.  وإذ نؤكد أن رغبة بلادنا في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا هو نابع من إيماننا الأكيد أنه سيفتح أفاقا واعدة أمام بلداننا وسيسمح بوضع الخبرة والتجربة التي راكتمها بلادنا رهن  اشارة أشقاءنا وإخواننا في هذه المنطقة، وسنتقاسم معهم نتاج الدينامية الاقتصادية، التي تعرفها بلادنا والتي بدأ تفعيلها من خلال إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب الغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد افريقي وهو نيجيريا بالمغرب، مرورا بدول غرب افريقيا؛ وسيمنح هذا المشروع المجموعة مكانة استراتيجية دولية، وذلك بتحوله إلى مركز طاقي يربط دول غرب افريقيا بسوق الطاقة الاوروبي، وسيمكنها من تصدير الغاز إلى البلدان الأوروبية، كما ستستفيد المنطقة بشكل مباشر من الاستثمارات الضخمة والاكيدة التي ستواكب هذا المشروع والتي تعد بملايير الدولارات.

ومما لا شك فيه فإن غالبية شركات المجموعة ستجد موطأ قدم لها في هذا المشروع الضخم مما سيساعدها على إحداث مناصب شغل دائمة وبأجور جيدة، وبالتالي الحد من معضلة البطالة التي يعاني منها غالبية شباب المنطقة. كما تجدر الإشارة إلى أن المجموعة ستستفيد من شبكة العلاقات التي يتوفر عليها المغرب مع مختلف الشركاء الدوليين، وكذا مع الدول العربية والاسلامية، والتي ستسمح هي الأخرى بتعزيز العلاقات التجارية وتطوير قطاع الأعمال وخلق شراكات جديدة وتجاوز العديد من التحديات التي تؤثر على تطور العلاقات التجارية بين المنطقة الافريقية والدول العربية.

ولقد توقعت بعض الدراسات أن تصبح مجموعة دول غرب افريقيا، في حال انضمام المغرب إليها، القوة الاقتصادية ال 16 عالميا، بفضل الامكانات والثروات الطبيعية التي تتوفر عليها، ولتواجد أسواق تجارية تضم 320 مليون مواطن يعتبرون أكثر شعوب الأرض شبابا، ويعيشون داخل بلدان هذه المجموعة الإفريقية، والتي يصل ناتجها الداخلي الخام مجتمعة إلى 700 مليار دولار، وتمتد على مساحة 5,1 ملايين كلم مربع ().

وبهذا يتأكد أن طلب المغرب الانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، هو التزام للمملكة برفع التحديات التي تواجهها المنطقة، بشكل تضامني مع البلدان الأعضاء.

حضرات السيدات والسادة؛

أما فيما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص الذي له ارتباط وثيق بمسألة الهجرة فإن الاتفاقيات التي أبرمها المغرب في هذا الإطار، تنص ضمن مقتضياتها على موضوع الهجرة. ورغم التّأخر الحاصل في التعاون بخصوص هذا الموضوع، إلا أن بلادنا انتهجت سياسة واستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، تحت قيادة صاحب الجلالة نصره الله، بصفته رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة،  والمبنية على القيم الكونية لحقوق الإنسان، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين لتمكينهم من الولوج إلى الحقوق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والسكن والشغل والمواكبة الاجتماعية والقانونية، والمرافق الترفيهية والرياضية.

إن موضوع حرية تنقل الأشخاص والهجرة يشكل أهمية قصوى بالنسبة لبلدنا لأنه لا يمكن الحديث عن حرية تنقل البضائع دون ضمان حرية المرور والتنقل والاستيطان لمواطني دول قارتنا كحق أساسي من حقوق الانسان. وبالخصوص أن المغرب باعتباره بوابة إفريقيا وواحدا من الدول التي  تستقبل عددا متزايدا من المهاجرين الذين اصبحوا يستقرون في المغرب، الشيء الذي دفع به إلى الانخرط في عمل مشترك على مختلف الأصعدة، لاعتماد سياسات متجددة ومقاربات تشاركية مندمجة للتدبير الأمثل لظاهرة الهجرة، تحث الدول المستقبلة في إطار سياسة التعاون وحسن الحوار والتشاور، على مراعاة خصوصيات المهاجرين ومساعدتهم على اجتياز صعوبات الاندماج والانخراط في المجتمعات المحتضنة، وكذا مواجهة والتصدي لنزوعات الإقصاء والعنصرية والكراهية، خاصة في ظل التحولات التي تفرضها العولمة والرهانات التي يواجهها المغرب في الدفاع وحماية حقوق الإنسان بشكل عام، وضمان ولوج المهاجرين واللاجئين لحقوقهم الأساسية بشكل خاص، إيمانا من بلادنا بحرية الإنسان في التنقل والتواصل والحق في العيش الكريم، واعتبار الهجرة مظهر غنى وتنوع ومصدر ثراء ثقافي وحضاري.

لذلك نستغل هذه المناسبة للدعوة الى تبني سياسات تضمن حرية تنقل المواطنين الأفارقة، وتعمل على تعزيز التعاون داخل المنطقة وفيما بين الدول في القضايا المتعلقة بالهجرة، إضافة إلى التفكير في كيفيات خلق بيئة مواتية لتسهيل مشاركة المهاجرين، لا سيما أولئك الموجودين  في دول المهجر، في تنمية بلدانهم.

وبناء عليه يجب أن نضع ضمن اولوياتنا قضية الهجرة التي تطرح تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية لصانعي السياسات العمومية العاملين في إدارة الهجرة من أجل تحسين أوضاع القارة، وبالتالي لا بد من وضع إطار استراتيجي لسياسة الهجرة في القارة الأفريقية يمكن أن تساهم، أولا، في التصدي للتحديات والمشاكل التي تفرضها وتنتج عن الهجرة، وضمان إدماج المهاجرين، وثانيا، أن تمكن من مواجهة الاشكالات ذات الصلة في السياسات الوطنية والإقليمية بقضايا الأمن والاستقرار والتعاون والتنمية.

هذه بعض من القضايا التي تشغل بالنا ونريد تقاسمها معكم في هذا اللقاء من أجل تبادل وجهات النظر كبرلمانيين للبحث عن السبل والآليات الكفيلة لتوطيد أواصر التعاون بين بلدان قارتنا التي أصبحت في السنين الأخيرة، بفعل عدة عوامل سياسية واقتصادية تعرف نموا اقتصاديا قويا جعلها في قلب التنافس الاقتصادي الدولي وفضاء للتسابق بين الدول الأوربية وأمريكا والصين.

 

وشكرا لكم على حسن الاصغاء.