حضرات السيدات والسادة
في البداية اسمحوا لي أن أعبـر عن عميق اعتـزازي بالمشاركة في هذا اللقاء الدراسي الهام، الذي ينظمه الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، بتنسيق مع مؤسسة "كونراد ايديناور".
كما أنوه باختيار موضوع " العلاقات المغربية الأوروبية على ضوء التغيرات المناخية"، اعتبارا لأهمية ملف التغيرات المناخية في الأجندة المشتركة بين المملكة المغربية وأوروبا، وانسجاما مع أولويات الطرفين في تقوية تعاونهما في مجال الحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي ومكافحة تغير المناخ، كخيار استراتيجي للتحول التنموي وضمان رفاه وازدهار شعوب الدول الأوروبية والمملكة المغربية.
الحضور الكريم،
إن تدبير ملف مكافحة التغيـرات المناخية، يستوجب بناء أسلوب تعاون متقدم وتنسيق دائم على المستويات الثنائية ومتعددة الأطراف، وهو المنطق الذي تتبناه به بلادنا مع الشركاء الإقليميين والدوليين من جهة، وعلى صعيد الالتزام الدولي بالاتفاقية الإطار للأمم المتحدة بشأن التغيـر المناخي من جهة أخرى.
وقد عملت بلادنا على تطوير سياسات عمومية خاصة بمكافحة التغيـرات المناخية وتعزيز الاستثمارات الخضراء وتطوير خطة مبتكرة لتحقيق الحياد الكربوني في أفق سنة 2050. وفي هذا الإطار، تشكل محاربة التغيرات المناخية بعدا استراتيجيا في التوجهات التنموية لبلادنا، من خلال تبني سياسات وتدابير استباقية تهدف للحد من تأثيرات التغيرات المناخية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد أهداف استراتيجية واضحة تهم بالأساس تقليص انبعاث الغازات الدفيئة والتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري، والرفع من مساهمة الطاقات البديلة بأشكلها الشمسية والريحية والبحرية والمائية في المنظومة الطاقية الوطنية.
ويترجم المغرب هذه الطموحات الكبرى على أرض الواقع، من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع المهيكلة. فعلى مستوى الطاقات البديلة استطاعت بلادنا انجاز أزيد من 50 مشروع بطاقة انتاجية تصل الى حوالي 4000 ميغاوات، وهناك 60 مشروع آخر قيد التطوير أو التنفيذ حاليا. وهذه التوجهات مكنت من انتاج حوالي 37% من الانتاج المحلي للطاقة، وهو مؤشر مشجع لتحقيق هدف الانتقال الى 52% من الطاقة سنة 2030 والوصول الى الهدف الاكبر المتمثل في صفر كربون سنة 2050.
ولتعزيز الحكامة المناخية تقوية آليات التكيف من التغيرات المناخية، عمل المغرب على مواكبة المجهود الطاقي، بتدابير استراتيجية متقدمة لتقليص تأثيرات الغيرات المناخية على الاقتصاد والافراد والمنظومة الطبيعية، وذلك من خلال إعداد البرنامج الوطني الأولوي للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020 – 2027، من أجل توفير الموارد الكافية والاقتصاد في الماء، خاصة في المجال الفلاحي وإعادة استعمال المياه العادمة، إضافة إلى تحلية مياه البحر.
وهذه المبادرات جعلت من بلادنا شريكا موثوقا ورائدا إقليميا ودوليا في مجال مكافحة التغيـرات المناخية. وهو ما يفسّر المكانة الاستراتيجية للشراكة مع المغرب في المنظومة الأوربية، والتي ثم تقويتها مؤخرا بإطلاق " الشراكة الخضراء الأولى حول الطاقة والمناخ و البيئة"، وهي مبادرة ستمكن من تقوية التعاون بين المغرب و الاتحاد الأوربي في مجالات الطاقة والمناخ والبيئة و تسريع الانتقال البيئي في ضفتي المتوسط من جهة، وتعزيز إطار متقدم لتطوير برامج تعاون ثلاثي مع فاعلين آخرين من أجل التزام أكبر بأهداف اتفاق باريس وتطوير جماعي للبرنامج العالمي للمناخ.
كما ستمكن الشراكات بين المغرب و أوروبا من تعزيز المناعة المناخية للمنطقة و تطوير برامج لمواجهة آثار التغيرات المناخية على مواضيع الأمن الغذائي و ندرة المياه و النزوح واللجوء المناخي والتصحر، وغيرها من المواضيع والملفات المصيرية ذات الصلة.
لذلك فنحن مدعوون، بجانب شركائنا الأوروبيين، إلى ضرورة العمل على إعداد خطط عملية للتقدم في إنجاز الأهداف المشتركة المتعلقة بالانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون وصامدة أمام تغيـر المناخ و تنفيذ مسار متقدم لتحقيق الانتقال إلى الإقتصاد الأخضر مع تبني توجهات الإقتصاد الدائري، لتطوير الإنتاجية والتحكم في التكاليف وتطوير سلاسل قيمة مستدامة. كما ينبغي العمل على تعزيز الحوار السياسي بأسلوب متقدم نناقش فيه كل التحديات بنفس الأهمية والروح الإيجابية، والرغبة المشتركة في بناء الثقة والنجاح في تحقيق طموحات شعوبنا.
ونحن على يقين أن هذا الملف سيشكل أحد الأبعاد الكبرى لتأسيس جيل جديد من نماذج التعاون المستقبلية بين المغرب و أوروبا، من أجل انبثاق مسارات متقدمة للتعاون و التجسير التنموي والتفاهم السياسي، وفق مبادئ الوضوح والطموح والشراكات رابح- رابح.
وإذ أتمنـى أن يصدر عن هذا اللقاء الهام، توصيات عملية وفعالة للارتقاء بالتعاون المشترك بين المغرب و أوروبا في موضوع التغيـرات المناخية، فإنني على استعداد تام لدعم كل المبادرات المستقبلية المماثلة التي من شأنها إغناء الديناميات الجديدة لمجلس المستشارين.