تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة رئيس مجلس المستشارين حول آليات دعم العمل البرلماني

2017-05-03

الرباط، 3 ماي 2017

 

السيد فيليب ميكوس، ممثل بعثة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، المكلف بالتعاون

السيد ليشمار سينكوفسكي، ممثل برنامج SIGMA

السيدة والسادة الخبراء،

زميلاتي زملائي البرلمانيين،

حضرات السيدات والسادة،

يشرفني أن أفتتح أشغال هذه الندوة التي ينظمها مجلس المستشارين بشراكة مع برنامج سيجما (SIGMA) في موضوع "الرهانات الاستراتيجية والتحديات الأساسية لخلق وتطوير نظام دعم البرلمانيين"، وهو موضوع على قدر كبير من الأهمية والراهنية، بالنظر إلى حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق البرلمان، باعتباره الفضاء الأمثل لتكريس الديمقراطية وضمان مشاركة المواطنين في صنع القرار.

وبالنظر إلى أدواره الرقابية على العمل الحكومي، يعتبرعمل البرلمان أساسيا لإرساء سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والإشراف على شفافية عمليات الحكم وضمان الامتثال الوطني للالتزامات الدولية. ولتنفيذ هذه المهام بفعالية، يحتاج البرلمان إلى تطوير قدرات أعضائه وقدرات العاملين به.

وجدير بالذكر، أن مسؤوليات البرلمان تزداد حدة في الوقت الراهن بسبب تنامي أشكال جديدة من المطالب لدى فئات جديدة من المجتمع، لاسيما النساء والشباب.

 

حضرات السيدات والسادة،

هناك رهانين رئيسيين مترابطينلتطوير العمل البرلماني: الرهان الأول يتجلى في حاجة البرلمانيين إلى التوفر على الكفاءة والدعم التقني والفني اللازم للقيام بالوظائف الدستورية المنوطة بهم؛ ويرتبط الرهان الثاني بتركيبة النظام وأنساق الحكامة، وبشكل خاص علاقة البرلمان بالجهاز التنفيذي، ومن ثم مدى قدرة البرلمان على ممارسة رقابة فعلية على الحكومة.

وتكمنالإشكاليةفي تطوير العمل البرلماني بدون شك في الترابط الوثيق بين محدودية القدرات التقنية وضعف، إن لم نقل غياب، حوافزلتطوير هذه القدرات. ويعود غياب حوافز تطوير العمل البرلماني إلى عدة أسباب أهمها الارتهان إلى مبادئ ما يصطلح عليه ب "العقلنة البرلمانية" التي ورثناها عن النظام البرلماني الفرنسي.

 

حضرات السيدات والسادة،

اسمحوا لي، ونحن بصدد هذا التمرين،أن اتقاسم معكم بعض المحددات المنهجية التي أعتبر استحضارها ضروري في أي مسعى لتعزيز دعم العمل البرلماني، وهي محددات تجد مرجعيتها في الوثيقة الصادرة عن الاتحاد البرلماني الدولي بعنوان "برلمانات أفضل من أجل ديمقراطيات أقوى" بمتابة إستراتيجية الاتحاد للفترة 2012-2017.

  1. استحضارأن مجال تطوير العمل البرلماني يجب أن يشمل كفالةإشراك الأقليات والشعوب الأصلية وغيرهم من قطاعات المجتمع المهمشة في البرلمانات، وتشجيع مشاركة الشباب في العملية الديمقراطية، وتعزيز الاستخدام الفعال لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البرلمانات، وتوطيد أهمية اليوم العالمي للديمقراطية بوصفه مناسبة تتيح للبرلمانات فرصة الاتصال بالمواطنين.

  2. استحضار أهمية النهوض بالمساواة بين الجنسين، ومن ثم وجوب مساعدة البرلمانات على تعديل القوانين التمييزية وتعزيز قدرتهاعل التصدي للعنف الموجه ضد المرأة.

  3. استحضار مسؤوليةالبرلمانات  في حماية حقوق الإنسان بمقتضى اختصاصاتها على مستوى التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، وبالتالي أهمية مساعدة البرلمانيين على تحمل هذه المسؤولية عبر تزويدهم بالمعلومات والمعارف والتدريب لتمكينهم من القيام بدور نشط في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها؛ وفي ارتباط بالموضوع، هناك حاجة ملحة كذلك لتعزيز قدرات البرلمانات في النهوض بحقوق الأطفال وحمايتها من خلال تعزيز مشاركتها في أعمال لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل وبناء قدراتها الرقابية على ضمان تنفيذ التشريعات المتعلقة بحقوق الطفل.

ويجب أيضا استحضار مجموعة من المسؤوليات المترتبة على البرلمانات بمقتضى انخراطها في عدد من الاستراتيجيات والبرامج الأممية والدولية، وعلى رأسها:

  • مسؤولية البرلمانات في تحقيق ورصد تنفيذ أهداف التنمية المستدامة للعام 2030؛

  • ومسؤولية البرلمانات في ملاءمة التشريعات الوطنية مع اتفاق باريس في مجال التغيرات المناخية؛

واسمحوا لي بهذه المناسبة، أن أذكر بالمبادرات والاوراش التي أطلقها مجلس المستشارين،بدعم منشركائه الدوليين،من أجل الوفاء بالتزاماته على هذه الأصعدة. فعلى مستوى تحقيق ورصد أهداف التنمية المستدامة، نظم المجلس يوم 19 يناير 2017، ضمن أجندة مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية، ندوة دوليةفي موضوع "أهداف التنمية المستدامة للعام 2030: أية أدوار لبرلمان؟" بشراكة مع المندوبية السامية للتخطيط ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية، وهي الندوة التي أفضت إلى اعتماد "دليل البرلماني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة". وبخصوص موضوع التغيرات المناخية، نظم المجلس يوم 26 يناير 2017، بشراكة مع مؤسسة وستمنستر للديمقراطية ومعهد غرانتهام للدراسات المناخية ، ندوة دولية حول "ملاءمة التشريع الوطني مع مستلزمات اتفاق باريس" وهي الندوة التي تكللت باعتماد "خطة عمل بشأن ملاءمة التشريعات الوطنية مع مضامين اتفاق باريس حول التغيرات المناخية".

وحري بالذكر، أن هذه المبادرات تشكل نقط انطلاق لمسار طويل من العمل على هذه الواجهات. وهي واجهات عمل تحتاج إلى المواكبة وتعزيز القدرات عبر التكوين والتدريب وتعبئة الخبرة.

وعلى صعيد آخر، أود لفت الانتباه إلى نوع آخر من المسؤوليات الملقاة على عاتق مجلس المستشارين بشكل خاص. وعلى رأسها مسؤولية الإشراف على التنسيق المؤسساتي لورش الجهوية المتقدمة ضمن الملتقى البرلماني للجهات، الذي عقدت ندوته التأسيسية يوم 6 يونيو 2016 بشراكة مع رؤساء الجهات والمؤسسات الدستورية والقطاعات الحكومية وفعاليات المجتمع المدني المعنية. وهو الملتقى الذي توج باعتماد "أرضية عمل من أجل جهات ضامنة لالتقائية السياسات العمومية". ونحن الآن بصدد التحضير للنسخة الثانية للملتقى من أجل الوقوف على حصيلة الانجاز، وبصدد التحضير كذلك للندوات الموضوعاتية المقرر عقدها على مستوى الجهات بوتيرة نصف سنوية.وفي هذا الصدد، عقدنا البارحة لقاءا تنسيقيا مع رئيس جمعية رؤساء الجهات ورئيس جمعية رؤساء الجماعات المحلية من أجل التحديد التشاركي لدفتر التحملات ذو الارتباط.

 

حضرات السيدات والسادة،

تأسيسا على كل ما ذكر من تحديات ومسؤوليات، تزداد ملحاحية تطوير ودعم عمل مجلس المستشارين حدة.

واسمحوا لي قبل أن أختم كلمتي، أن أعرض عليكم بعض واجهات تطوير العمل، تشكل في تقديري مداخل أساسية لتعزيز دعم المجلس.

أولى هذه الواجهات، تتجلى في تطوير النظام الداخلي للمجلس بما يتيح ملاءمة أولويات اشتغاله مع تركيبته المتنوعة واختصاصاته، سواء منها الكلاسيكية من قبيل التشريع والمراقبة ودراسة ومناقشة قوانين المالية، وكذا الدبلوماسية البرلمانية خاصة من منطلق الموقع الجديد للمغرب في إفريقيا، أو الجديدة منها مثل وظيفة تقييم السياسات العمومية، والدور المنوط به في الإشراف على التنسيق المؤسساتي لتفعيل ورش الجهوية المتقدمة، وكذا التكليف الملكي السامي للمجلس بمواصلة تأطير النقاش العمومي والحوار المجتمعي التعددي لرسم معالم النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية.

ثاني واجهات تطوير ودعم عمل المجلس، تتجلى في تعزيز دوره في الانفتاح على مبادرات المجتمع المدني، لا سيما عبر آلية استقبال العرائض والملتمسات، بالإضافة إلى مسؤولية إشراك فئات الشباب والنساء في اتخاذ القرارات عبر ضمان الأخذ بآرائهم في وضع السياسات العمومية.

ثالث هذه الواجهات، يتمثل في دعم المجلس في الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا الإعلام والاتصال، في أفق الرقمنة الشاملة لأشغاله وبلوغ هدف البرلمان المفتوح.

رابع هذه الواجهات، يكمن في ضرورة توفير التدريب والتكوين والتكوين المستمر لأعضاء وموظفي المجلس في شتى مناحي العمل البرلماني، لاسيما في مجال صياغة التشريع وتحليل البرامج العمومية وإنتاج المعلومة بشكل مستقل.

خامسا، يحتاج المجلس أيضا للدعم على مستوى تحديث إدارته بما يتيح التوفر على ميكانيزمات إدارية قوية لدعم أعضائه بالاحترافية والسرعة اللازمين.

 

حضرات السيدات والسادة،

في ظل المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق المجلس وفي ظل محدودية إمكانيات التطوير الذاتي لعمله، يبقى اللجوء إلى الدعم الخارجي من الخيارات المتاحة أمامه. غير أن الدعم الخارجي يحتاج، لكي يكون فعالا وذا أثر حقيقي على أداء المجلس، إلى منهجية محكمة تقوم على برامج عمل مدروسة وقابلة للتقييم، وإلى تملك مؤسساتي قوي لعناصرها من لدن المجلس.

وهو ما يستوجب في رأيي بلورة خطة متكاملة ومترابطة الأركان لتطوير العمل. وبما أننا تعودنا في أن تفضي الندوات واللقاءات التي ننظمها بمجلس المستشارين إلى مخرجات قابلة للتطبيق، فإنني أستسمحكم في الإفصاح عن أملي في أن تتكلل أشغال هذه الندوة باعتماد خارطة طريق ترسم معالم خطة عملية لتطوير عمل المجلس استنادا إلى واجهات العمل التي ذكرتها سابقا.

وفي الأخير، أغتنم الفرصة لتجديد الشكر والتنويه لكافة المؤسسات الدولية التي انخرطت منذ مدة في مواكبة ودعم مبادرات وأوراش المجلس وفق برامج عمل سنوية طموحة، وأخص بالذكر مؤسسة وستمنستر للديمقراطية ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية.

كما أجدد الشكر للمؤسسات التي بادرت حديثا إلى عرض خدماتها من أجل دعم عمل المجلس، مثل البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمنظمة العالمية اللتين نهيئ لتوقيع اتفاق إطار معهما في القادم من الأيام، دون أن أنسى المعهد الوطني الديمقراطي الذي طرق باب المجلس مؤخرا بحزمة خدمات طموحة لدعم قدرات المجلس.

ولن تفوتني الفرصة دون أن أنوه بقيمة الدعم المتواصل الذي يحظى به المجلس من لدن المؤسسات الدستورية الوطنية، وعلى رأسها المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، التي تمد المجلس بدراسات وتقارير وآراء في غاية الأهمية.

والشكر موصول أيضا لمؤسسة سيجما على مبادرتها بتنظيم هذه الندوة بشراكة مع مجلس المستشارين، مما يؤكد رغبتها المتواصلة في تعزيز دعم عمل المجلس.

 

وشكرا على حسن الإصغاء.