السيد بيو غارسيا-إسكوديرو ماركيز، رئيس مجلس الشيوخ الاسباني
السيدة أنـا باستور خوليان، رئيسة مجلس النواب الاسباني
أخي وزميلي السيد الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب المحترم،
السيدات والسادة أعضاء البرلمان المحترمين،
أيھا الحضور الكريم،
يشرفني بدوري في مستھل أشغال النسخة الرابعة من منتدانا البرلماني أن أجدد لرئيسي وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ الإسبانيين أسمى عبارات الشكر والامتنان على ما حضينا به من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، كما أجدد بھذه المناسبة الشكر لكل رؤساء الفرق والمجموعات البرلمانية الذين شاركونا في الإعداد لهذا الحدث النوعي والمتميز من منطلق الرغبة المشتركة في ترسيخ علاقاتنا على أسس متينة لربح التحديات و الرھانات الإستراتيجية المتجددة، وهو ما يجسد بالفعل الإرادة القوية التي تحدو برلمانيي البلدين في تقوية علاقاتنا الثنائية والرقي بھا إلى مستوى الروابط التاريخية والحضارية العريقة والمتميزة التي تجمع بين شعبينا الصديقين، والى مستوى الحرص العالي والدائم الذي يكفل به عاهلا البلدين، جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وجلالة الملك فليبي السادس، العلاقات الأخوية الثنائية القائمة على التعاون المثمر والتفاهم والتشاور والاحترام المتبادل، بما يخدم مصلحة الشعبين الصديقين.
السادة الرؤساء،
السيدات والسادة البرلمانيين،
أيھا الحضور الكريم،
إن اختيارنا لمواضيع الأمن والاستقرار، الهجرة، والتعاون الاقتصادي والثقافي بين بلدينا كمحاور لھذا المنتدى يعطي في تقديرنا، إشارة رمزية أخرى على أن العلاقات التي تجمع بلدينا هي أكبر من مجرد تبادل مشاعر التقدير والاحترام التي يفرضهما الجوار الجغرافي، بل هي علاقات تؤطرها الثقة المتبادلة والطموح المشترك والفعل الملموس بين مختلف الفاعلين في بلدين صديقين، وهو الفعل الذي تغذيه ذاكرة تاريخية مشتركة، وعمق حضاري وثقافي متقاسم، كما تجسد اضطلاع برلمانيي البلدين بأدوارهم في استقراء كل الجوانب المحيطة بعلاقات بلدينا والإجابة عن كل الأسئلة التي يطرحها المجتمعان الاسباني والمغربي في ظل سياق إقليمي ودولي شديد التعقيد ومتسارع التحولات والتغيرات.
و بالإضافة إلى هذه الاعتبارات، فإن ما يضفي راھنية على المحاور المدرجة على جدول أعمال منتدانا البرلماني هذا، ھو السياقان الوطنيان لبلدينا والمتغيرات التي يعيشها محيطهما الجهوي والدولي خاصة في ظل الظروف الدقيقة الحالية التي فرضت تحديات بالغة التعقيد بل وأكاد أقول جيلا جديدا من التحديات، وخصوصا ما يرتبط منها بقضايا التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية وما يرتبط بها من قضايا الهجرة والأمن في تلازمها مع التحديات التي يفرضها الكابوس المخيف المتمثل في تنامي التهديدات الإرهابية وهو ما يحتم علينا اليوم كممثلين لشعبينا مواجهة كل أشكال التطرف والتيارات الشعبوية في تساوق مع تعزيز مشاركة المواطنات والمواطنين في صناعة القرارات السياسية الكفيلة بضمان العيش في حاضر ومستقبل يسوده السلم والأمن والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون واحترام الوحدة الوطنية للدول والتضامن بين الشعوب.
ومن هذا المنطلق أعتقد جازما انه بالإضافة إلى كون بلدينا يعتبران ، نموذجين في مجال الانتقال إلى الديمقراطية، وقد يشكلان تجارب نموذجية لبلدان أخرى لإرساء الديمقراطية وتعزيز المسار الحقوقي وإرساء أسس دولة القانون والمؤسسات، فالأكيد أيضا أن التعاون بين بلدينا يعتبر اليوم مرجعا دوليا في إمكانية إرساء شراكة حقيقية وفعالة بين دول الجوار، قائمة بالأساس على روح التشاور والاحترام المتبادل، ولا يمكن ضمنها بأي حال من الأحوال أن تؤثر المتغيرات والتحولات ولا المصالح السياسية على أكثر الركائز أهمية وثباتا، ألا وهي وحدة وسيادة الدول، فمثل هذه الشراكات هي وحدها القادرة على الصمود الثابت والمستمر أمام التقلبات والتحولات؛ وبالتالي ضمان السلم و الاستقرار لدول وشعوب العالم.
السادة الرؤساء،
السيدات والسادة البرلمانيين،
أيھا الحضور الكريم،
إذا كان انعقاد أشغال المنتدى البرلماني المغربي- الإسباني يشكل مناسبة متميزة ثمينة لمنتخبي وممثلي الشعبين المغربي والاسباني لتثمين المكتسبات المشتركة وتقييم التقدم الهام الذي حققناه في إطار التعاون والتبادل بين بلدينا وفي إطار الحوار الصريح في العديد من المجالات فإنه يمثل كذلك فرصة للتفكير وتبادل الآراء وبلورة الاقتراحات الكفيلة بتجديد وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية وتعزيز التعاون الأمني والسياسي بين بلدينا الصديقين.
إن مواجهة المخاطر الأمنية المتسارعة تتطلب تعاونا أكبر وأوثق أكثر من أي وقت مضى، فالإرهاب قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، حيث أصبح ظاهرة عابرة للقارات قادرة على استقطاب وتجنيد أشخاص من مختلف العواصم العالمية، وهو ما يحتم علينا جميعا ضرورة التنسيق الدقيق للجهود لمواجهة هذه الظاهرة المعقدة، وتبني مقاربات تشاركية مندمجة، تأخذ بعين الاعتبار، بالإضافة إلى البعد الأمني الذي نحيي بالمناسبة مسؤولي بلدينا على ما يقومون به في هذا المجال، جميع العوامل السياسية، والسوسيو- اقتصادية، والثقافية والدينية، فمكافحة الإرهاب والتصدي لجذوره وتجفيف منابعه يحتاج إلى بناء دول قوية، إذ أن الدولة الهشة والكيانات الانفصالية والمجالات الترابية غير المراقبة تظل مصدر تهديد وإنتاج للتطرف، فتحالف الإرهاب مع نزعات الانفصال هو الخطر الأكبر، وعندما ينضاف إلى ذلك الاتجار في السلاح والبشر والمخدرات، فإن الأمر يتعلق بخطر أكبر ومضاعف يسعى لتقويض الاستقرار وإضعاف الدول وكل ما راكمناه من بناء مؤسساتي، وتبعا لذلك فإن العالم مدعو اليوم الى الحسم في قرار تقوية الديمقراطيات والاقتصاديات الصاعدة والدول التي تعتبر ركائز استقرار إقليمي ودولي.
وكما يشهد بذلك اصدقاؤنا الاسبانيون، فالمغرب يتطلع دائما إلى مزيد من التعاون والشراكة مع جيرانه الأوربيين، خاصة وأن المملكة المغربية تتوفر على كل المقومات لتكون شريكا فريدا وجديرا بالثقة، بفضل الاوراش الكبرى التي باشرها المغرب تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس، خاصة في مجالات حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين، وتدبير ملف الهجرة الذي يعتبر المغرب نموذجا واستثناء في محيطه القاري في تعامله مع هذه الظاهرة العابرة للحدود، من خلال سياسته الوطنية لمعالجة مشاكل الهجرة.
ولاشك أن التجربة المغربية في هذا المجال، وخصوصا في شقها المرتبط بالتعاون الوثيق مع بلدكم الجار والصديق، تشكل أرضية هامة لباقي الشركاء الإقليميين والدوليين لتوحيد الجهود من أجل اعتماد السياسات الاقتصادية والاجتماعية الدولية العادلة والقادرة على تدبير تدفقات المهاجرين والاستجابة للرهانات التي يواجهها المصير المشترك الذي يربط شعوبنا، وتجاوز المشاكل الهيكلية للدول المصدرة للهجرة، وتدعيم برامج التشغيل وتعزيز اليد العاملة بدول الاستقبال، مع ضرورة تحسين ظروف هذه الدول والارتقاء بمستوى مواطنيها الاقتصادي والاجتماعي في مقاربة شمولية تسعى إلى تسوية الصراعات والنزاعات السياسية والحروب والخلافات الدينية والعرقية وضمان العدالة المناخية، ليسود السلام والاستقرار كمرتكزات أساسية لأية تنمية اقتصادية أو اجتماعية.
السادة الرؤساء،
السيدات والسادة البرلمانيين،
أيھا الحضور الكريم،
إن الحديث عن التجربة الرائدة التي تجمع بلدينا في مجال التعاون على مختلف المستويات، جدير اليوم بأن يبعثنا على الارتياح، وما انعقاد منتدانا البرلماني في نسخته الرابعة إلا دليل على النضج والثقة والالتزام الذي يؤطر علاقاتنا البرلمانية اليوم، كما يؤكد مرة أخرى مدى استشعارنا كممثلين منتخبين للشعبين الصديقين، للأهمية التي يحظى بها برلمانا البلدين في مواكبة وتوطيد هذه الشراكة النموذجية، فلقد اطلعت قبل المجيء والحضور بينكم اليوم، على مختلف النقاشات الغنية التي تخللت النسخ السابقة وما صدر عنها من توصيات متميزة تشكل أرضية جديرة بالاهتمام والتتبع لمختلف مكونات المجتمع المدني والباحثين والمؤسسات الإعلامية ببلدينا، كما أنها ستشكل بكل تأكيد لبنات إضافية في ذاكرتنا المشتركة، بل وأجزم بالقول أنها كفيلة بتصحيح كل مظاهر اللبس المحتملة والاعتقادات الخاطئة التي قد تشاع لدى شعبينا الصديقين، واغتنم هذه المناسبة للدعوة إلى إنشاء آلية خاصة بتتبع ونشر خلاصات و توصيات هذا المنتدى وكل ما يرتبط بالنسخ الثلاث السابقة من أجل الرقي بعملنا إلى مستوى إضافة نوعية في موروثنا الثقافي وتعاونوا المشترك.
فالمغرب وإسبانيا إلى جانب كونهما بلدين جارين ارتقيا بتعاونهما وتبادلهما الى مستوى شراكة نموذجية، فهما يتقاسمان عبر التاريخ تراثا ثقافيا وحضاريا غنيا شكل لا شك النواة الصلبة لصمود العلاقات أمام كل الصعوبات والتحولات التي فرضتها بعض المتغيرات في بعض الفترات من هذه العلاقات الثنائية ذات الجذور الممتدة عميقا في التاريخ.
فكل مواطن من شعبينا زار بلده الجار، لاشك وانه لمس أوجه التشابه والبصمات والتأثيرات المتبادلة التي نسجها الموروث الثقافي المشترك في الموسيقى والأدب والشعر والترجمة والمعمار وغيرها من المجالات التي ساهمت في التقريب بين الشعبين، ولا شك أن العلاقات المتميزة بين البلدين، وحرصنا كمؤسسات تشريعية على تعزيزها ومواكبتها المستمرة قادرة على حماية وإغناء هذا الموروث الثقافي المشترك والذي قلما جمع بلدين جارين يتقاسمان حدودا بالغة الحساسية ويعتبران البوابتان الأساسيتان نحو اوروبا وافريقيا لشعوب القارتين.
هذا الموقع بالتحديد، أعتقد انه كفيل بجعل البلدين قاطرة للتعاون المتعدد الاطراف في محيطهما الجهوي والقاري، فالمغرب الذي طالما تشبث بعمقه الإفريقي والمتوسطي، وبالغنى اللغوي الذي توفره اللغتان العربية والأمازيغية و بتنوع ثقافاته التي تعتبر الاسبانية جزءا منها، على اعتبار ان المغرب هو الدولة المغاربية والإفريقية والإسلامية الوحيدة التي يقارب عدد الناطقين بالاسبانية فيها 7 ملايين، وباعتبار الجارة اسبانيا رائدة في مجال التعاون الايبيرو لاتيني،
فأود أن اعرض على منتدانا البرلماني فكرة إنشاء منتدى برلماني افريقي ايبيرو لاتيني، علما أننا بالبرلمان المغربي قد قطعنا أشواطا كبيرة رفقة البرلمانات الوطنية والتجمعات البرلمانية الجهوية والقارية بكل من افريقيا وامريكا اللاتينية، في مسار إرساء منتدى برلماني افريقي امريكو لاتيني، واعتقد أن مستوى الشراكة التي تجمعنا بالمؤسسات التشريعية باسبانيا قادر على جعلنا نخوض هذا التحدي ونجعل منه فضاء للحوار وتبادل الآراء وصياغة الأجوبة على كل الأسئلة والقضايا التي تطرحها شعوب المنطقتين.
السادة الرؤساء،
السيدات والسادة البرلمانيين،
أيھا الحضور الكريم،
أود أن اختم كلمتي هاته، بإحدى أهم وأعظم الخلاصات الصادرة عن النسخة الثالثة من منتدانا البرلماني الاسباني المغربي، والذي احتضنه البرلمان المغربي بالعاصمة الرباط سنة 2015، والتي أرجو أن تكون حاضرة ومؤطرة لفعاليات الحوار الذي سنجريه على مدى اليوم.
الخلاصة تشير بالأساس إلى المسؤولية الملقاة على عاتقنا لمواصلة العمل معا ويدا في يد من اجل تعزيز وتنويع وتوسيع سبل التعاون السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والثقافي والتربوي بين بلدينا، وذلك بوعي استراتيجي بعيد المدى، وعي لا مجال فيه لأية ظروف طارئة أو حسابات تكتيكية.
شكرا على إصغائكم.