بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على أشرف المرسلين
السيد رئيس مجلس النواب المحترم،
السيد رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا المحترم،
السيدة رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي بالرباط المحترمة،
السادة أعضاء مجلسي البرلمان المحترمون،
السادة ممثلو الوزارات المحترمون،
أيها الحضور الكريم،
يشرفني أن أتناول الكلمة في افتتاح أشغال هذه الندوة التي ينظمها البرلمان المغربي بشراكة مع الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بمناسبة الزيارة الهامة التي يقوم بها السيد رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للمملكة المغربية، وتتويجا للبرنامج الثلاثي المغرب – الاتحاد الأوروبي – مجلس أوروبا الخاص بتعزيز دور البرلمان في توطيد الديمقراطية برسم 2021-2024.
كما يسعدني أن أنوه بمبادرة عقد هذه الندوة المشتركة في موضوع يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لمسار الشراكة الثنائية بين البرلمان المغربي والجمعية، لاسيما المحاور المتعلقة بسياسات الهجرة والتنمية المستدامة وتغير المناخ والحفاظ على الكفاءات الوطنية، وهي الندوة التي ستكون لا محالة مناسبة لاستشراف آفاق جديدة للتعاون المشترك في هذه المجالات الحيوية.
أود كذلك التعبير عن اعتزازنا بالرصيد الكبير للندوات والمؤتمرات المنظمة سابقا بشراكة بين البرلمان المغربي والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في مختلف المواضيع والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وكذا احتضان الرباط لأشغال اللجن الدائمة للجمعية حول المواضيع التي تهم تنزيل دستور 2011، ومن ضمنها لجنة القضايا السياسية والديمقراطية ولجنة القضايا القانونية وحقوق الإنسان، ولجنة الهجرة.
كما أنوه في إطار الرصيد الهام للشراكة بين الجانبين، بأهمية الزيارات السابقة لرؤساء الجمعية ومختلف المقررين وجلسات الاستماع مع المسؤولين المغاربة في مواضيع هامة، كحقوق الإنسان والهجرة واللجوء والحكامة وتحقيق المساواة، وهي المواضيع التي تأتي في سياق تنفيذ البرلمان المغربي للالتزامات ال21 الواردة في قرار "الشراكة من أجل الديمقراطية"، بالإضافة لمشاركات الوزراء المغاربة ورؤساء البرلمانات في الجلسات العامة للجمعية بستراسبورغ من خلال عروض ومداخلات تفاعلية وجلسات استماع وتبادل الرأي مع أعضاء الجمعية.
السيدان الرئيسان المحترمان،
السادة البرلمانيون المحترمون،
أيها الحضور الكريم،
بقدر ما تخالجنا مشاعر الاعتزاز والتقدير للشراكة المغربية الأوروبية المتقدمة، بقدر ما يتملكنا وعي خاص بضرورة الانتباه إلى ما يحدق بنا من تحديات نابعة أساسا من التغيرات الكبرى المحيطة بنا والمرتبطة على الخصوص بآفتين آخذتين في التفاقم على المستوى الدولي وتتعلقان بالتغيرات المناخية والهجرة، وهما آفتان تتبادلان التأثير والتأثر والتبعية في ترتيب نتائجهما.
ولا شك أن هذا الواقع بات يفرض بطبيعة الحال وضع سياسات عمومية وطنية ملائمة في هذا الصدد، ولكن يتطلب أيضا إحكام التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف أفقيا وعموديا، وهنا أهمية اختيار هذين التحديين الكبيرين ليكونا محور ندوتنا اليوم، ذلكم أنها ستشكل لا محالة مناسبة للوقوف على الأوجه المختلفة لمسؤولياتنا المشتركة تجاهها.
السيدان الرئيسان المحترمان،
السادة البرلمانيون المحترمون،
أيها الحضور الكريم،
لا شك أن الهجرة الشرعية وغير الشرعية ظاهرة عرفها الإنسان مند القدم لكنها أضحت تكتسي أبعادا خطيرة بل ومأساوية مع تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، كما أن هذه الأخيرة تتأثر بطبيعة الحال بالتدفقات البشرية غير المتحكم فيها.
إن المؤشرات والأرقام التي تكشف عنها المنظمات الدولية المتخصصة تبعث فعلا على القلق والانشغال لما تقدمه من صورة قاتمة تستدعي من العالم أجمع تضافر جهوده المخلصة من أجل التصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة قبل أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة والتحكم.
فعلى سبيل المثال أكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار بحلول عام 2050، إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها، ولاسيما في أفريقيا والشرق الأوسط كما تفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أن 90 في المئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي. وتعتبر الظواهر الطبيعة خاصة المتعلقة بالاحتباس الحراري والتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر من الدوافع الأساسية لهذا النوع من الهجرة المناخية.
السيدان الرئيسان المحترمان،
السادة البرلمانيون المحترمون،
أيها الحضور الكريم،
إن المملكة المغربية تدرك جيدا ما تنطوي عليه هذه الظواهر من مخاطر جمة محدقة بجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وبالاستقرار والسلم والأمن الإقليمي والدولي، ولذلك فإنها ما فتئت تبذل جهودا مقدرة في سياق مواجهتها الاستباقية للكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية وتدبير تدفقات الهجرة، وهي جهود لا تنحصر فقط في توفير الأطر القانونية والتشريعية الملائمة بل تتعداها إلى وضع سياسات عمومية ناجعة ومتناسقة وكذا تسريع وتيرة تعاونها الدولي والإقليمي مع الأطراف المعنية والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وهي جهود عرفت انخراطا فاعلا للمؤسسة البرلمانية في إقرارها وتتبع تنفيذها وتقييم نتائجها.
ولقد كانت استضافة بلادنا لفعاليات كوب 22 فرصة ملائمة مكنت من إبراز الأوجه المختلفة لهذه الجهود، ومن بينها على سبيل المثال ما يتعلق بتطوير قطاع زراعي متماسك من خلال تدعيم قدرته على الملاءمة والتكيف مع التغيرات المناخية.
إن التجربة المغربية في المجال الذي نتحدث فيه تبين أن السياسات القُطرية، على أهميتها المركزية، ليست كافية لوحدها في مواجهة التحديات المرتبطة بالهجرة والتغيرات المناخية وما بينهما من تفاعلات خطيرة، بل إن الأمر يستدعي إيجاد صيغ فعالة وناجعة للتعاون الإقليمي والدولي، وهنا نشير على الخصوص إلى ضرورة الانخراط الجدي والمسؤول في الجهود المبذولة من طرف كافة الدول خاصة الدول التي بينها حدود مشتركة وداخل المجالات الإقليمية الهشة، كما هو الشأن في منطقة الساحل والصحراء التي باتت مجالا خصبا لعدم الاستقرار السياسي وانتشار الجريمة المنظمة وشبكات الاتجار بالبشر والمخدرات والأسلحة وتنامي النزعات الانفصالية.
وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن المغرب، وإدراكا منه لخطورة ما تنطوي عليه هذه المنطقة من مخاطر جيواستراتيجية تتجاوز بلادنا إلى شمال البحر الأبيض المتوسط، بادر إلى إطلاق جملة من مشاريع التعاون الإقليمي الكفيلة بالتخفيف من وطأة هذا الواقع الصعب وعلى رأسها مبادرة صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الرامية إلى تعزيز ولوج بلدان الساحل إلى المحيط الأطلسي ووضع بنياته التحتية رهن إشارتها مساهمة منه في إنشاء منطقة للرخاء الاقتصادي والاجتماعي التي من شأنها تعزيز أسس الاستقرار والحد من تدفقات الهجرة.
وهنا نتوجه إلى شركائنا الدوليين، الأوروبيين بصفة خاصة، من أجل بذل مزيد من الجهود لمساعدة الدول والتكتلات الإقليمية في عمقنا الإفريقي على تقوية مقارباتها الاستباقية في التعامل مع الإشكاليات المتعددة الناتجة عن ظاهرتي الهجرة والتغير المناخي من خلال توفير جميع أشكال الدعم اللازم وإطلاق المبادرات الكفيلة بخلق الظروف والشروط الضرورية لتعزيز الاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة بدلا من التركيز فقط على المقاربات الأمنية على أهميتها.
السيدان الرئيسان المحترمان،
السادة البرلمانيون المحترمون،
أيها الحضور الكريم،
إن من أبرز الإشكاليات المرتبطة بآفة الهجرة والتي تشكل عبئا ثقيلا على دول الجنوب، ومن بينها المملكة المغربية، تلك المرتبطة بهجرة الأدمغة والكفاءات الوطنية التي تصرف على تكوينها وتأهيلها العلمي ميزانيات ضخمة ضمن استراتيجيات وطنية لسد الخصاص التأطيري في قطاعات حيوية وتحقيق شروط الإقلاع الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة.
وفي هذا الإطار، فإننا نتوقع من الدول المستقبلة والمستقطبة لهذه الكفاءات أن تبذل الجهود المطلوبة والضرورية للحد من تفشي هذه الظاهرة التي أخذت أبعادا مقلقة خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تواصل فيها بلادنا بناء نموذجها التنموي الجديد، وهو كما تعلمون أمر يتطلب الانخراط الكلي لكافة القوى الحية والمنتجة وخاصة فئتي الشباب والنساء.
إنه لمن المفارقات الكبيرة أن نتحدث عن التعاون والدعم والاعتماد المتبادل بين دول الشمال والجنوب، وفي الوقت ذاته نجد أنفسنا نركز جهودنا على وقف استنزاف طاقاتنا من الموارد البشرية التي نحتاجها في تطوير اقتصاداتنا ومجتمعاتنا.
في الختام أجدد شكري لكم وأتمنى لأعمال هذه الندوة التوفيق والنجاح وأن تسفر عن توصيات ومقترحات عملية تصب في التعاطي الإيجابي مع تداعيات هذا النوع من الظواهر الشائكة.
شكرا على حسن الاستماع والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.