كلمة
الدكتور محمد الشيخ بيد الله،
رئيس مجلس المستشارين، عن برلمان المملكة المغربية،
في أشغال الجمعية 132 للاتحاد البرلماني الدولي
- محور المناقشة العامة -
حول موضوع :
"أهداف التنمية المستدامة: المرور من الأقوال إلى الأفعال"
هانوي / الفيتنام، يوم 29 مارس 2015
معالي السيد صابر شودهري، رئيس الاتحاد البرلماني الدولي،
أصحاب المعالي السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود البرلمانية،
السيدات والسادة ممثلي المنظمات الدولية،
السيد مارتن شونكونغ، الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لي، في مستهل هذه الكلمة، وباسم الوفد البرلماني للمملكة المغربية، أن أتقدم إلى معالي السيد نكويين سينه هانغ Nguyen Sinh Hung، رئيس الجمعية الوطنية بالجمهورية الاشتراكية الفيتنامية، ومن خلاله للشعب الفيتنامي، رئاسة وحكومة وشعبا، بأصدق عبارات الشكر والامتنان على ما لقيناه من ترحيب وحسن استقبال وكرم الضيافة وعلى المجهودات الاستثنائية التي تم توظيفها لضمان حسن سير أشغال هذه الجمعية 132 للإتحاد البرلماني الدولي.
لقد ألفنا في هذه اللقاءات أن نتحدث وأن نناقش ونتابع التحولات المؤسسة التي يعرفها عالمنا، ومن أخطرها اليوم التحديات الأمنية والتحديات المناخية، وكذلك لنتعرف على تجارب بلداننا في ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين وضمان التنمية المستدامة.
غير أنني لن أتحدث اليوم عن هذه الملفات الضخمة مؤكدا فقط على مدى انخراطنا معكم جميعا في الأفق الأممي للتنمية المستدامة وأهدافه الجديدة، ولنبدي استعدادنا كبرلمانيين للعمل في إطار هذه المتتالية الجديدة من الأهداف المحددة لأفق ما بعد سنة 2015.
من المؤكد أن رسالتنا كبرلمانيين واضحة ومهامنا محددة في سلطة التشريع وممارسة الرقابة على السياسات العمومية وتوجيه التوازنات والقوانين المالية لجعلها تتلائم مع الحاجيات والمتطلبات الموضوعية لشعوبنا، وبالتالي لا حاجة للقول أننا سنكرس هذه الوظيفة البرلمانية في ما يتلائم مع الهندسة الجديدة للتنمية المستدامة، ولكن المؤكد كذلك أننا سنكون في حاجة إلى إبداء الرأي الواعي الصريح من خلال هذا المؤتمر وخلاصاته، وذلك بالقول إن أي هندسة أممية للتنمية المستدامة لا ينبغي أن تعبر فقط عن إرادة الحكومات وتعكس طبيعة العمل الحكومي وحده بدون أن تأخذ بعين الاعتبار رأي الشركاء الآخرين في صنع القرارات وخصوصا البرلمانات والمجتمع المدني.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
نحن اليوم أمام مشروع أممي يطرح على العالم انطلاقة تنموية بأجيال جديدة من المقاصد ونقط الاستهداف ذات الأولوية بالنسبة للتنمية المستدامة التي ستكيف مستقبل كوكب الأرض والإنسانية. وهو ما يتطلب منا جميعا التحلي بالشجاعة والكثير من الصدق والمصداقية ومن روح التضامن الصادق وتقوية الثقة بين الدول المتقدمة والدول النامية، وكذا تحقيق المساواة بين الجنسين بما ينصف نساء العالم والنهوض أيضا بالثقافات التي ما زال ينظر إليها بنوع من التراتبية الأنتروبولوجية التي تجاوزها الزمن. والحال أنه لا نجاح لأي مشروع تنموي بدون الانتباه إلى محيطه وشروطه السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن تم حاجتنا إلى الثقة المتبادلة والاستقرار والسلم وخلق فضاءات الرفاه المشترك.
أريد أن أؤكد أيضا – باسم برلمان المملكة المغربية – أن المشروع الأممي الجديد للتنمية المستدامة لما بعد 2015، والذي جاء امتدادا لأهداف الألفية للتنمية، هو حلم كبير، بيد أن المهم ليس الحلم في حد ذاته، ولكن المهم هو كيفية تحقيقه كما عبر عن ذلك بالأمس فخامة رئيس الجمهورية الاشتراكية الفيتنامية السيد ترونغ تان سانغ Trong Tan Sang عندما قال : "إن هذه الأهداف إذا لم يتم السهر على تحقيقها فإنها ستبقي مجرد أحلام".
في هذا السياق، فإنني أود أن ألح على حاجة العالم إلى معايير جديدة للمواكبة والرصد والمحاسبة. ولقد تعلمنا في المغرب، ومن خلال نضج نموذجنا التنموي الديمقراطي الذي يرعاه ويشرف عليه شخصيا جلالة الملك محمد السادس نصره الله، في إرادة مشتركة وتنسيق وتكامل مع السلطات الحكومية والتشريعية ومكونات المجتمع المدني، ومن خلال النتائج الجيدة التي حققتها بلادنا بفضل برامج ومشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أن عددا من عناصر القوة التنموية لم تكن تؤخذ بعين الاعتبار في المنظور الدولي. وهكذا، كان علينا أن ننجح في خططنا وبرامجنا الوطنية وفي ارتفاع القيمة الإجمالية لبلادنا ووتيرة النمو الكبير للرأسمال المادي للمملكة قبل أن يؤخذ الرأسمال اللامادي بعين الاعتبار ويصبح معيارا جديدا من معايير القراءة والتحليل والتقييم.
وهنا، اسمحوا لي أن أستعرض أمامكم مقتطفا من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، الذي وجهه إلى الدورة ال 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك في موضوع التنمية البشرية المستدامة يوم 26 شتنبر 2014، يقول جلالة الملك:
"إن تحقيق التنمية المستدامة، لا يتم بقرارات أو وصفات جاهزة. كما أنه ليس هناك نموذج واحد في هذا المجال. فكل بلد له مساره الخاص، حسب تطوره التاريخي، ورصيده الحضاري، وما يتوفر عليه من طاقات بشرية، وموارد طبيعية، وحسب خصوصياته السياسية، وخياراته الاقتصادية، وما يواجهه من عراقيل وتحديات. فما ينطبق على الغرب، لا يجب أن يتم اعتماده كمعيار وحيد لتحديد نجاعة أي نموذج تنموي آخر." انتهى المنطوق السامي.
السيد الرئيس،
السيدات والسادة،
إن مسألة المعايير تظل أساسية وأكثر إلحاحا في كل البرامج الدولية، سواء تعلق الأمر بالتنمية المستدامة أو بغيرها من المجالات. وبالتالي، ينبغي أن تتغير النظرة السائدة إلى الدول على أساس قوتها الاقتصادية والمالية والعسكرية. إن المعطيات البشرية والأرصدة الثقافية وكذا عناصر الاستقرار والأمن والثقة والمصداقية ونجاعة المؤسسات بالإضافة إلى أوجه التحقق العلمي والإبداعي والفني... كلها عناصر ينبغي وضعها في الاعتبار وتبنيها كمعايير كونية، وهذا ما يستوجب علينا كبرلمانيين أن نناقشه ونوليه الأهمية القصوى في مناقشاتنا هنا وينعكس في شكل إعلان هانوي.
لذا، فإننا نرى أن الشراكة بين منظمة الأمم المتحدة والاتحاد البرلماني الدولي لا تقتضي فقط تقاسم الرؤيا بل تتطلب العمل سويا لوضع الهندسات وآليات التنفيذ والمتابعة والتقييم ودراسة الأثر.
في الختام، أشكر مجددا الجمعية الوطنية الفيتنامية على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، وأتمنى لمؤتمرنا كامل النجاح والتوفيق.
وشكرا لكم على حسن انتباهكم.