بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
يطيب لي في هذه اللحظة الديمقراطية بامتياز، أن أتقدم بالشكر الجزيل والامتنان الكبير لجميع عضوات وأعضاء مجلسنا الموقر بمختلف روافدهم السياسية والمحلية والنقابية والمهنية، إزاء الثقة الغالية التي وضعتموها في شخصي المتواضع، بحيث جعلتموني أتقلد مسؤولية رئاسة مجلس المستشارين بثقلها الوطني، وبجسامة حمولتها السياسية والمؤسساتية، لاسيما في ظل تشكيلة وفلسفة دستورية متقدمة، تجعل من المجلس رافعة حقيقة للجهوية الموسعة، بأسسها المجالية، ومتطلباتها وأهدافها الاقتصادية والاجتماعية.
وأود في مستهل كلمتي هاته، أن أنوه بالأخ المنافس، على المنافسة الشريفة والروح الديمقراطية العالية التي أبان عنها، قبل وأثناء وبعد العملية الانتخابية الخاصة باختيار رئيس جديد لمجلسنا الموقر.
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
مشاعر الاعتزاز والافتخار بجسامة المسؤولية تغمرني، وأنا أقف أمامكم لافتتاح مرحلة جديدة من حياة مجلس المستشارين، فبعد هذا الانتخاب يكون المشهد الانتخابي الوطني المتميز ما بعد دستور 2011 قد اكتمل، إيذانا للانتقال من دائرة التنافس والتباري الشريف إلى التعاون والتوافق البناء في خدمة الصالح العام، وذلك للدخول بمجلس المستشارين في مرحلة دستورية جديدة، وهي مرحلة نتوخى من خلالها جماعة العمل بجدية ومسؤولية، على المستوى التشريعي والرقابي والدبلوماسي من أجل الإسهام الفعال في المحافظة على صلابة النموذج المغـربي وتحقيق المزيد من الإشعاع للتجـربة المغربية إقليميا وقاريا ودوليـا تحـت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
إنني إذ أشكركم على هذه الثقة الغالية، أصارحكم أن الشعور الجارف بثقل المسؤولية التي قلدتموني إياها، يملي علي الجهر بإعلان التزامي الأخلاقي لإذكاء وترسيخ قيم التعاون والشراكة مع الجميع، كما تملي علي تمجيد روح العمل الجماعي والبحث الدائم على أفضل السبل لإدماج كل التعبيرات والكفاءات والطاقات والمبادرات لجعل مجلس المستشارين مؤسسة دستورية لصيقة بالواقع المغربي وشديدة الحساسية لحرارة حياته اليومية.
لقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله يوم الجمعة الماضي، بمناسبة افتتاح هذه الدورة التشريعية: "إن تمثيل المواطنين أمانة عظمى على المنتخبين والأحزاب، سواء بالوفاء بوعودهم اتجاه الناخبين أو من خلال العمل على الاستجابة لانشغالاتهم الملحة، وهي مسؤولية وطنية تقتضي من الجميع الارتفاع إلى مستوى اللحظة التي تعيشها بلادنا."
لذلك فإن الإخلاص لهذه الأمانة العظمى والارتقاء للحظة التاريخية التي تعيشها بلادنا يلزم مجلسنا أن يظل حاضنا لمختلف التعبيرات السياسية ومستوعبا لكل الاجتهادات، وقادرا على صهر كل المبادرات، لذلك، ولتحقيق هذا المبتغى، أعدكم زميلاتي زملائي المستشارين، أنني بقدر ما سأعمل جاهدا على ترسيخ قواعد التعاون والتكامل البناءين مع الحكومة على قاعدة مبدأ فصل السلط ومع مجلس النواب وباقي الهيئات والمؤسسات الدستورية، فإنني سأجعل من هذه الأمانة التي قلدتموني، مسؤولية على عاتقي لخدمة وتكريس ثقافة الشراكة والتوافق الإيجابي " ليظل الوطن فوق الجميع" كما حث على ذلك جلالة الملك نصره الله.
أتعهد أمامكم على أنني سأتخذ من المقاربة التشاركية منهاجا مستمرا للتواصل مع جميع الهيئات السياسية للمجلس، من مكتب، وفرق ومجموعات برلمانية، ولجان دائمة، في أفق التدبير الإستراتيجي الأمثل والأنجع للملفات التشريعية والرقابية والدبلوماسية، من منطلق تصور إستراتيجي يهدف إلى الرفع من المكانة المؤسساتية للمجلس، فيصبح عندئذ بحق صرحا شاهدا على الديمقراطية التمثيلية، ومنبرا حقيقيا للدفاع عن المصالح الوطنية الكبرى لجميع الفئات الشعبية.
واعتبارا لأن بلدنا قد سطرت أهدافا تنموية شمولية، وفتحت أوراشا اقتصادية واجتماعية وحقوقية عديدة، فإنه ينتظر من المجلس في إطار التكامل مع مجلس النواب أن يكون في صلب هذه الرهانات، مستحضرا لأبعادها وداعما لها باقتراحات وعطاءات أعضائه، وأن يرفع من سقف الانتظارات الوطنية من مدخل الاعتماد على خبرة وكفاءة وحرفية تشكيلته المتسمة بالتنوع والتعدد المحلي والمهني والاجتماعي والاقتصادي، وهي تشكيلة يتعين استثمارها، دون تمييز أو إقصاء، لبناء وحدة توافقية دامجة لا تعترف على صعيد عمل المجلس إلا بعملة وحيدة وهي المصلحة الوطنية في إطار المغرب الموحد للجهات، وذلك تماشيا مع ما أكد عليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في الخطاب الذي ألقاه جلالته بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة بمقر البرلمان:
" ... إن السنة التشريعية التي نفتتحها اليوم، حافلة بالتحديات، وتتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية.لأن المؤسسات لا تهم الأغلبية وحدها أو المعارضة، وإنما هي مؤسسات يجب أن تكون في خدمة المواطنين دون أي اعتبارات أخرىلذا، ندعو لاعتماد التوافق الإيجابي، في كل القضايا الكبرى للأمة. غير أننا نرفض التوافقات السلبية التي تحاول إرضاء الرغبات الشخصية والأغراض الفئوية على حساب مصالح الوطن والمواطنين، فالوطن يجب أن يظل فوق الجميع... ." ( انتهى كلام صاحب الجلالة نصره الله).
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
يغمرني شعور بالاعتزاز وأنا أخلف في هذه المسؤولية أحد الشخصيات الكبيرة في الوطنية الحقيقية والصادقة ونصرة الديمقراطية وقيم الحداثة.
إنه شعور بالاعتزاز الممزوج بالحرج والتقدير، أن أجلس على هذا المنبر الموقر وأمام هذا المجلس المحترم، وأنا أستلم أمانة مشعل هذه المؤسسة الدستورية من الأخ والزميل والوطني المخلص الدكتور محمد الشيخ بيد الله، وهو حافز كبير على العمل والجد والاجتهاد لنكون في مستوى ما راكمته هذه المؤسسة من مكتسبات وإنجازات وأدوار، كانت كلها تهدف إلى تعميق مكانة مجلس المستشارين في المشهد الديمقراطي المغربي.
إنني من هذا المنبر، أوجه تحية تقدير واعتزاز لرئيسنا الدكتور محمد الشيخ بيد الله، ولكافة السادة الرؤساء المحترمون الذين سبقونا وساهموا في إحراز هذا التراكم الإيجابي الذي يطوقنا جميعا بمسؤولية تحصينه وتطويره، ونتوقف بهذه المناسبة للترحم على من غادرنا منهم إلى دار البقاء.
إن التمتع بشرف تحمل مسؤولية رئاسة مجلس المستشارين بعد الدكتور الشيخ محمد بيد الله، هو أمانة وتحد في نفس الوقت، ذلك أن ما تميزت به الولاية الأخيرة من حيوية في المبادرات، ونشاط في التشريع، وجرأة ودقة في المراقبة، وإبداع في البحث، وتأصيل للوظائف الجديدة لمجلس المستشارين، يجعلنا أمام مسؤولية تحصين وتثبيت المكتسبات من جهة، وتقويتها وتحسينها من جهة أخرى، لذلك فإننا عازمون على مواصلة الطريق والمضي في استمرارية نوعية تعزز مكانة مجلس المستشارين بصفة خاصة والبرلمان المغربي بصفة عامة، كما توخاها المشرع الدستوري، وكما يتطلع إليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والشعب المغربي قاطبة.
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
إن ما راكمه مجلس المستشارين في التجارب السابقة، نعتبره حافزا ومؤطرا لنا، لنواصل معا بناء مستقبل تكون فيه المؤسسات كما قال جلالته :"هي الضمانة الحقيقية لحقوق المواطنين، وللخدمات التي يحتاجونها، والتي لا تقبل أن تكون رهينة أهواء الأشخاص ورغباتهم".
لهذا فإن مسؤوليتنا اليوم، هي ضمان استمرارية نوعية على أرضية أحكام دستور 2011، وما تمنحه من صلاحيات ووظائف متقدمة، وفي أفق تمكين الحياة السياسية من دينامية مؤسساتية ينخرط فيها الجميع بروح التكامل والتعاون والتفاعل والتوافق البناء.
هكذا، فإن أولياتنا، ترتبط بمواصلة العمل لتثبيت فعالية مجلس المستشارين، وتعزيز حيويته وشفافيته التي تجعله يتمتع بكل مواصفات المؤسسة الديمقراطية، والالتزام بكل الأحكام الدستورية، التي تضمن التطبيق الفعلي لحقوق الأقلية والمعارضة، وحماية حرية الرأي المخالف، وتثمين المبادرات والاجتهادات المواطنة والهادفة إلى تقوية حق المواطنات والمواطنين في التشريع والمراقبة، وكل هذا لن يتأتى إلا بجعل مجلس المستشارين فضاءا للنقاش الديمقراطي العقلاني المترفع عن كل اعتبار سياسوي، وجعل انشغالاته في صلب انشغالات وهموم عموم المواطنين على اختلاف مواقعهم وحاجياتهم.
وتعزيزا لجسور التواصل الدائم بين مجلس المستشارين وعموم المواطنين، وتقوية لشفافية المجلس وتنشيط ثقافة المواطنة، وتمكين كل المواطنين من مواكبة مختلف مناحي الحياة البرلمانية، وجعلهم على بينة من تفاصيل اشتغال ممثليهم بالبرلمان، سنعمل جاهدين على تقوية الجانب التواصلي لمؤسستنا وتعزيز انفتاحها من خلال توفير مناخ سليم في علاقتنا بممثلي وسائل الإعلام، وضمان الحق في الحصول على المعلومات المتعلقة بالحياة البرلمانية والعمل بجدية لإخراج مشروع التلفزة البرلمانية إلى حيز الوجود.
وفي مجال الديبلوماسية البرلمانية والعلاقة مع المنتديات البرلمانية الإقليمية والقارية، فإنها ستحظى بأولوية كبرى، فعدالة قضيتنا الوطنية، وقوة اندماجنا وتماسكنا الوطني، ومشروعية ومصداقية مؤسساتنا السياسية، لازالت تحتاج منا إضافة مجهود أكبر، ليس فقط للتعريف بالتحولات التي تعيشها المملكة المغربية، وما تحقق على درب الدمقرطة والتحديث، بل لقطع الطريق على مغالطات الخصوم والأعداء، وتنوير الرأي العام الدولي بمكتسباتنا وإنجازاتنا. لهذا وانطلاقا من المكتسبات التي حققها مجلسنا الموقر في هذا الصدد، سنعمل على تطوير أداء وأسلوب دبلوماسيتنا البرلمانية، والتركيز بشكل كبير على هذه الواجهة، حتى نجعل من كل المحافل والمنتديات البرلمانية الإقليمية والقارية واجهة نضالية للدفاع عن وحدتنا الترابية وصوابية نهجنا الديمقراطي، وقوة بنائنا الوطني.
السيدات والسادة المستشارون المحترمون؛
إن رهان تعزيز فعالية وحيوية مجلس المستشارين، تستوجب منا أيضا تثمين وتتميم المجهود الكبير الذي انخرطت فيه رئاسة المجلس المنتهية ولايتها، في مجال تطوير وتحديث الإدارة البرلمانية، وتنمية مواردها البشرية، وتحسين ظروف اشتغالها، والرفع من مردوديتها.
لذلك، فإننا وانطلاقا من إيماننا العميق بالأدوار الكبيرة التي تضطلع بها الإدارة البرلمانية، وتقديرا منا للكفاءات العالية التي يزخر بها هذا المجلس، واعترافا منا بعطاءاتها، فإن جهدنا سينصب على مواصلة الأوراش التي انطلقت في اتجاه عصرنة وتحديث إدارة مجلس المستشارين، والعمل على تحصين المكتسبات وتحسينها وإغنائها انسجاما مع الشعارات التي مافتئت تنادي بها الفعاليات النقابية بالمجلس، والتي ستظل في فلسفتنا التدبيرية شريكا محوريا مصاحبا لكل الأوراش والمبادرات التي سيعرفها مجلسنا الموقر.
السيدات والسادة المحترمون،
إنني أعلن بعد استئذانكم أنني سأشرع منذ الآن في مباشرة الاتصالات مع مختلف مكونات مجلسنا لاستكمال انتخاب هيئات مجلسنا الموقر، وتحديد أولوياتنا.
وفقنا الله وإياكم لما فيه خير للوطن،
شكرا على حسن الإصغاء، ورفعت الجلسة.
واهتداء بروح التوافق الإيجابي البناء الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وّأيده، واعتبارا لأن مقتضيات النظام الداخلي للمجلس الساري النفاذ حاليا أطر لهياكل كانت قائمة في ظل المرحلة الانتقالية، فإنني أقترح تشكيل لجنة موسعة تضم ممثلا عن كل هيئة من الهيئات السياسية والنقابة والمهنية المكونة للمجلس، لتنكب على تعديل مقتضيات بعض مقتضيات النظام الداخلي للمجلس لاسيما تلك المتعلقة بتأليف هياكل المجلس من مكتب وفرق ولجان دائمة، تحقيقا لمبدأ لتناغم مع الفلسفة الدستورية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.