تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة رئيس مجلس المستشارين في افتتاح أشغال اليوم الدراسي حول "مكافحة الاتجار بالبشر بالمغرب"

2016-05-25

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أرف المرسلين

 

يشرفني أن أشارككم أشغال هذا اليوم الدراسي الذي ينعقد في محطة حاسمة من مسار تطوير إطارنا القانوني الوطني المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ، و خاصة مشروع القانون 27.14 المتلعق بمكافحة الاتجار في البشر.

و بالنظر لكون اليوم الدراسي يتوخى تدارس ظاهرة الاتجار بالبشر في أبعادها المختلفة بما فيها القانونية منها، فإني أود أن أتقاسم معكم انشغالين منهجيين يشكلان في الآن نفسه جزءا هاما من انتظاراتنا من هذا اليوم الدراسي الذي نتمنى أن تكون أشغاله و نتائجه مثمرة.

يتمثل الانشغال المنهجي الأول في كيفيات استحضار المعطى المتمثل في كون أن بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الذي انضم اليه المغرب بتاريخ 25 أبريل 2011 هو مكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، و ينص البند الأول من المادة الأولى من البروتوكول على أن   تفسير البرتوكول يكون مقترنا بالاتفاقية.  

إن هذا الترابط، من وجهة نظر حقوقية، لا ينبغي أن يختزل فقط في الترابط العضوي و الموضوعي لاتفاقيتين دوليتين، و إنما ينبغي أن يكون موجها ومحددا لتفكيرنا في كل القضايا  المتعلقة باستراتيجيات تجريم الاتجار بالبشر  ضمن الإطار القانوني الوطني، و حماية ضحايا الاتجار مع احترام كامل لحقوقهم الإنسانية، مع إيلاء الاهتمام الخاص طبعا  للنساء و الأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف في المنظومة الإجرامية للاتجار بالبشر ، و كذا في كل القضايا المتعلقة بتعزيز التعاون بين الدول لتحقيق أهداف البرتوكول المذكور.

إن  هذا التذكير يكتسي أهمية خاصة بالنسبة لبلادنا سيما في إطار  السياسات العمومية الجديدة المتعلقة بالهجرة، و في سياق تحديات الجريمة المنظمة العابرة للحدود و المخاطر الإرهابية و هي كلها سياقات تستلزم بلورة تدابير قانونية و تدابير سياسات عمومية ناجعة لحماية الفئات الهشة الأكثر  عرضة لمخاطر  

 

الاستغلال في إطار الاتجار بالبشر  سيما بمختلف الأشكال المنصوص عليها في المادة 3 من البرتوكول.  و يبدو أن مشروع القانون و كذا التعديلات القانونية المرتقبة على القانون الجنائي تقدم أجوبة هامة في هذا المنحى.

أما الانشغال المنهجي الثاني فيتمثل في كيفية أجرأة بعض التوصيات الدقيقة التي تقدمت بها المقررة الأممية  الخاصة المعنية بالاتجار بالأشخاص، لا سيما النساء والأطفال، جوي نغوزي إيزيلون في تقريرها  على إثر زيارتها إلى المغرب في الفترة من 17 إلى 21 يونيو 2013.

واسمحوا لي أيتها السيدات و  السادة  بأن أذكركم ببعض القضايا التي تم تحديدها انطلاقا من تحليل توصيات المقررة التي تتطلب منا تفكيرا عميقا و تشاركيا  ليس فقط بالنظر لمسار مناقشة مشروع القانون 27.14 الحالي و إنما ايضا على ضوء ما هو معروض علينا كمشرعين (في مجلس النواب أو المستشارين) أو ما سيعرض علينا قريبا من نصوص :

ضمن قضايا كثيرة يطرحها التقرير المذكور ، أكتفي ببسط خمسة منها أتمنى أن يتم التطرق اليها في أشغال هذا اليوم الدراسي:

  1. التحديات القانونية المتعلقة بحماية العمال المنزليين بما فيها تمكين مفتشي الشغل من التحري في  وضعية العمال المنزليين باعتبارهم فئة معرضة للاتجار  بالأشخاص (الفقرتان 80 و 88 من التقرير) و مسألة التسريع بالمصادقة على الاتفاقية رقم 189 لمنظمة العمل الدولية المتعلقة بالعمال المنزليين (الفقرة 96 من التقرير)

  2. دراسة إمكانية إحداث مقرر خاص وطني يقوم بتتبع إعمال التشريعات و السياسات العمومية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص و تحليل أثر التشريعات و السياسات المتعلقة بمكافحة هذه الظاهرة من منظور حقوق الإنسان (الفقرة  82 من التقرير)

 

  1. تدقيق التمييز بين المهاجرين غير النظاميين و ضحايا الاتجار بالبشر، و ما يترتب على ذلك من آثار على منظومتنا القانونية الوطنية، و هذا معطى يتعين استحضاره في سياق المراجعة المقبلة للتشريعات الوطنية المتعلقة بالهجرة  (الفقرة 83 من التقرير)

  2. كيفيات وضع منظومة دعم مالي لمساعدة ضحايا الاتجار بالبشر ، بما في ذلك ضمان دعم قصير أو متوسط أو طويل الأمد حسب الحالة، لمختلف المؤسسات المتدخلة في مجال مساعدة هذه الفئة من الضحايا (الفقرة  86 من التقرير)، و بما في ذلك إمكانية تمويل جزء من هذه المنظومة من الأموال المحجوزة و المصادرة في إطار مكافحة تبييض الأموال الناتجة عن جرائم الاتجار بالبشر (الفقرة 97 من التقرير).   

  3. كيفيات وضع برامج متكاملة بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين و المنظمة الدولية للهجرة بخصوص العودة الآمنة لضحايا الاتجار بالبشر لبلدانهم بما في ذلك ضمان الحماية الدولية لهم و إمكانية إحالتهم على مسطرة طلب اللجوء عند الاقتضاء (الفقرة 95 من التقرير)، علما أن إحدى الفرص التي تستلزم استثمار ا من قبلنا تتمثل في التعاون مع شركائنا في دول إفريقيا جنوب الصحراء بهذا الخصوص.

تلكم، أيتها السيدات و السادة، بعض القضايا التي عرضتها على سبيل المثال لا الحصر  و التي أقترح عليكم إيلاءها ما ترونه ملائما من أهمية إلى جانب القضايا الأخرى المتعلقة بمشروع القانون 27.14 و  آفاق مراجعة القانون الجنائي و التي سأكون متيقنا من أنها ستحظى بجزء هام من مناقشاتكم.

أتمنى لأشغال يومكم الدراسي كامل النجاح، وشكرا مرة أخرى على الدعوة الكريمة.