الرباط، 05 نونبر 2016
السيدة نائبة رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي المحترمة،
السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الوفود البرلمانية الإفريقية الشقيقة والصديقة،
السيد نزي كوفي N’ZI Koffi، الأمين العام للاتحاد البرلماني الإفريقي المحترم،
السيدات والسادة ممثلي المنظمات والاتحادات البرلمانية،
حضرات السيدات والسادة،
يسعدني في مستهل هذه الكلمة أن أرحب بكم جميعا في فعاليات افتتاح أشغال الدورة 69 للجنة التنفيذية للإتحاد البرلماني الإفريقي وذلك في إطار فعاليات المؤتمر 39 لرؤساء المجالس البرلمانية المنضوية تحت لواء الاتحاد البرلماني الإفريقي الذي يتشرف البرلمان المغربي باستضافته، متمنيا لكم مقاما طيبا ببلدكم الثاني المغرب، ومتمنيا لأشغالكم التوفيق والسداد.
وأود بهذه المناسبة أن أجدد التنويه بالمبادرات المستمرة التي ما فتئ يقوم بها الاتحاد البرلماني الإفريقي، رئاسة وأعضاء وأمانة عامة، بهدف دعم وتطوير التنسيق والتعاون بين البرلمانات الإفريقية، بما يساعد المؤسسات التشريعية الإفريقية على تحسين أدائها، خصوصا عبر ترسيخ قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وتكريس الحكامة الجيدة وتحقيق مستلزمات التنمية المستدامة، لاسيما في هذا المنعطف التاريخي الذي تجتاز فيه قارتنا تحولات عميقة ومتسارعة وتحديات متنامية إن على المستويات السياسية والأمنية أو في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
اعتبارا للأوضاع السياسية والأمنية المضطربة التي تجتازها العديد من البلدان الإفريقية، والتي من سماتها الرئيسية عودة شبح الحروب الأهلية وانتشار التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تنامي النزاعات العرقية والدينية واتساع رقعة الشبكات الإجرامية المتخصصة في تجارة الأسلحة والمخدرات وتهريب السلع والاتجار في البشر، والتي تغذيها مخلفات "الربيع العربي" في بعض البلدان التي لم تتمكن من تدبيره، فإن البلدان الإفريقية مطالبة ببلورة شراكة إستراتيجية إفريقية شاملة ومندمجة على قاعدة تعاون جنوب-جنوب قوامه النفع المشترك.
ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تعزيز البلدان الإفريقية لقدراتها الوطنية وتقوية التنسيق والتعاون والتضامن بينها على المستويات الثنائية وتقوية الاندماج الإقليمي والتعاون البيني خصوصا في مجالات التعليم والتبادل الاقتصادي والتنسيق الأمني والتشاور المستمر عبر آليات مؤسساتية دائمة.
وضمن سياق اعتماد المنتظم الدولي لخطة جديدة للتنمية المستدامة (ODD)، تأتي أهمية دورنا كبرلمانيين في العمل، من جهة، على سن التشريعات والقوانين الملائمة والكفيلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومن جهة أخرى، تحفيز حكوماتنا قصد بلورة سياسات تنموية ناجعة وفعالة بشراكة مع القطاعين العام والخاص وهيآت المجتمع المدني وذلك لتحقيق التنمية المستدامة بجميع أبعادها.
وأغتنم الفرصة بهذه المناسبة، لأدعو إلى مشاركة إفريقية مكثفة ومنسقة ضمن فعاليات الاجتماع البرلماني الدولي حول التغيرات المناخية الذي تحتضنه مدينة مراكش يوم 13 نونبر المقبل، والذي سيسبقه اجتماعا تنسيقيا للبرلمانات الإفريقية في الموضوع يوم 12 نونبر.
حضرات السيدات والسادة،
من المؤكد أن قارتنا الإفريقية تتوفر على مؤهلات هائلة كفيلة بتنميتها وجعلها فضاء مشتركا للرفاه الاجتماعي.
ومن المؤكد أيضا، أن قارتنا ، قد أصبحت، أكثر من أي وقت مضى ، مدعوة إلى الاستثمار في بناء الثقة في أنفسنا وفي قدرتنا الجماعية على تقرير مصائرنا بأنفسنا وصياغة المستقبل الذي يليق بشعوبنا. إن القارة الأفريقية تحتاج أيضا إلى بناء الشراكات المدرة للنفع المتبادل والى الاستثمار في إطلاق ديناميات مشاريع التنمية البشرية والاجتماعية أكثر من حاجتها لمساعدات إنسانية، وذلك في تساوق مع توطيد مسارات دمقرطة نظمنا السياسية وتعزيز ديناميات مشاركة المواطنات والمواطنين الأفارقة في صناعة القرارات المرتبطة بحاضر ومستقبل بلدانها.
وجدير بالذكر في هذا السياق، أن المملكة المغربية عبرت دوما عن تشبثها بعمقها الإفريقي باعتباره خيارا لا رجعة فيه، وحرصت على تعميق أواصر التعاون الاستراتيجي المتعدد الأبعاد مع الدول الإفريقية الشقيقة، وفق رؤية استشرافية تقوم على الإيمان المطلق بقدرة قارتنا الإفريقية على تقديم بدائل تنموية انطلاقا من إمكاناتها الذاتية، وذلك عن طريق الاستثمار الأمثل لمبدأ التكامل الهادف إلى تحقيق مداخل الاندماج التنموي في إطار التعاون جنوب – جنوب.
واستحضارا للمتغيرات الجيوسياسية على الصعيد العالمي وما ترتب عنها من موجات التشكيك في القدرة على بناء مجتمع عالمي قوامه العيش المشترك ويسوده السلم والأمن والحرية وتلازمية العلاقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الوحدة الوطنية للدول والتضامن بين الشعوب، يجدر النظر إلى أن اختيار المغرب العودة إلى عائلته الإفريقية، رغم أن غيابه لم يتجاوز حدود الإطار التنظيمي للإتحاد الإفريقي، يأتي كاستجابة لدعوات دول افريقية كانت دائما متشبثة ومؤمنة بالمكانة الطبيعية للمغرب في الفضاء الحضاري والثقافي والمؤسساتي الإفريقي من جهة، وكقرار صادر عن كل القوى الحية بالمملكة.
و لابد أيضا من التوقف عند الدلالات السياسية القوية للرسالة الملكية التاريخية الموجهة إلى القمة الإفريقية السابعة والعشرين المنعقدة بالعاصمة كيغالي بشأن قرار عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، حيث أشارت الرسالة الملكية السامية إلى أنه "لا يمكن للمغرب أن يظل خارج أسرته المؤسسية، ولابد له من استعادة مكانه الطبيعي والشرعي داخل الاتحاد الإفريقي"( انتهى كلام جلالة الملك).
ومن هذا المنطلق، فإننا نجدد بهذه المناسبة دعوة أشقائنا وأصدقائنا في الاتحاد البرلماني الأفريقي، إلى استثمار هذه الفرصة التاريخية المتاحة لشعوبنا اليوم، والمتمثلة في انبثاق وعي أفريقي جديد، يعبر عن التطلع ، تطلعنا الجماعي ، إلى كتابة صفحة جديدة في تاريخنا المعاصر، عنوانها الثقة في النفس والعمل الجماعي البناء لتحقيق تطلعات شعوبنا في غد أفضل.
وشكرا لكم على حسن الإصغاء.