الجمعة 14 أبريل 2017
حضرات السيدات والسادة،
طبقا لمقتضيات الفصل 65 من الدستور والمادة الأولى من النظام الداخلي لمجلس المستشارين، نفتتح اليوم، دورة أبريل للسنة التشريعية 2016- 2017 في ظل ظرفية متميزة، من أبرز معالمها، استكمال مسلسل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي مست مجموعة من القطاعات المهيكلة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي ساهمت في إبراز نموذجنا المتفرد في ظل محيط إقليمي شديد التوتر والحساسية.
ويأتي افتتاح هذه الدورة في سياق تعيين الحكومة الجديدة، التي نتمنى التوفيق لرئيسها وأعضائها، ونجدد لهم التأكيد، بهذه المناسبة، على أن مجلس المستشارين على أتم استعداد للتعاون معهم، على قاعدة فصل وتكامل السلط.
كما نفتتح هذه الدورة أيضا في سياق استكمال بناء الصرح المؤسسي، بما يؤمن الحكامة الديمقراطية، بعد تنصيب مؤسستين دستوريتين جديدتين طبقا لمقتضيات الدستور، ويتعلق الأمر بالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذين نهنئ أعضائهما على الثقة التي حظوا بها من قبل صاحب الجلالة نصره الله، ونتمنى لهم التوفيق في مهامهم.
وتتميز هذه الظرفية أيضا بالانتظارات التي تعرفها قضية الوحدة الترابية لبلادنا بعد تعيين أمين عام جديد للأمم المتحدة، لاسيما وأنه سيقدم قبل نهاية الشهر الجاري تقريره إلى مجلس الأمن بشأن تطورات هذا النزاع المفتعل.
وجدير بالذكر في هذا السياق، أن المغرب قدم مبادرة للحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة، وصفت بالجادة وذات المصداقية، وحظيت ولا تزال بتقدير المنتظم الدولي لكونها تشكل الحل الأمثل لإنهاء هذا النزاع المفتعل الذي عمر عقودا من الزمن.
ونفتتح هذه الدورة أيضا في سياق التحضيرات الجارية لاستكمال إجراءات انضمام المملكة المغربية إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، لاسيما تلك المعبر عنها في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في أشغال منتدى "كرانس مونتانا"بتاريخ 17 مارس 2017 بمدينة الداخلة، بأن "تحقيق النهضة الإفريقية المنشودة، يبقى رهينا بمدى ثقتنا في نفسنا، وبالاعتماد على مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، واستغلالها على أحسن وجه، في إطار تعاون جنوب جنوب مربح، وشراكة استراتيجية وتضامنية بين دول الجنوب.
وإننا لواثقون من كسب هذه الرهانات. فإفريقيا اليوم، يحكمها جيل جديد من القادة البراغماتيين، المتحررين من العقد الإيديولوجية، التي عفا عنها الزمن. هؤلاء القادة الذين يعملون، بكل غيرة وطنية ومسؤولية عالية، من أجل استقرار بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي"(انتهى النطق الملكي).
واستعدادا لرفع التحديات المترتبة عن عودة المملكة المغربية إلى الأسرة الإفريقية، وبعد استكمال تأسيس مجموعات برلمانية جديدة للصداقة مع البرلمانات الوطنية الإفريقية، بادرنا إلى فتح ورش استكشاف السبل والآليات الكفيلة بتقوية حضورنا الدبلوماسي على المستوى الإفريقي، من خلال عقد سلسلة ندوات وورشات عمل موضوعاتية حول القضايا والرهانات ذات الصلة، والتي أعطينا انطلاقتها الأسبوع المنصرم عبر تنظيم ندوة برلمانية في موضوع "الحضور الدبلوماسي للمغرب في القارة الإفريقية".
حضرات السيدات والسادة،
لقد شهدت الفترة الفاصلة بين الدورتين نشاطا مكثفا لمجلس المستشارين، على عدة مستويات.
وهكذا، فاستكمالا للمبادرة التي أطلقها المجلس بتشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق حول الصندوق المغربي للتقاعد، والتي اشتغلت في ظروف استثنائية ناتجة بالأساس عن تواجد أعضاء الحكومة في وضعية تصريف الأعمال، عمل المجلس في دورة استثنائية هي الأولى من نوعها في تاريخ العمل البرلماني من حيث اتخاذ المبادرة من طرف أعضاء أحد المجلسين، على مناقشة تقرير هذه اللجنة طبقا لمقتضيات المادة 17 من القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير لجان تقصي الحقائق.
وعلاقة بالوظائف الدستورية الجديدة لمجلس المستشارين، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسات العمومية وفي إطار التفاعل مع التوجيهات الملكية السامية، تجاوب المجلس مع مضامين الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالته بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية والذي شخص فيه بشكل دقيق أعطاب الإدارة المغربية، وهو الموضوع الذي من المقرر أن تعالجه المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية المخصصة لمناقشة وتقييم السياسات العمومية تحت عنوان "المرفق العمومي".
وشهدت هذه الفترة كذلك، مواصلة عمل اللجنة المكلفة بتعديل النظام الداخلي للمجلس، في تكامل مع مجلس النواب واحتراما لمقتضيات الدستور.
ولا يفوتني في هذا الصدد، أن أنوه كذلك بالعمل الجاد الذي تقوم به لجنة التنسيق بين مجلسي البرلمان، من خلال الترتيب للقاءات المنتظمة التي تعقدها في سبيل توحيد الرؤية في التعامل مع القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتي توجت بإحداث لجنة فرعية مختلطة تشتغل على مواضيع محددة، وستفضي بدون شك إلى نتائج إيجابية من شأنها تحقيق التناسق والتكامل بين المجلسين ضمانا لنجاعة العمل البرلماني.
وتكريسا للتفاعل الإيجابي لمجلس المستشارين مع مبادرات المجتمع المدني الرامية إلى المساهمة في دعم العملية التشريعية، نظم المجلس أياما دراسية بشراكة مع منظمات المجتمع المدني لبحث طرق تمكين الآليات القانونية والتنظيمية لعلاقات مجلس المستشارين مع المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، وخاصة ما يرتبط بالحق في تقديم العرائض والملتمسات في مجال التشريع.
حضرات السيدات والسادة،
لقد شهدت الفترة الفاصلة بين الدورتين كذلك نشاطا دبلوماسيا هاما، إذ استقبل المجلس10وفود يمثلون مؤسسات حكومية وبرلمانات وطنية وشخصيات دولية، وعلى رأسهم السيد رئيس مجلس الشيوخ بجمهورية نيجيريا الاتحادية، والسيد رئيس مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، والسيد رئيس مجلس الأمة بدولة الكويت...، كما شارك المجلس في 18 تظاهرة إقليمية ودولية، منها مساهمتنا في أشغال جلسة الاستماع السنوية للأمم المتحدة بنيويورك شهر فبراير 2017 حول موضوع:"العالم الأزرق: الحفاظ على المحيطات، وحماية كوكب الأرض وضمان رفاهية البشر ضمن أهداف التنمية المستدامة 2030".
وشارك المجلس كذلك في أشغال الجمعية 136 للإتحاد البرلماني الدولي التي انعقدت بالعاصمة دكا ببنغلاديش في الفترة الممتدة من فاتح إلى خامس أبريل 2017، وفي الدورة 34 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف كاستعداد لتهييئ مشاركة المجلس، ولأول مرة، في الوفد الرسمي للمملكة المغربية الذي سيقدم التقرير الوطني برسم الجولة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل بداية شهر مـــاي 2017، مما سيكرس توجهنا الرامي إلى تحقيق عمل برلماني مبني على المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان.
وفي إطار تعزيز الدور المحوري لمجلسنا في توطيد وتمتين العلاقات مع دول أمريكا الوسطى واللاتينية ودول الكرايبي، استقبل مجلسنا وفدا برلمانيا عن المكتب التنفيذي لبرلمان أمريكا الوسطى والكرايبي، وممثلين عن برلمان جمهورية غواتيمالا ومجلس الشيوخ بجمهورية الدومينيكان، كما استقبل المجلس وفدا برلمانيا عن جمهورية البيرو.
وشكلت المباحثات التي أجريناها مع هذه الوفود مناسبة هامة للتعبير عن الاعتزاز بالدينامية المتواترة التي تشهدها علاقات المملكة المغربية مع بلدان المنطقة، وكذا روح التشاور والتنسيق القائمة بشأن مختلف القضايا والتحديات والرهانات المشتركة في أفق ترجمة مشروعنا الطموح المتعلق بإحداث"منتدى برلماني إفريقي-أمريكو لاتيني"، كفضاء للترافع حول مصالح وقضايا الشعوب الإفريقية واللاتينية، وإسماع صوتها في مختلف المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية.
وعرفت هذه الفترة كذلك، زيارتنا بمعية وفد من المجلس، إلى جمهورية فنلندا بدعوة من السيدة رئيسة البرلمان الفنلندي من 8 إلى 10 مارس 2017، وحظينا خلالها بشرف استقبالنا من قبل فخامة السيد رئيس الجمهورية الفنلدية، وهو ما شكل فرصة هامة للتعريف بالنموذج الديمقراطي المغربي وبفرص الاستثمار المتاحة في ظل الموقع الجيو-استراتيجي الذي تتفرد به بلادنا.
كما تميزت هذه الفترة الفاصلة بين الدورتين، بتنظيم البرلمان بمجلسيه للمؤتمر 24 للاتحاد البرلماني العربي، والذي توجت أشغاله برئاسة البرلمان المغربي للإتحاد كتقدير لجهود المملكة المغربية في خدمة قضايا الأمة العربية والإسلامية، وتقوية العمل البرلماني العربي ـ العربي.
وعلى مستوى الشراكة والتعاون الدولي، كثف مجلس المستشارين أنشطته خلال هذه الفترة مع مختلف المؤسسات وعلى رأسها: مؤسسة ويستمنستر للديمقراطية، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.كما فتح المجلس أوراشا مع كل من المنظمة العالمية للهجرة، ومؤسسة كونراد أديناور، وبرنامج دعم اتفاقية الشراكة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي في إطار خلق آلية التوأمة المؤسساتية.
السيدات والسادة الأفاضل،
تميزت الفترة الفاصلة بين الدورتين أيضا بحدث هام، تمثل في تنظيم مجلسنا للدورة الثانية للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية تحت شعار"مأسسة الحوار الاجتماعي: مدخل أساسي للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية"، يوم 20 فبراير 2017، والذي حظي بشرف الرعاية المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وبهذه المناسبة، نسجل بكل اعتزاز وفخر مضامين الرسالة الملكية السامية التاريخية الموجهة إلى المشاركين في هذا المنتدى، والتي نوه فيها جلالته بمساهمة مجلس المستشارين في بناء النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، كما دعا جلالته من خلالها مجلس المستشارين إلى "متابعة مسار البناء التشاركي للنموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، عبر تنظيم حوارات ومنتديات واستشارات قطاعية وموضوعاتية مع كل الفاعلين المعنيين، واستثمار حصيلة هذه الأعمال في إعداد الدورات المقبلة لهذا المنتدى البرلماني"( مقتطف من الرسالة الملكية السامية).
حضرات السيدات والسادة،
قبل الختام، أود أن أعبر عن أملنا الكبير في أن تكون هذه الدورة حافلة بالعطاء البرلماني خدمة للمصلحة العليا لوطننا العزيز، من أجل استدراك الزمن المهدور جراء تعثر مشاورات تشكيل الحكومة.
وبهذه المناسبة، أتوجه بخالص الشكر والامتنان إلى السيدة والسادة أعضاء مكتب مجلس المستشارين، والسيدات والسادة رؤساء الفرق ومنسقي المجموعات، والسادة رؤساء اللجان الدائمة، وكافة السيدات والسادة المستشارين المحترمين على ما أبدوه من بذل وعطاء طيلة الفترة الفاصلة بين الدورتين.
كما لا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى موظفات وموظفي المجلس، على تفانيهم في القيام بواجبهم.
والشكر موصول كذلك لمنظمات المجتمع المدني والفعاليات الجامعية والأكاديمية التي واكبت بانتظام أنشطتنا، ولممثلي وسائل الإعلام السمعية والبصرية والمكتوبة والإلكترونية على متابعة وتغطية أشغال المجلس وأنشطته المتعددة ونقلها بكل مهنية لعموم الرأي الوطني والدولي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.