تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس مجلس المستشارين في أشغال الندوة حول "الرقابة البرلمانية على السياسات العمومية في مجال الأمن"

2017-05-25
<p dir="rtl">السيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان المحترم،</p> <p dir="rtl">السيد رئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن المحترم،</p> <p dir="rtl">السيد ممثل الإدارة العامة للأمن الوطني المحترم،</p> <p dir="rtl">حضرات السيدات والسادة،</p> <p dir="rtl"> </p> <p dir="rtl">اسمحوا لي أن أتقاسم معكم رؤيتي لموضوع هذه الندوة التي ننظمها بشراكة مع "المركز المغربي للديمقراطية والأمن"، الذي نشكره على اختياره لهذا الموضوع اعتبارا لأهمية إثارة النقاش المؤسساتي حوله، وأيضا الحاجة الملحة إلى إحياء النقاش حول توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، حيث ينبغي في نظري المتواضع معالجته من منظور أوسع يهم بالأساس تعزيز التوطيد الديمقراطي واحترام سيادة القانون ودولة المؤسسات.</p> <p dir="rtl">غير خاف عليكم أن تعزيز حكم القانون يشكل مرتكزا للدولة الديمقراطية وركنا جوهريا في إقامة العدل وضمان المساواة في الحقوق والمسؤوليات باعتباره التعبير الأسمى لإرادة الشعوب، ومن تم فإن مختلف السلط الدستورية والمؤسسات الوطنية والمنظمات غير الحكومية تلعب أدوارا ريادية في النهوض بسيادة القانون سواء من خلال المساهمة في سن السياسات والتشريعات أو من خلال تقديم المشورة والرأي على مستوى تطوير وتحسين آليات الرقابة والمراقبة، وذلك بغية ضمان العدل وتوفير سبل الانتصاف، وتحقيق المساواة وإقرار المسؤولية والخضوع للشرعية القانونية وإقرار الشفافية والنزاهة وتحقيق الحماية المؤسساتية لحقوق الإنسان؛ لأن العمليات والآليات الرقابية التي تؤدي عملها بفعالية، والتي يمكن أن توفر المساءلة والضمانات ضد إساءة استعمال السلطة، تشكل عناصر لا غنى عنها ، وأن الديمقراطية تتطلب أيضاً وجود مؤسسات حكم تتمتع بالشفافية وتخضع للمساءلة. وتتوقف شرعية هذه المؤسسات على امتثالها للمبادئ الأساسية لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.</p> <p dir="rtl"> </p> <p dir="rtl">السيدات والسادة</p> <p dir="rtl">يشكل الحفاظ على الأمن ضرورة لبناء دولة القانون ولحقوق الإنسان، ولكنه لا يمثل بديلا لهما، حيث أنه لا يجب أن يتم الحفاظ على الأمن على حساب حقوق الإنسان كمقوم أساسي لدولة القانون.</p> <p dir="rtl">إن عدم الاستقرار والإخلال بالأمن يؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان ولا سيما من حيث التمتع بالحق في الحياة، والحرية والسلامة الجسدية، كما يشكل عاملا أساسيا في تقويض البنيات الاجتماعية وتقليص أدوارها التأطيرية، ناهيكم عن أن عدم الاستقرار يهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بما يؤثر بصورة مباشرة على التمتع بحقوق الإنسان في شموليتها وعدم قابليتها للتجزيء.</p> <p dir="rtl">يجدر الأخذ بعين الاعتبار معطى أساسي يتمثل في التلازم بين حفظ الأمن واحترام حقوق الإنسان كمرتكزين رئيسيين لدولة القانون، فلا يمكن الحفاظ على أحدهما دون الآخر. لأنه بدون الأمن تهدر حقوق الإنسان؛ وبدون حقوق الإنسان لا يتحقق الأمن. وتأسيسا على ذلك نصت مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان على التدابير المرجعية للحفاظ على الأمن، ليس فقط لتدبير استخدام القوة وشروطه وحدوده ومعاييره، ولكن أيضا عبر معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي غالبا ما تكون مصدر التوتر وعدم الاستقرار والانفلات الأمني.</p> <p dir="rtl">وعليه، فإن تعزيز دولة القانون لا يمكن أن يتم إلا عبر حفظ الأمن وضمان تمتع المواطنين والمواطنات بكافة حقوق الإنسان من جهة، وترشيد حكامة الأجهزة المكلفة بإنفاذ القوانين من جهة أخرى. وهذا ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن اتخاذ التدابير الناجعة لحفظ النظام وسيادة حكم القاعدة القانونية وتوفير الأمن من جهة، وحماية حقوق الإنسان من جهة أخرى، ليسا أمرين متضاربين متعارضين، ولكنهما متكاملان ومتعاضدان.</p> <p dir="rtl"> </p> <p dir="rtl">السيدات والسادة</p> <p dir="rtl">لبلوغ هذا المسعى، وفي سياقنا المغربي، أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها النهائي بترشيد الحكامة الأمنية عبر عدد من الإجراءات أبرزها  أن تقوم الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بإعمال مبدأ مسؤوليتها السياسية والتشريعية فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، كلما تعلق الأمر بادعاءات حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو حدوث أفعال جسيمة ماسة أو مهددة لقيم المجتمع واختياره الديمقراطي؛ والمراقبة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن والمراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية والتكوين المتواصل لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان. ودعت توصيات الهيئة إلى تفعيل آثار قاعدة "الحكومة مسؤولة بشكل تضامني" عن العمليات الأمنية وحفظ النظام العام وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلزامها بإخبار الجمهور والبرلمان بأي أحداث استوجبت تدخل القوة العمومية، وبمجريات ذلك بالتدقيق, وبالعمليات الأمنية ونتائجها والمسؤوليات وما قد يتخذ من التدابير التصحيحية.</p> <p dir="rtl">ودعت هيئة الإنصاف والمصالحة إلى تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية والقانونية، مساعدة لها على إعداد تقارير موضوعية ودالة بعيدا عن الاعتبارات السياسية؛ وكذلك تقوية آلية الأسئلة والاستماع المباشرة من قبل البرلمان في ما يخص المسؤولية عن حفظ الأمن والنظام العام؛ ثم توسيع الممارسة البرلمانية في المساءلة والاستماع لتشمل علاوة على الوزراء المكلفين بالأمن والعدل، كل المسؤولين المباشرين عن أجهزة الأمن وعمليات الردع على الأصعدة الوطنية والإقليمية والمحلية.</p> <p dir="rtl">وفي مجال وضعية وتنظيم أجهزة الأمن، أوصت الهيئة بتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتصلة به في ما يتعلق بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني, وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية، والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية.</p> <p dir="rtl"> </p> <p dir="rtl">السيدات والسادة</p> <p dir="rtl">لا يعتبر ضمان الأمن والاستقرار مسألة أمنية تؤول اختصاصاتها إلى الأجهزة الأمنية، بل تعود المسؤولية كذلك فيها للحكومة وسياساتها العمومية (الرامية مثلا إلى محاربة البطالة والفقر والهشاشة والاختلالات السوسيو-اقتصادية) بمعنى وجود علاقة تأثير و تأثر بين المهام الموكولة إلى القطاع الأمني و مخرجات السياسات العمومية.</p> <p dir="rtl">ونظرا للدور الهام الذي تضطلع به المؤسسة الأمنية ببلادنا في مجال حماية الحريات وصون الحقوق المنصوص عليها دستوريا وعلى رأسها الحق في الحياة (الفصل 20) والحق في السلامة الشخصية وحماية الممتلكات وضمان سلامة السكان (الفصل 21) والحق في حماية الحياة الخاصة وحرية التنقل (الفصل 24)...، نؤمن في المجلس بأن مساهمة نساء ورجال الأمن وكافة الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين في ورش إصلاح القطاع الأمني، تشكل لبنة أساسية في تفعيل المفهوم الجديد للسلطة وحجر الزاوية في ترشيد الحكامة الأمنية الجيدة وترسيخ معنى الشرطة المواطنة.</p> <p dir="rtl">وتأسيسا على مسعى ترشيد الحكامة الأمنية ومواصلة إصلاح القطاع، وطبقا للدستور ولاسيما الفصل 70 (فقرة 2) والتي جاء فيها:"يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة ويقيّم السياسات العمومية"، وباعتباره ممثلا للأمة خول الدستور لمؤسسة البرلمان بمجلسيها اختصاصات وصلاحيات كثيرة وفي مختلف ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لادعي للتذكير بها.</p> <p dir="rtl">لقد فتحت التحولات الدستورية لـ 2011 إمكانية إدماج السياسات القطاعية في مجال الأمن ضمن حقول السياسات العمومية للحكومة،  ولنا أن نلاحظ أنه وخلال الولاية الحكومية المنتهية تم وضع وتنفيذ عدد من القرارات والإجراءات التي مست جوانب مختلفة من السياسات الأمنية منها:</p> <p dir="rtl">- البشرية (تعيينات جديدة على رأس مختلف المصالح- متابعة عدد من رجال الأمن قضائيا أو إداريا).</p> <p dir="rtl">- المؤسساتية (تعديل ظهير الإدارة العامة والنظام الأساسي لرجال الأمن_إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية –إحداث مكاتب وجهوية للشرطة القضائي- إحداث فرق أمنية جديدة- توظيف التكنولوجيات الحديثة).</p> <p dir="rtl">- الاستراتيجية التي يشهد العالم بأهميتها وقيمتها الاستباقية (الإستباقية في مواجهة المخاطر- عدم تجزئة المنظومة الأمنية - الانفتاح).</p> <p dir="rtl">فهل شكلت هذه الإجراءات والقرارات سياسة عمومية حكومية في مجال الأمن أم انها استمرت كسياسة قطاعية منفصلة ومتعالية؟</p> <p dir="rtl">هل خضعت هذه الإجراءات والقرارات للرقابة والتقييم الكاملين من طرف غرفتي البرلمان وفق ما ينص عليه الدستور  والقانون الداخلي لكل من  مجلسي النواب والمستشارين؟</p> <p dir="rtl">ما هي نسب اتساق آليات الرقابة الوطنية على السياسات الأمنية مع المعايير الدولية  والممارسات الفضلى في هذا الباب؟</p> <p dir="rtl">هل وفرت الولاية التشريعية السابقة، التي أعقبت المصادقة على الوثيقة الدستورية  عبر الأدوار التي قد تكون قامت بها، حظوظا كافية للحد من احتمالات التأويل المحافظ للمقتضيات  الدستورية ولمجمل أسس العملية السياسية المشار إليها وتحويل قطاع الأمن إلى أمن مواطني يستجيب لمعايير الحكامة؟</p> <p dir="rtl">وهل أمكن للسياسات المتبعة ترسيخ اتجاه الانتقال وفق  أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان؟</p> <p dir="rtl">ما هي التعديلات والآثار التي أنتجها الأداء البرلماني على السياسات التي تم اعتمادها في مجال الأمن؟</p> <p dir="rtl">ما مدى تحقيقها للتوازن بين متطلبات الأمن ومتطلبات حماية الحقوق والحريات؟</p> <p dir="rtl">        تلكم أيها السيدات والسادة بعض عناصر التفكير التي وددت تقاسمها معكم خلال هذه الندوة، وشكرا على حسن الإصغاء.</p> <p dir="rtl"> </p> <div dir="rtl">  </div>