كلمة السيد حكيم بن شماش
رئيس مجلس المستشارين
في الجلسة الافتتاحية لأشغال الندوة التي ينظمها
فريق الاتحاد المغربي للشغل
في موضوع "مشروع قانون المالية بين الاستمرارية وضرورة إعادة النظر في النموذج الاقتصادي"
ـ الأربعاء 15 نونبر 2017 ـ
حضرات السيدات والسادة؛
يطيب لي أن أساهم في افتتاح أشغال هذه الندوة التي ينظمها فريق الاتحاد المغربي للشغل (فريق دائم الحضور والمشاركة في أشغال وأنشطة المجلس).
وأشكر السيدة الرئيسة وأعضاء الفريق على اختيارهم الموفق لموضوع الندوة:"مشروع قانون المالية بين الاستمرارية وضرورة إعادة النظر في النموذج الاقتصادي".
وهو موضوع يذكرني بأشغال ندوة كانت قد نظمت من طرف فريق الأصالة والمعاصرة سنة 2014، بمشاركة السيد وزير المالية وخبراء البنك الدولي وتلة من الخبراء المتخصصين في المجال، إلى جانب ممثلين عن المؤسسات الوطنية وعلى رأيها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الأعلى للحسابات، وبنك المغرب...وقد وثقت أشغال هذه الندوة في كتيب، لازالت ذاكرة المجلس تحتفظ به.
وأتذكر جيدا أن المشاركين في أشغال الندوة أجمعوا على ضرورة مواصلة النقاش في سؤال "الحاجة إلى نموذج تنموي جديد أو متجدد"، في أفق إرساء معالم براديغم جديد للتنمية بالمغرب، انطلاقا من فرضية مفادها أن النموذج التنموي القائم، المبني على دعم الطلب الداخلي، والذي مكن المغرب من تحقيق معدلات نمو محترمة ومن تفادي الصدمات الخارجية، قد استنفد إمكانياته التنموية، لاعتبارات عدة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- تحقيق المغرب لمعدلات نمو دون المستويات المرجوة والضرورية لامتصاص البطالة وإحداث تحسن نوعي في مستوى عيش السكان؛
- استمرار التفاوتات الاجتماعية والترابية التي نجمت عن السياسات المعتمدة إلى حدود اليوم والتي تضر بالاستقرار والتماسك الاجتماعي؛
- ضعف جودة تكوين الكفاءات والمرتبط أساسا بالإشكاليات المرتبطة بمنظومة التربية والتكوين والمقاربة القطاعية الجزئية لهذا الموضوع؛
- ضعف التكامل بين السياسات العمومية وغياب رؤية شاملة ومندمجة للتنمية، مما يحدّ من فعالية هذه السياسات؛
- ضعف نجاعة التدخل/الفعل العمومي. ولا أدل على ذلك أنه بمجهود استثماري يفوق 30 % من الناتج الداخلي الخام، لا تزيد نسب النمو التي يحققها المغرب عن 4 بالمائة في المعدل. ناهيك عن ضعف مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام (حوالي 14 بالمائة عوض السقف المعياري المحدد في 23 بالمائة)...
وهناك العديد من الاعتبارات الأخرى، لا يسع المجال لذكرها والتفصيل فيها،تعجل كلها بضرورة تجديد أو مراجعة النموذج التنموي المغربي، من أجل تسريع وثيرة النمو وجعلها أكثر اندماجية. وهذا ما أكده صاحب الجلالة في خطابه السامي الأخير بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية.
حضرات السيدات والسادة؛
أحييكم على إعادة فتح النقاش في هذا الموضوع. وأتفق مع ما تضمنته الأرضية التأطيرية لهذه الندوة بأن مشروع قانون المالية السنوي لا يكفي أن يكون أداة تقليدية يشكل التصويت عليه ترخيصا للحكومة بتحصيل الموارد وصرف النفقات، بل يجب أيضا أن يسمح باستشراف الخطوط الأولية للنموذج الاقتصادي المنشود، ورسم المسار لتقوية الفعالية الاقتصادية، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية لكافة فئات الشعب المغربي، ورفع التحديات المتعددة التي تطرح على بلادنا، خصوصا في مجال العدالة الاجتماعية والعدالة المجالية.
غير أنني مقتنع أشد الاقتناع، بأن النقاش في موضوع "تجديد/مراجعة النموذج التنموي"، لا يجب أن يكون لحظيا وانفعاليا، وإنما يجب أن يكون نقاشا منتظما ومسؤولا، ضمن مسار تفكير جماعي وتشاركي بمقدوره استشراف هوامش الفعل المتاحة مع استحضار نقاط القوة والضعف، والفرص والمخاطر.
وأغتنم الفرصة، للتذكير بأن مجلس المستشارين، وانطلاقا من سعيه الدائم إلى الاستثمار في غنى وتنوع مكوناته، يعتزم تنظيم المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية يوم 20 فبراير المقبل، في موضوع "مراجعة النموذج التنموي: مدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية". وهو الموضوع الذي سيتم التحضير له بمعية شركاء المجلس وخبراء متخصصون، عبر تعبئة استشارات وتنظيم ورشات موضوعاتية تحضيرية، وفق نفس المنهجية التي اعتمدت في التحضير لفعاليات الملتقى البرلماني للجهات، الذي ننظمه يوم غد الخميس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. وهي المنهجية التي تمكننا من الانتقال من منطق القول إلى منطق الفعل المؤسساتي المبني على الدراسة والتحليل الجماعي للقضايا ذات الارتباط.
وبهذه المناسبة، أجدد لكم الدعوة للمشاركة بكثافة في أشغال هذا الملتقى.
وختاما، اسمحوا لي بأن أفصح عن أملي في أن تتكلل أشغال ندوتكم بمخرجات وتوصيات يمكن استثمارها في أشغال المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية...
وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.