تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين في مؤتمر القيادات العربية رفيعة المستوى

2019-02-10
الحمد لله وحده
معالي رئيس البرلمان العربي،
أصحاب السعادة والمعالي،
السيدات والسادة، الحضور الكريم،
اسمحوا لي في البداية أن أعبر باسم بلادي – المملكة المغربية - عن ابتهاجي لالتئام جمعنا هذا. إنه التئام نتمناه أن يفضي الى تقديم مساهمة ملموسة في انضاج شروط بدئ  صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين بلداننا التي وحدها التاريخ واللغة والحضارة والدين السمح ولا يزال.
لقد مرت على منطقتنا العربية فترة عصيبة من التوترات والانقسامات وصلت شأوا بعيدا، مما سوغ للقوى الهيمنية استسهال اعتماد استراتيجيات التدخل المباشر ومحاولات الإخضاع والسيطرة والبلقنة والتجزئة وتدمير ما حققته دولنا الوطنية في مجالات البناء المؤسساتي والتنمية وحفظ الاستقلال الوطني والحوزة الترابية وفي التعاون البيني فيما بين بلدان المنطقة العربية، وذلك من أجل العودة بها إلى فترات صعبة من تاريخها وربما أصعب كثيرا. ونحن نرى تحت أعيننا كيف تتم التكتلات وتبنى التحالفات وتصطف القوى من أجل البقاء في عالم ما انفك يتعقد وتتسارع وتيرة تطوره وتتفاقم المخاطر والتحديات الناشئة عنه.
ولم تسلم قضية العرب الأولى – قضية فلسطين – من التسويف والتماطل والاحتواء وصولا إلى التطويق ومحاولة التصفية وإدراجها ضمن رفوف التاريخ المهملة.
إن دروس الفترة الأخيرة في منطقتنا وفي العالم يجب ان تنتصب أمامنا بكل وضوح لعلها تشكل رافعة فعالة من أجل استرداد المبادرة عبر اعتماد رؤية استراتيجية استباقية تضع في المقام الأول أمن واستقرار ووحدة بلداننا باعتبار الاستقرار شرطا لا مندوحة عنه لمواجهة تحديات المستقبل، رؤية تجعل من آكد الأولويات اعتماد أو إحياء سياسات التعاون والتضامن في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، موقنين بأن المستقبل لن يكون إلا للتكتلات الكبرى في كل هذه المجالات وهو ما يفرض إحياء وتجديد الآليات البينية والجهوية والعربية من أجل تجسيد هذه الإستراتجية.
وبالتأكيد، فكل بلد من بلداننا، وحتى يستطيع توفير أحسن الشروط لهكذا اختيار واصطفاف، فليس هناك أفضل من تشجيع المصالحات الوطنية وترتيب ما يتعين ترتيبه في مجال الحكامة المطلوبة والآليات الاجتماعية الفعالة التي تبعث الطمأنينة في النسيج المجتمعي وترسخ الاستقرار وتوفر شروط التنمية وإنتاج الثروة وتوزيعها.
 
أيها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الكريمات
لقد توصلنا جميعا من طرف الرئاسة – مشكورة جزيل الشكر - بمشروع "الوثيقة العربية لتعزيز التضامن ومواجهة التحديات" التي سيكون علينا أن نتوافق حولها ونرفعها إلى مجلس جامعة الدول العربية التي ستعقد قمتها شهر مارس القادم في تونس الشقيقة، تونس التي عاشت خلال السنوات القليلة الفارطة محطات نوعية طبعت تاريخها الحديث. وإننا إذ نشدد على التعبير لها عن خالص تمنياتنا في المزيد من المكتسبات ضمن الوفاق الوطني التي يطبع سيرها، لنغتنمها مناسبة لاستحضار عدد من الاسئلة المتعلقة بدورنا كبرلمان عربي في سياقاتنا هاته...
الأخوات والإخوة الكرام،
إن الجامعة العربية لها اليوم من العمر ما يقارب ثلاثة أرباع القرن تجعلها من أعرق التجمعات الجهوية منذ أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، وذلك ضمن تطورات متلاحقة بل وانقلابات مزلزلة عرفها وما انفك يعرفها العالم من حولنا. كما أن برلماننا العربي قد اطفأ شمعته الخامسة عشرة، هو الذي شكل تأسيسه لحظة هامة في مسار الجامعة العربية. وقد أحسن المؤسسون صنعا بأن تبَّثوا المادة الخامسة لنظامه الاساسي التي تتحدث عن اختصاصاته "التعاون والتنسيق مع البرلمانات الوطنية في الدول الأعضاء لتعزيز وترسيخ البعد الشعبي ودوره في مسيرة العمل العربي المشترك". فقد بات من المهم بل من آكد الواجبات النهوض بهذا الاختصاص وإيلاؤه المكانة التي يستحق. فسياقات المرحلة وضرورات نمو وازدهار بلداننا تفرض أكثر من أي وقت مضى فتح الأبواب أمام المشاركة الشعبية وتوفير أدواتها بالنسبة للمواطن واحتضان تطلعاته في المشاركة في القرار وفي إغناء الديناميكية المجتمعية المُدْمِجة التي تشكل حجرا أساسيا من السد المنيع أمام دعوات الانعزال ونبذ المجتمع وهي الدعوات التي تنتهي في أغلبها بالارتماء في حضن التطرف والغلو المؤدي حتما إلى الإرهاب المقيت.
إننا نفكر بصوت مرتفع ونسائل أنفسنا ما الذي يمكن أن نعزز به دورنا ونقوي به بلداننا في هذه السياقات. أفلا يكون المطلوب من برلماننا اليوم أن يكون حاضن هذا الاختيار عن طريق ترسيخ الحضور الشعبي في كل برامجنا، أكانت جماعية أو بينية كما ينص على ذلك ميثاق الجامعة العربية، وهو ما يستدعي تكثيف المبادرات وإطلاق الطاقات ولربما توسيع الوعاء البشري لمؤسساتنا – إذا جاز القول – مع تطوير وتوسيع صلاحياته وتعزيز الإمكانات الموضوعة رهن إشارته.  
وفي هذا الصدد ربما وجبت مقاربة الأمر عبر المسالك والممرات التي تتيحها الحياة نفسها أي تعزيز تبادل الخبرات والإنصات الفاعل والمتفاعل للتجارب المؤسساتية الديمقراطية بكل تعبيراتها التمثيلة والتشاركية المواطِنة وغيرها وفتح المجال أمام تعبيرات المجتمع المدني بمختلف تنويعاته على امتداد الرقعة العربية من أجل التفاعل وتبادل التجارب والدروس وترسيخ المؤسسات وتعميق الاختيار الوحدوي العربي على جميع المستويات عبر المقاربات التشاركية وتوفير المناسبات وتنويع المنصَّات الأكثر قربا من الوجدان أعني الثقافة والفن والإبداع في كل أشكالها مع استثمار الطفرة المعلوماتية بما يتطلبه العصر من انفتاح وتفاعل وتلاقح... 
إن عالم اليوم عالم تقنيات واقتصادات وعالم مركبات صناعية كبرى وغيرها. لكنه كذلك عالم قيم وثقافة وعالم مشاركة فاعلة من لدن كل فئات المجتمعات وعالم رمزيات قوية قد تتجاوز ما هو مرئي ومحسوس، وعلينا أن نكون في المواعيد بكل ما أوتينا من عزيمة وإرادة وإمكانيات.  
وفي هذا الإطار، أود أن أجدد التأكيد على أننا في المملكة المغربية، الوفية لمبادئ وقيم الأخوة والتضامن والتعاون، والمصممة على ارتياد كل الآفاق الممكنة من أجل اغناء واثراء العلاقات بين بلداننا وشعوبنا ،عازمة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، على الانخراط في كل المبادرات الإيجابية الهادفة إلى تطوير الشراكة والتعاون بين بلدننا في إطار الاحترام المتبادل وحسن الجوار  و احترام سيادة الدول ووحدتها . 
وأخيرا ، وحيث أننا نؤمن بقيمة وأهمية مثل هذه الحوارات بين القيادات العربية رفيعة المستوى من كل الآفاق والمدارس، فاننا نوصي باستمرارية وانتظامية هذه الفعاليات الحوارية، وسيكون المغرب ، بلدكم الثاني، سعيدا باستضافتكم .