السيد رئيس البرلمان العربي المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة والبرلمانيون المحترمون؛
السيدات والسادة السياسيون والخبراء العرب،
السيدات والسادة رؤساء لجان الشؤون السياسية والعلاقات الدولية في المجالس والبرلمانات العربية؛
السيدات والسادة رؤساء أقسام العلوم السياسية في الجامعات العربية.
أتشرف أن أتناول الكلمة باسم لجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة بمجلس المستشارين بالبرلمان المغربي، لمناقشة الأسس والأهداف والأحكام التي ينبغي تضمينها في الاستراتيجية العربية من أجل بناء موقف وسياسة عربية موحدة للتعامل مع دول الجوار الجغرافي.
ولا داعي للتذكير أن المملكة المغربية سلكت دوما سياسة تنبني على الانفتاح على محيطها وإرساء علاقات تعاون مثمرة، بحكم موقعها الجغرافي المتميز، منسجمة مع تاريخها المجيد وحضارتها وقيمها العريقة المبنية على تلاقح الحضارات والتسامح والانفتاح. وقد تعزز هذا التوجه من خلال نهج سياسة الانفتاح الاقتصادي التدريجي، مما مكن المملكة المغربية من إبرام اتفاقيات للشراكة والتبادل الحر مع مجموعة من البلدان، ومن تكثيف شبكة الشراكات مع المؤسسات الدولية. ويندرج كل هذه ا في إطار المبادرات وسياسات التعاون التي يقودها جلالة الملك مع مختلف الدول الشقيقة والصديقة من أجل تعزيز الاستفادة من الفرص التي يتيحها موقع المملكة المغربية الاستراتيجي، وعمقها الإفريقي وانتمائها العربي، ووضعنا المتقدم مع الاتحاد الأوروبي وعلاقاتنا المتميزة مع بلدانه، وشراكتنا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذا اتفاقيات الشراكة والتعاون المبرمة مع العديد من الدول العربية والإفريقية والأسيوية.
وتعتبر العلاقات الثنائية المغربية مع الدول العربية متينة، تؤطرها معاهدات الصداقة والتعاون وحسن الجوار التي تجمع المغرب بهذه الدول. كما تشكل فرصة سانحة لتعزيز علاقات التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي ولإغناء الإطار القانوني الثنائي وإطلاق مبادرات جديدة للتعاون في مختلف المجالات. وتبعا لمحاور المداخلة سأحاول التطرق من خلال عنوان الندوة إلى المحاور المتضمنة في برقية الدعوة وخاصة العلاقات العربية مع:
-
الجمهورية الإسلامية الايرانية
-
الجمهورية التركية
-
دول الجوار الافريقي
-
دول الجوار الاوروبي
وكما لا يخفى عليكم، فإنه من الصعب الحديث عن العلاقات العربية مع الدول والتجمعات الإقليمية والقارية السالفة الذكر، بحكم التطورات المتسارعة والمتعددة في هذه العلاقات، هذه العلاقات التي تحظى بأهمية كبرى في السياسة الخارجية للمملكة المغربية، وتربطنا بالدول المكون لها شراكات شاملة واستراتيجية، إضافة إلى الروابط الاقتصادية والتجارية، وعمليات الاستثمار، وكذلك بالنظر إلى البعد الإنساني، حيث تقطن بالعديد منها جالية مغربية تقدر بالملاين.
علاقة المغرب مع الجوار الأوروبي
لقد استثمر المغرب في تطوير علاقاته مع الاتحاد الأوروبي منذ ما يقارب من خمسة عقود، وأصبح يتمتع اليوم بشراكة متميزة ومتعددة الأبعاد، بحيث تعد نموذجا للتعاون بين الاتحاد الأوروبي وجواره الجنوبي.
وللتاريخ وللذكرى فإن أول اتفاق تجاري تم توقيعه سنة 1969، تلته اتفاقية التعاون الشامل لسنة 1976، إلى حين توقيع اتفاقية الشراكة في سنة 1966، واعتبارا من مارس 2000، أبرم المغرب والاتحاد الأوروبي عدة اتفاقيات سمحت بتوسيع التعاون الثنائي في عدة مجالات اتفاقية فلاحية،
اتفاقيات وبروتوكولات الصيد البحري، اتفاق التعاون العلمي والتقني، اتفاق حول تسوية النزاعات التجارية.
وخلال شهر أكتوبر 2008، كان المغرب أول بلد في الجوار الأوروبي الذي يستفيد من "وضع متقدم" مع الاتحاد الأوروبي، حيث تعبر وثيقة الوضع المتقدم عن الإرادة المشتركة للاتحاد الأوروبي والمغرب لمواصلة التعاون الثنائي وتوسيع نطاقه ليشمل مجالات أخرى لا يغطيها اتفاق الشراكة. وخلال شهر دجنبر 2013، اعتمد الطرفان خطة عمل ثانية للتعاون الثنائي في إطار سياسة الجوار الأوروبية للفترة 2013-2017، بعد الخطة المعتمدة في يوليوز 2005، بهدف تنفيذ توصيات النظام الأساسي المسبق والالتزامات لتعزيز العلاقات الثنائية.
وبخصوص الحوار السياسي فقد اتفق الطرفان على تبني حوار منتظم، يسمى الحوار السياسي المعزز، حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، وحل النزاعات.
أما بخصوص العلاقات التجارية والاقتصادية فيعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للمغرب وأكبر مستثمر أجنبي في البلاد. وقد أدى إبرام العديد من الاتفاقيات إلى إلغاء التعريفات الجمركية بشكل نهائي على المنتجات الصناعية وعدد كبير من المنتجات الفلاحية والمنتجات السمكية، وعزز تطور التجارة بين الطرفين بشكل كبير.
ولقد تمت الإشادة غير ما مرة بالدور الريادي للمملكة المغربية في المنطقة وبدينامية الانفتاح والتطور التي تشهدها، وكذا بالدور المحوري الذي تضطلع به بلادنا على المستوى الاتحاد الأوروبي. كما نوهت هذه الدول بالنموذج الديمقراطي المغربي المتميز تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، وأشادت بالمقاربة المغربية الرائدة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وبالدور الريادي للمغرب في محاربة الغلو والتطرف من خلال مقاربة شاملة وفي سياق يعزز الإسلام الوسطي السمح المتشبع بقيم الاعتدال والتسامح.
العلاقات المغربية مع الجوار الإفريقي:
عرفت الدبلوماسية المغربية في إفريقيا تطورا لافتا خلال السنوات الأخيرة، وذلك في إطار إعادة رسم السياسة الإفريقية للمملكة من أجل إعطاء التعاون جنوب-جنوب، ببعده الإنساني والتضامني، مدلوله الحقيقي القائم على تعزيز الروابط التاريخية العريقة مع القارة الإفريقية.
وتقوم هذه الرؤية على فلسفة تلغي المنطق الضيق للمصلحة الوطنية وتجعل من التعاون جنوب -جنوب جسرا للتضامن مع الشركاء الأفارقة يأخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى المصير المشترك، التجذر التاريخي للمغرب في القارة السمراء ، حيث تحولت المملكة المغربية من بلد عبور إلى بلد استقرار للأغلبية المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء.
وتجسيدا لهذا التضامن قدم كل الدعم والمساندة لحركات التحرير الإفريقية، واحتضن أول لقاء لزعماء حركات التحرر في البلدان الخاضعة للاحتلال البرتغالي.
وقد جعل المغرب من قضايا التنمية في إفريقيا أولوية أساسية في نشاطه الدبلوماسي داخــل مختلف المحـافل الإقليمية والدولية مطالبا المجتمع الدولي بوضع برنامج تنموي طموح لصالح إفريقيا، وتمشيا مع هذه الإرادة السياسية الثابتة، وإذا كان هذا البعد الإفريقي في السياسة المغربية قد أملاه الامتداد الطبيعي والاستراتيجي للمغرب في إفريقيا، فإنه نابع أيضا من إرادة العهد الجديد في إرساء تعاون متنوع مع الدول الإفريقية، التي تعكس بحسب خبراء العلاقات الدولية تطلعات المغرب إيجاد موطئ قدم قوي في إفريقيا وقد عرفت الدبلوماسية في العهد الجديد للمغرب تطورا لافتا على المستوى الإفريقي، تجلى في إعادة توجيه سياستها على البعد الديني، وتعميق الارتباطات الدينية، والتي ظلت وثيقة ولا تزال، وتجليات هذا الارتباط متعددة وبارزة في النهل المشترك من المذهب المالكي، وهو السائد في كثير من الدول الإفريقية وفي الطرق الصوفية.
وبهذا الخصوص، تشيد العديد من الدول الإفريقية المسلمة بالنموذج الديني المعتدل للمملكة المغربية، وبرغبة بعضها في الاستفادة من التجربة المغربية الناجحة في تكوين الأئمة والوعاظ.
أضف إلى كل ذلك، اتخاذ المملكة المغربية للعديد من المبادرات الملموسة من أجل إحلال السلم والاستقرار في القارة الإفريقية، حيث نظم في غشت 2009 المؤتمر الوزاري لدول حوض المحيط الأطلسي، جمعت 23 دولة إفريقية، وتبنت "إعلان الرباط"، دعا إلى تقوية التعاون والتضامن والعمل المشترك وتبادل الخبرات والتجارب من أجل مواجهة التحديات المرتبطة بالأمن والاستقرار، وعلى رأسها القرصنة البحرية والجريمة عبر الوطنية والهجرة السرية، وتأمين منطقة الساحل والصحراء.
العلاقات المغربية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية:
عرفت العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تردداً بين الاستقرار تارة والاضطراب تارة أخرى، وذلك لارتباطها الوثيق بالعوامل السياسية الخارجية والداخلية، حيث لم تتمكن الآلة الدبلوماسية من إيجاد حلا ناجعاً خلال السنوات الماضية.
فبالرغم من البعد الجغرافي بين البلدين فإن تقييم استراتيجية العلاقة بين البلدين ونقطة تقاطع الدين والتباين المذهبي من جهة، والمنظومة الخليجية التي توجد في منطقة تماس مع إيران من جهة أخرى.
إن المتتبع لتطور العلاقات المغربية-الإيرانية في الوقت المعاصر، يلاحظ هذا طابع المميز للعلاقات الدولية الذي طبع العلاقة بين البلدين، فتأخذ العلاقة تارة التوافق والتعاون، والقطيعة والتصعيد إلى أبعد الحدود تارة أخرى، حيث عاد المغرب وإيران إلى استئناف العمل الدبلوماسي بين البلدين سنة 2014 بعد قطيعة دامت حوالي خمس سنوات، بعد أن دعا المغرب الجانب الإيراني لحضور اجتماع لجنة القدس قبل شهر من تاريخه والمنعقد بمدينة مراكش، معلناً بذلك انفراجاً في العلاقات بين البلدين
وعاد ت العلاقات المغربية الإيرانية للتوتر والقلق مجددًا سنة 2018 حيث قررت الرباط قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بسبب التورط الإيراني الواضح في المس بالوحدة الترابية للمملكة المغربية.
وينتج على قطع العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين توقف القنوات العادية للاتصال فيما بينهم، وإغلاق السفارات والبعثات الدبلوماسية للدولتين المعنيتين واستدعاء أعضاء تلك البعثات.
التضامن مع القضايا العربية والإسلامية
يعد التضامن العربي والوحدة العربية من المصالح الوطنية الاستراتيجية للمملكة المغربية، وقد دافع المغرب على الدوام، من موقع وزنه الروحي والسياسي، وبصفته رئيسا للجنة القدس منذ يوليوز 1975 عن قضايا العالم الإسلامي وحـرمة الأماكـن الإسلامية المقدسة، وتبنى الدفاع عن الرسالة العربية القومية والتي جوهرها، من خلال الدفاع عن القضية الفلسطينة ، وعروبة القدس وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وقد عبرنا من خلال بلاغات مجموعة الصداقة والتعاون المغربية الفلسطينية بمجلس المستشارين المغربي التي أتشرف برئاستها، على تضامننا المطلق واللامشروط مع قضية الشعب الفلسطيني. ونؤكد مرة أخرى أننا مستعدون للعمل سوية من أجل تحقيق حلم تحرير الوطن العربي من الهيمنة والنفوذ الأجنبيين، وكذلك العمل من أجل التوافق العربي في كل القضايا العالقة.
وفي هذا الإطار فنحن مطالبون بتفعيل مؤسسات منظمة التعاون الإسلامي ووضع الأسس القوية لشراكة عربية مندمجة وبناء نظام جماعي حيوي يهدف إلى تطوير آليات العمل العربي المشترك، نظام متجدد وفعال، يوفر الشروط الموضوعية للتعاون البيني وتشجيع الاستثمار وتأهيل الاقتصاد والإنسان العربي وتحسين أدائه، نظام حديث كفيل برفع تحديات العولمة والانخراط في مجتمع المعرفة والاتصال، وتكريس مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، في مراعاة لخصوصيات ومقومات كل بلد وشعب بإرادته المستقلة وحسب وتيرة تطوره.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته