السيد مصطفى الرميد المحترم، وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان،
السيد ألان بيث المحترم، عضو مجلس اللوردات البريطاني،
السيد فرانكلين دو فريز المحترم، كبير مستشاري الحكامة بمؤسسة وستمنستر للديمقراطية،
السيدة دينا ملحم المحترمة،مديرة برامج وستمنستر للديمقراطية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا،
السيد محمد بن الطالب المحترم، ممثل الأمانة العامة للحكومة،
زميلاتي وزملائي السيدات والسادة المستشارين المحترمين،
أيها الحضور الكريم...
يشرفني أن أرحب بكم في ورشة عمل اليوم حول "المراقبة البعدية لتطبيق القوانين" أو مايُطلق عليه أيضا "بعملية تقييم البرلمان لمدى تنفيذ القوانين"،والتي ينظمها مجلسنا بتعاون مع شريكنا الاستراتيجي مؤسسة وستمنستر للديموقراطيةالتي نشكرها على كل الدعم الذي تقدمه لمجلسنا والمواكبة المستمرة لكل أنشطتنا تفعيلا لمذكرة التعاون التي تربط بيننا.
في البدايةأود الإشارة إلى أن موضوع ورشة اليوم يكتسي طابعا خاصا وأصبح يحضى باهتمام متزايد على المستوى الدولي،بحيث أن عدة برلمانات أصبحت تنص في أنظمتها الداخلية على عملية المراقبة البعدية للقوانين والتي تكتسي بعدين: الأول يتمثل في تقييم عملية التشريع ودخول القوانين المصادق عليها حيز التنفيذ، والثاني يشمل تقييم مدى تحقق النتائج السياسية المراد تحقيقها من القانون،ومن المفروض أن يعمل البرلمان على تحقيق البعدين معا للمساهمة في تجويد القانون وتحقيق الصالح العام.
وإذا انطلقنا من تجربتنا المغربية فسنجد أن مؤسستنا التشريعية عملت، ولو بشكل يحتاج إلى مزيد من التدقيق والتطوير والتعزيز،على التنصيص في النظام الداخلي لكل من مجلس المستشارين ومجلس النواب على آليات لتمكين السادة البرلمانيين من تتبع ورصد مسار تنفيذ القوانين والحرص على تحقيق أهدافها المنشودة.وتتطرق تحديدا المادة 59 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين الجاري به العمل منذ شهر يوليوز 2014،إلى دور البرلمان في المراقبة البعدية لتطبيق القوانين. حيث تنص المادة المذكورة على ما يلي: "يمكن عند الاقتضاء، أن تنبثق عن اللجن الدائمة للمجلس، من بين أعضائها، لجانا فرعية، يعهد إليها بتعميق دراسة نصوص قانونية محالة عليها، أو إعداد مقترحات أو صياغة تعديلات تتعلق بالنصوص القانونية المعروضة عليها، أو القيام بمهام استطلاع حول مواضيع محددة تتعلق بظروف تطبيق نص تشريعي معين أو مواضيع تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني أو بنشاط من أنشطة الحكومة أو الإدارات أو المؤسسات والمقاولات العمومية".
وبموجب هذا النظام الداخلي أيضا، يعزى دور المراقبة البعدية لتطبيق القوانين إلى جميع اللجان الدائمة في مجلس المستشارين، كما يقوم المستشارون البرلمانيون بمناقشة تقارير المؤسسات الدستورية مع الحكومة في الجلسات العامة (مثل تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الوطني لحقوق الانسان)، والقضايا المتعلقة بالسياسة العامة في الجلسات الشهرية مع رئيس الحكومة، وكذا تقييم السياسات العمومية في الجلسات السنوية.
وهو ما عمل مقترح النظام الداخلي الجديد لمجلس المستشارين، الذي تمت الموافقة عليه خلال الأسبوع المنصرم وإحالته من جديد على المحكمة الدستورية للبت في دستوريته، على التنصيص عليه من جديد،خصوصا في المادة 117 التي تنص على مايلي:"يمكن للجان الدائمة أن تشكل لجانا فرعية من بين أعضائها، تكلف بتعميق دراسة جانب من الجوانب المتعلقة بمشاريع أو مقترحات القوانين التي أحيلت إليها أو التعديلات المقدمة بخصوصها.كما يمكن للجان الفرعية تتبع شروط وظروف تطبيق النصوص التشريعية التي تدخل في اختصاص اللجان الدائمة وتقييم آثارها على المجتمع....".
وفي ذات السياق، تنص المادة 122 على مايلي:"تسجّل اللجان الدائمة التزامات وتعهدات أعضاء الحكومة في تقاريرها المرفوعة إلى المجلس، ويعد مقرّروها تقارير خاصة عن مدى التزام الحكومة بإصدار المراسيم التطبيقية للنصوص القانونية التي صادقت عليها وعن اتخاذها للإجراءات التي تعهدت بها، وذلك بعد ستة أشهر من مناقشة المجلس لتقرير اللجنة المعنية...".
حضرات السيدات والسادة؛
إننا نستغل هذا اللقاء لننوه بالعمل الجبار الذي تقوم به مؤسسة وستمنستر للديموقراطية بخصوص هذا الموضوع والتي قامت بتطوير عدد كبير من الأدوات والآليات في مجال المراقبة البعدية لتنفيذ القوانين،وطور تعدة واجهات للتعاون مع العديد من البرلمانات في كل أنحاء العالم التي تتبنى مثل هذه الممارسات والآليات في إطار مهمة الرقابة المنوطة بها.
لذلك ستكون هذه الورشة مهمة لنا، كبرلمانيين أو حتى بالنسبة لموظفي وأطر مؤسستنا وحتى للخبراء في العمل البرلماني، لأنها ستساعدنا على تطوير وتعزيز ممارستنا في المراقبة البعدية لتنفيذ القوانين،وستسمح لنا بالاستفادة من الممارسات الحية والفضلى المستوحاة من التجارب الرائدة في هذا المجال، وبالخصوص أن هذه المراقبة البعدية تعتبر من أهم آليات مساءلة الحكومة.وعلاوة على ذلك، تُشكّل آلية هامة يمكن من خلالها تحديد الآثار السّلبية المحتملة للقوانين الجديدة على الحقوق الأساسية والحيلولة دون وقوعها.
ومن خلال التجارب المقارنة، فإننا نجد أن من الأسباب الملزمة التي تبرر عملية القيام بالمراقبة البعدية لتنفيذ القوانين: الالتزامات الوزارية من جهة، والنصوص القانونية بذاتها التي تنص على مراجعة القوانين من جهة ثانية، وإن كان من المبادئ المسلم بها أن البرلمان يستطيع القيام بالمراقبة البعدية لأي قانون يشاء تقييم آثاره، حتى وإن لم يتم إدخال مقتضى ينص على إلزامية إخضاع ذلك القانون للمراقبة البعدية أثناء العملية التشريعية.وهناك إجماع على أن هذه العملية تساهم في قياس تأثير القانون على المجتمع وتسمح بالتالي بتجويده وتحقيق الصالح العام، كما تمنح فرصة لتقييم أثر التشريع الذي يتقاطع مع مختلف القوانين مثل تلك المتعلقة بمقاربة النوع مثلا.
حضرات السيدات والسادة؛
أود بهذه المناسبة أن أشير إلى أن مجلس المستشارين عمل، كسابقة من نوعها و بمجهودات ذاتية، على إعداد قاعدة معطيات متكاملة حول تتبع التزام الحكومة بنشر النصوص التنظيمية المنصوص عليها في القوانين الصادرة عن البرلمان، خلال الفترة الممتدة من صدور الأمر بتنفيذ الدستور الجديد لسنة 2011 إلى غاية 31 دجنبر 2019.
وقد شمل الجرد 292 قانونا صدرت خلال الفترة المشار إليها، 135 منها غير مرهونة بصدور أي نص تطبيقي، و157 قانون تحيل على 559 نص تطبيقي، وقد نشر منها 325، أغلبها صدر في إطار مرسوم واحد يطبق مجموع مواد القانون المعنية، في حين لا يزال 243 مرسوما لم يصدر بعد، علما بأن الجانب الأكبر من القوانين يهم الاتفاقيات الدولية التي تخضع لضوابط خاصة لا ترتبط بالضرورة بالمجال التنظيمي.
وقد خلصت الدراسة إلى جملة من الخلاصات القيمة، والتي ستشكل مداخل أساسية لمجلس المستشارين في مساءلة الحكومة حول تنفيذ القوانين وتقييم مدى تحقيق النصوص القانونية للنتائج المتفق عليها تشريعيا بين البرلمان والحكومة على مستوى البنية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للدولة. ومن هذه الخلاصات نذكر :
1- الصدور المنتظم للنصوص التطبيقية ذات الارتباط باستمرارية المرافق العمومية وبقاعدة سنوية الميزانية، وبالمجالات الإستراتيجية للدولة، في الوقت المناسب، وتتعلق في أغلبها بالاستحقاقات الانتخابية، وبتطبيق قوانين المالية؛
2- الانعكاس السلبي لوضعية حكومة تصريف الأعمال على وتيرة إصدار النصوص التطبيقية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 7 أكتوبر 2016 إلى غاية 26 أبريل 2017، باعتبار أن المصادقة على المراسيم التنظيمية لا تندرج ضمن تصريف الأمور الجارية؛
3- التأخر الملحوظ في إصدار الغالبية الساحقة للمراسيم التطبيقية (4 سنوات، 3 سنوات...).
4- التباين في صياغة عناوين النصوص التطبيقية، بين مراسيم تحدّد بدقّة في عنوان المرسوم المواد التي يطبقها القانون، ومراسيم أخرى صيغت بشكل شبه عام تعمل على تطبيق بعض مقتضيات القانون المعني، وصنف ثالث يحيل على القانون برمته، وصنف رابع لنصوص تطبيقية بناء على مواد من القانون لا تحيل على أي نص تنظيمي.
5- تقييد تطبيق بعض القوانين بنشر النصوص التطبيقية.
6- التضخم في الإحالة على النصوص التطبيقية، بصورة تساهم في إفراغ القانون من محتواه وفي تكريس تقييد الحكومة لمجال القانون، ومن الأمثلة على ذلك:
- القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء الذي يحيل على 77 نص تطبيقي؛
- القانون رقم 40.13 المتعلق بمدونة الطيران المدني الذي يحيل على 64 نص تطبيقي؛
- القانون رقم 142.12 يتعلق بالأمن والسلامة في المجالين النووي والإشعاعي وبإحداث الوكالة المكلفة بمراقبتهما، الذي يحيل على 42 نص تطبيقي.
7- عدم التمييز بين النصوص التنظيمية التطبيقية والقرارات الوزيرية.
8- تقييد تطبيق النصوص التنظيمية التطبيقية بنشر القرارات الوزيرية.
9- المصادقة بنصوص تنظيمية على أنظمة داخلية وخاصة ومخططات جهوية.
10- عدم تحديد القانون بدقة لعدد النصوص التطبيقية التي يحيل عليها.
11- استمرار العمل بنصوص تطبيقية صادرة طبقا لنصوص قانونية قديمة تم نسخها إلى حين نشر النصوص التطبيقية الجديدة.
وكل هذه الخلاصات توقف عندها التقرير بتدقيق وبتفصيل، وسنعمل خلال الأيام القليلة على تعميم هذا التقرير على كل هياكل المجلس، ونشره على أوسع نطاق.
حضرات السيدات والسادة؛
رغم أهمية عملية المراقبة البعدية لتطبيق القوانين، فإننا واعون أن القيام بها يستلزم عملا حقيقيا وجادا على كل المستويات بدءا من إدراجها في النظام الداخلي للمؤسسة التشريعية بشكل واضح وهادف، وإلزامية تخصيص الموارد لهذه العملية سواء تعلق الأمر بتقوية مواردنا البشرية وتوظيف التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، أو من خلال تخصيص وحدة إدارية أو مصلحة خاصة أو لجنة موضوعاتية للقيام بذلك. كما أن هناك ضرورة لإشراك جميع الفاعلين في هذه المهمة والحصول على معلومات موثوقة ودقيقة لكي تكون نتائج هذه المهمة ذات مصداقية.
ومما يجب أن نستحضره في هذا السياق هو أن دخول القوانين حيز التنفيذ يتطلّب نشر وتطبيق المراسيم التطبيقية المتعلقة بها، مما يجعل دور السلطة التنفيذية في عملية تطبيقها حاسما ومحوريا وبالتالي يشكل التعاون معها أمرا أساسيا للحصول على المعلومات.كما أنه لا بد من إشراك المجتمع المدني وباقي الفاعلين الآخرين في توفير المعلومات الكفيلة بتمكين البرلمان من القيام بعملية المراقبة البعدية بشكل جيد.
وفي هذا الإطار ننبه إلى أنه لا يجب أن تنحرف هذه المراقبة البعدية لتطبيق القوانين عن أهدافها، وأن تتحول في المقابل إلى مجرد نقاش وجدال سياسي لا يقدم أي تقييم حقيقي موضوعي وذا مصداقية للقوانين المراد مراقبة مدى تطبيقها، بل يجب توفير جميع الشروط والضمانات لكي تكون هادفة وموضوعية وشاملة لتحقيق الأهداف المبتغاة من هذه العملية، مما سيمكن من وضع إجراءات محددة لمعالجة نتائج المراقبة البعدية أو القيام بالتعديلات المناسبة للقوانين الخاضعة للمراقبة.
كما يجب الانتباه إلى ما يكتسيه البعد الزمني من أهمية قصوى من خلال ضرورة تحديد المدة الزمنية المقبولة والمنطقية للقيام بعملية المراقبة البعدية للقوانين بعد إصدارها، لأنها ستسمح بإعطاء هذه النصوص الزمن المعقول لتنزيلها، وستمكن من تحديد الآثار السلبية وأوجه النقص في الوقت المناسب.
ومن خلال التجارب المقارنة نجد أن من بين أنجع الآليات لضمان إجراء مراقبة بعدية للقوانين هي التنصيص في نص القانون على هذه المراقبة بعد فترة زمنية معينة. كما أنه لتكون عملية المراقبة البعدية ذات جودة وفعالية ينبغي اختيار النصوص القانونية المناسبة للمراقبة من حيث الوقت والموارد المتوفرة.
هذه بعض العناصر التي يبدو لي من الواجب استحضارها في نقاش اليوم، الذي ليس لدي أدنى شك أنه سيكون مفيدا وغنيا، وبالخصوص الاطلاع على التجربة الغنية التي راكمها برلمان بريطانيا ومؤسسة وستمنستر للديموقراطية في هذا الموضوع ولقيمة الخبراء الذين سيشرفون على تأطير هذه الورشة.
شكرا لكم ولَكُنَ مرة أخرى على المشاركة في هذه الورشة التي أتمنى أن تكلل بالنجاح وأن تحقق النتائج المرجوة منها،وشكرا على حس الإصغاء والمتابعة.