تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة رئيس مجلس المستشارين خلال اليوم الدراسي المخصص لتقديم نتائج الدراسة التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول: "الطبقة الوسطى بالمغرب".

2021-05-20

السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المحترم؛

السيدات المستشارات والسادة المستشارين المحترمين؛

حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته؛

أيها الحضور الكريم؛

في البداية أود أن أرحب بالحضور الكريم، في هذا اليوم الدراسي الذي سنخصصه لتقديم نتائج الدراسة المهمة وغير المسبوقة التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "الطبقة الوسطى بالمغرب"، والتي تندرج في إطار استمرارية الدينامية التي تجسدها الشراكة المؤسساتية النموذجية بين مؤسستينا، وفي سياق تنفيذ التوصيات الصادرة عن المنتدى البرلماني الدولي الخامس للعدالة الاجتماعية الذي نظمه المجلسان، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يوم الأربعاء 19 فبراير 2020، تحت شعار "توسيع الطبقة الوسطى: قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي".

وتأتي هذه الدراسة، أيضا، في سياق الاستشراف المؤسساتي الجماعي لمعالم النموذج التنموي الجديد، من أجل الإجابة على مجموعة من التحديات وبالخصوص التحديات السبع ذات الصلة كما جاءت في أرضية هذا اليوم الدراسي الموجودة بين أيديكم.

ونود بالمناسبة أن نجدد للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، رئيسا وامانة عامة واطرا، الشكر ونحييه على العمل الجبار الذي يقوم به باعتباره مؤسسة دستورية مستقلة تقدم آراء استشارية قيمة وناجعة حول الاختيارات التنموية الكبرى والسياسات العمومية في مختلف الميادين،

حضرات السيدات والسادة الأفاضل،

أول مرة طرح فيها موضوع الطبقة المتوسطة على أعلى مستوى مؤسساتي كانت بمناسبة بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2008، حينما أثار جلالة الملك في خطابه السامي بهذه المناسبة الانتباه إلى موضوع هذه الطبقة بأن أعطى تعليماته للحكومة من أجل الحرص على "ضرورة أن يكون الهدف الاستراتيجي للحكومة هو توسيع الطبقة الوسطى، لتشكل القاعدة العريضة وعماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع". بعد حوالي عشر سنوات أعاد جلالة الملك في خطابه السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب (20 غشت 2019) التأكيد على أهمية الطبقة الوسطى من منطلق أنها تشكل قوة إنتاج وعامل تماسك في "البناء المجتمعي ...يتعين العمل على صيانة مقوماتها وتوسيع قاعدتها وفتح آفاق الترقي منها وإليها" مشدداً جلالته على أن هذه التحديات "لن يتم رفعها إلا بتحقيق مستويات عليا من النمو وخلق المزيد من الثروات وتحقيق العدالة في توزيع ثمارها".

وبناء على هذه التوجيهات السامية لصاحب الجلالة والأهمية التي أولاها ويوليها لهذا الموضوع، خصصنا الدورة الخامسة للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية والذي دأب مجلسنا على تنظيمه كل سنة تحت الرعاية الملكية السامية احتفاءاً باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، كمساهمة من المجلس =تنضاف لمساهمات أخرى= في مسار بناء النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية، ولقد تمخض عن هذه الدورة عدد من التوصيات المهمة الرامية إلى النهوض بالطبقة المتوسطة، ومن بينها تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإعداد هذه الدراسة التي ستقدم نتائجها اليوم.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

قبل الانصات إلى نتائج الدراسة التي أنجزها المجلس اسمحوا لي أن أعيد التذكير والتأكيد على الأدوار الأساسية والمتعددة التي تلعبها هذه الطبقة في كل المجتمعات والدول. فرغم اختلاف وتعدد معايير تحديد من يمكن تصنيفهم في خانة الطبقة المتوسطة، إلا أن هناك اجماع بين مختلف الباحثين والعلماء على أهميتها ودورها على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي والسياسي.

أما في بلادنا فرغم أهمية الدراسات التي أنجزت حول تحديد حجم وخصائص هذه الطبقة الوسطى في المغرب و نخص بالذكر هنا دراسة المندوبية السامية للتخطيط وتقرير للبنك الدولي اللتين اختلفتا في معايير تحديد هذه الطبقة، فإنها تظل تفتقر إلى الدقة والتفصيل نظراً للصعوبات المنهجية والموحدة في تعريفها و تحديد مفهومها وعناصرها لمعرفة أثرها ودورها وأهمية حجمها في المجتمع ، وذلك نتيجة تداخل مكوناتها و كذا تداخل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في تحديد هويتها، إضافة إلى غياب قاعدة بيانات يتم تحيينها باستمرار، وهذا ما أكدته الدراسة الحالية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي هي محور لقاءنا اليوم.

لذلك سنجد أن أغلب ما أنجز حول الطبقة المتوسطة في بلادنا من دراسات سوسيولوجية، واقتصادية، واحصائية...، رغم قلتها ومحدويتها، تدفعنا إلى الإقرار بأهمية وملحاحية أن تتوفر بلادنا على تصور مؤسساتي علمي يمكن ان يشكل أساس السياسات العمومية التي تحتاج اليها بلادنا في ظرفية تتأهب فيها لاطلاق جيل جديد من الإصلاحات على قاعدة النموذج التنموي الجديد الذي ننتظر الإعلان عن مضامينه

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

إن موضوع الطبقة المتوسطة يشكل رهانا وتحديا مجتمعيا ذا اشكاليات كثيرة ومتعددة الأبعاد، وهو موضوع محوري وحيوي ويشغلنا جميعا وعلى كافة المستويات. وبالتالي فإن هذه الدراسة التي ستقدم اليوم هي استكمال لنقاشنا العمومي والتعددي الذي بدأناه خلال الدورة الخامسة من المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية لإثارة انتباه مختلف الفاعلين، وخاصة من يوجدون منهم في مواقع صناعة القرار، إلى ضرورة الوعي بأهمية هذه الطبقة ودورها في المجتمع، غير أن هذا الوعي يجب أن يقترن بإرادة سياسية حقيقة وقوية تجعل هذه الطبقة في صلب نموذجنا التنموي المنشود والذي يجب أن يفتح صياغته الآفاق أمامها ، على اعتبار أنها ستلعب دورا أساسيا في إنجاحه، وأنه لا يمكن لبلادنا أن تحقق إقلاعها الاقتصادي وتحافظ على سلمها وتماسكها الاجتماعيين واستقرارها السياسي دون صيانة وتوسيع وتدعيم هذه الطبقة، وانصافها عن الأضرار الناتجة عن الأعطاب التي أعاقت المصعد الاجتماعي.

وفي هذا الاطار ، قدمنا عدد من المقترحات والتوصيات في كلمتنا خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعي في دورته الخامسة، والتي شكلت جزءا من توصيات أخرى متعددة خرج بها المشاركون والمشاركات في هذا المنتدى والتي تهدف كلها إلى توسيع وتقوية ودعم وصيانة مكانة الطبقة الوسطى الوطنية من خلال جعلها في قلب مختلف السياسات العمومية وتمكينها من لعب دور المحرك الرئيسي لمسلسل الاقلاع الشامل، والثورة التنموية والاجتماعية التي يسعى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى تحقيقها لبلادنا.

لذلك سنستمع اليوم بكل امعان لنتائج الدراسة التي أعدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي مشكورا والتي لامحالة ستسلط الضوء على العديد من القضايا والاشكالات المرتبطة بهذه الطبقة، وليس لدينا أدنى شك أن السبل والمداخل الثمانية الكبرى التي حددتها الدراسة لتوسيع نطاق هذه الطبقة وتعزيز قدرة أفرادها على الصمود إزاء التقلبات والصدمات الخارجية المحتملة التي قد تؤدي إلى تراجعهم الاجتماعي. إضافة إلى التوصيات التي صاغتها لتحديد نطاقها وخصائصها بشكل أفضل من خلال اقتراح عناصر تعريف بديل للطبقة الوسطى، ومن جهة أخرى المحافظة عليها وتعزيز وتوسيع حجمها لتتمكن من الاضطلاع على الوجه الأكمل بدورها في النهوض بتنمية البلد. ستمكننا اليوم من التوفر على دراسة مرجعية مهمة يجب أخذها بعين الاعتبار وبالجدية المطلوبة من طرف جميع الفاعلين.

وفي الأخير أشكركم على حسن اصغاءكم، والسلام عليكم ورحمة الله.