معالي السيد رئيس برلمان أمريكا اللاتينية والكاراييب
السادة رؤساء الاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية بإفريقيا وأمريكا اللاتينية والكراييب
زميلاتي زملائي البرلمانيين المحترمين،
السيدات والسادة،
يشرفني في البداية أن أنقل إليكم من أرض السلام والحوار والتعايش، أرض المملكة المغربية، أزكى وأطيب التحيات ومشاعر الأخوة الصادقة.
كما يشرفني أن أعبر باسم الوفد المغربي عن سعادتي واعتزازي الكبير، وهو في الحقيقة اعتزاز متعدد ولاعتبارات كثيرة وكبيرة:
فهو اعتزاز باللقاء بأخواتي وإخواني برلمانيي أمريكا اللاتينية والكاراييب،
وهي سعادة واعتزاز، للتواجد بجمهورية بنما الصديقة، ولما لقيناه من استقبال أخوي صادق،
كما أنه اعتزاز وسرور بالتواجد بمقر منظمة برلمانية شريكة وجديرة بالتقدير، مقر البرلاتينو،
والاعتزاز الأكبر أن ألج اليوم مقر منظمتكم الصديقة، ويكون أول ما يتناظر إلينا هو الفضاء المغربي بمقركم الموقر، وهو الفضاء الذي تفضل جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بإطلاق اسم جنابه الشريف عليه، ليكون بذلك، بجانب كونه فضاء يعرفكم على الثقافة والحضارة المغربية بمكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، وروافدها الإفريقية، والأندلسية والعبرية والمتوسطية، فضاء ورمزا يشهد على ما راكمناه سويا في مسار التعاون والتواصل والعلاقات الأخوية النبيلة، وهي المشاعر التي تقاسمها مع الوفد المغربي، رئيسا منظمتين برلمانيتين وازنتين على المستويين الجهوي والإقليمي بقارتنا الإفريقية، صديقي وأخي معالي السيد محمد علي حوميد، رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي، والصديق والأخ سيدي محمد تونيس، رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)سيدياو).
ولا أود البدء في تقاسم بعض الأفكار والمقترحات وإياكم، دون تجديد التعبير عن مشاعر التقدير والامتنان، للسيدين رئيسي برلمان أمريكا اللاتينية، الأخ خورخي بيزارو سوطو، وسلفه السيد الياس كاستيو، لما لمسناه دائما في شخصهما من استعداد كبير لمد جسور التواصل والتعاون، على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف، وكذا لما جسداه معا من تقدير كبير واحترام صادق، ومواقف نبيلة بخصوص القضايا العادلة لبلدي، المغرب.
السيد الرئيس
السادة الرؤساء، زميلاتي زملائي البرلمانيين المحترمين
إننا وإذ نعبر اليوم لكم ومن خلالكم لكافة مكونات البرلاتينو عن عبارات التقدير والامتنان، فإننا نسجل بذلك أيضا ارتياحنا الكبير لمستوى تحقيق وبلوغ الأهداف التي سطرناها سويا، وكذا اعتزازنا العميق لمسار علاقاتنا سواء مع برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب الذي نعتبره اليوم مؤسسة صديقة وشريكة للبرلمان المغربي، أو مع باقي البرلمانات الوطنية والجهوية بالمنطقة، فهو بالتأكيد مسار غني ومثمر، ومسار تغذيه ذاكرة تاريخية مشتركة، وعمق حضاري وثقافي متقاسم، ونحن اليوم مطوقون بمسؤولية تعزيزه ونقله إلى فضاءات أرحب من التعاون المثمر لما فيه صالح بلداننا وشعوبنا.
إن تواجدنا معكم اليوم، وإصرارنا على المزيد من الصداقة والتعاون معكم، نابع من قناعات أصيلة وراسخة لدى كافة مكونات الشعب المغربي، وأهمها إيماننا المطلق بأهمية دعم كل المبادرات التضامنية، وكل المشاريع الاندماجية، وخصوصا المرتبط منها بالتعاون جنوب- جنوب، لما له من أهمية قصوى في تعزيز الحوار والتضامن وتحقيق التنمية، فلاشك أن انضمام البرلمان المغربي لتكتلكم الإقليمي الهام قد جاء تجسيدا لقناعة المغرب الراسخة بأهمية الدور الطلائعي الذي تلعبه اليوم التكتلات الإقليمية والجهوية في عالم متنامي التحولات والتغيرات، و هو قبل كل هذا وذاك، قرار ينسجم مع الخيار الاستراتيجي لبلادنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتعزيز التعاون جنوب-جنوب، وهو ما جسدته الزيارة التاريخية لجلالته لبلدان أمريكا اللاتينية سنة 2004 وما وازاها ولحقها من دبلوماسية ملكية مباشرة ومبادرات تنموية تضامنية في قارتنا الإفريقية منذ اعتلاء جلالته لعرش أسلافه المنعمين.
السيد الرئيس
السيدات والسادة
إن اجتماعنا هذا ينعقد في ظروف دولية صعبة واستثنائية، جراء التبعات السلبية لجائحة كوفيد 19 على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وهي في الحقيقة تداعيات يمكن اعتبارها إضافة وانعكاسا لاختلالات بنيوية سابقة، تمتد من مخلفات قيود الاستعمار واستنزاف الثروات، إلى تجليات لا عدالة منظومة العلاقات الدولية، سواء ما يتعلق بالعدالة المناخية أو الصحية أو السوسيواقتصادية، فقد عاش عالمنا خلال السنة الأولى من الجائحة أسوء كساد اقتصادي منذ حوالي قرن من الزمن، حيث أن الاقتصاد العالمي سجل نموا سالبا غير مسبوق، مع وصول نسبة المديونية العامة العالمية لمستويات قياسية وغير مسبوقة من الناتج الداخلي العالمي. كما أن خارطة الفقر العالمية اتسعت ب 150 مليون شخص في هذه السنة (8 من عشرة منهم سيكونون في الدول ذات الدخل المتوسط) وخصوصا بدول الجنوب ولاسيما منطقتني افريقيا وأمريكا اللاتينية. لكن مع كل ذلك فقد شكل التوجه العالمي نحو التلقيح أملا كبيرا من أجل ضمان التعافي الاقتصادي والاجتماعي وهو ما تجلى في المؤشرات الايجابية للاقتصاد العالمي خلال سنة 2021 وهي مؤشرات وأرقام سنقف عندها بتفصيل وتحليل أدق خلال قمة الرؤساء التي سنعقدها غدا إن شاء الله.
حضرات السيدات والسادة،
إن استعراضنا لبعض من هذه المؤشرات، ولحجم التحديات الغير مسبوقة المطروحة على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية لدولنا ودول الجنوب عموما، ليس بغرض رسم صورة سوداوية عن حاضرنا ولا عن المستقبل، بل إن الغاية هي التأكيد على أن تاريخنا المشترك، توحده قدرتنا وإصرارنا التاريخي على جعل الأزمات فرصا تحمل في تعقداتها وسياقاتها مؤشرات انطلاقة جديدة نحو فضاء أوسع، وغد أفضل كله أمل.
والأمل لدينا هنا، ليس مجرد ارتسام أو طموحات مستقبلية، بقدر ما يستند على معطيات ومرتكزات أساسية، سواء في شقها السياسي أو الاقتصادي أو السوسيو ثقافي.
فعلى المستوى السياسي، وإن كان واقعنا اليوم بالمنطقتين الإفريقية والأمريكو لاتينية، تحكمه العديد من الاكراهات والتحديات والتعقيدات، فهو يوفر آفاقا وفرصا تاريخية لإرساء شراكة حقيقية تكون في مستوى نموذج للتعاون جنوب- جنوب، لما تعرفه دول المنطقتين من نهضة على المستويات السياسية والفكرية والاقتصادية، خصوصا في ظل إرادة سياسية تتجاوز مخلفات الماضي، لخصتها وترجمتها بشكل بليغ الرسالة السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله التي وجهها للمشاركين في أشغال منتدى "كرانس مونتانا" بمدينة الداخلة المغربية الغالية، بتاريخ 17 مارس 2017.
بحيث أكد جلالته على "أن "تحقيق النهضة الإفريقية المنشودة، يبقى رهينا بمدى ثقتنا في نفسنا، وبالاعتماد على مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، واستغلالها على أحسن وجه، في إطار تعاون جنوب جنوب مربح، وشراكة استراتيجية وتضامنية بين دول الجنوب.
وإننا لواثقون من كسب هذه الرهانات. فإفريقيا اليوم، يحكمها جيل جديد من القادة البراغماتيين، المتحررين من العقد الإيديولوجية، التي عفا عنها الزمن. هؤلاء القادة الذين يعملون، بكل غيرة وطنية ومسؤولية عالية، من أجل استقرار بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي". انتهى كلام جلالة الملك.
إنني وإذ أحيل على هذه الفقرة من الخطاب الملكي السامي، فإنما لقناعتي العميقة أن هذا الوضع ينطبق على واقع علاقاتنا بشركائنا في بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب اليوم.
فالمتغيرات التي تعرفها المنطقة الأمريكو لاتينية اليوم، والموسومة على العموم ببروز قوى إقليمية صاعدة، وقيادات سياسية متحررة، ومؤمنة بأن السبيل الوحيد الموثوق به لتحقيق التنمية والاندماج والدفاع عن مصالح شعوبنا وإيصال صوتها لدى المجتمع الدولي هو الوحدة والتكامل.
كما أن عملنا البرلماني المشترك وما يوازيه من تكثيف للزيارات الثنائية والمنتديات الجهوية الحكومية، وعلى رأسها قمم قادة دول ورؤساء حكومات إفريقيا وأمريكا الجنوبية في القمم الثلاث المنعقدة بكل من أبوجا نجيريا سنة 2006، وفنزويلا سنة 2009 و مالابو-غينيا الاستوائية سنة 2013، كلها محطات رافعت من أجل مطالب دول المنطقتين بفتح ورش إصلاح الهيئات الأممية لتكون أكثر عدالة في تمثيلها لدول الجنوب، كما أنه مسار أكد على أن القرن الحادي والعشرين والعقود المقبلة هي زمن تأكيد مكانة العالم النامي، وخصوصا بلدان أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وعلى المستوى الاقتصادي، فإفريقيا وأمريكا اللاتينية تمتلكان إمكانيات اقتصادية وديموغرافية وطبيعية هائلة، تشكلان عوامل هامة للتموقع الإيجابي في النظام العالمي الجديد لما بعد كوفيد 19، كما أن نظم التلقيح ومسارات التعافي والتنشيط الاقتصادي المبنية على التعاون والثقة والتكامل، كلها مؤشرات ومعطيات تؤكد أن التعاون بين بلداننا سيمكننا جميعا من الطاقات الكبيرة المشتركة من أجل المضي قدما في ترسيخ آليات شراكة تضامنية مربحة تتيح أزيد من مليار و900 مليون مستهلك بآفاق تجارية واقتصادية كبيرة وواعدة كفيلة بإنضاج شروط إنشاء "منطقة تبادل حر بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكراييب.
وعلى المستوى السوسيو ثقافي، فإن المنطقتين الإفريقية والأمريكو لاتينية، تجمعهما روابط وقيم وقواسم مشتركة، شكلت أساس العلاقات التاريخية بين بلداننا وشعوبنا، حيث ساهمت هجرة العرب والأفارقة إلى منطقة أمريكا اللاتينية في خلق انصهار أثمر تمازجا ثقافيا وإنسانيا أغنى الموروث الحضاري الإنساني، كما لعبت حركات التحرر بالمنطقتين دورا متميزا في دعم الشعوب الإفريقية والأمريكولاتينية في كفاحها من أجل الاستقلال، وهذه الاعتبارات مجتمعة، تشكل ولا شك الدعامة والأساس القيمي لمسار علاقات التعاون التي تجمعنا، والنواة الصلبة لصمود علاقاتنا أمام كل الصعوبات والتحولات مهما كانت المتغيرات والتحولات والسياقات التي قد تفرضها.
السيد رئيس برلمان أمريكا اللاتينية والكاراييب
السادة رؤساء الاتحادات البرلمانية الجهوية والإقليمية بإفريقيا وأمريكا اللاتينية والكراييب
زميلاتي زملائي البرلمانيين المحترمين،
السيدات والسادة،
تلكم كانت بعض التصورات والقناعات التي وددت أن أتقاسمها معكم، ولا شك ان المحاور التي رسمها برنامج قمتنا البرلمانية ليوم غد، وكذا مداخلات السيدات والسادة المحترمين وكافة المتدخلين، ستشكل فرصة لاستكشاف الفرص التنموية المشتركة، والتعريف بالروابط الثقافية بين منطقتينا، وأدوار الفاعلين غير الحكوميين في الانخراط الفعال في مسلسل دعم التعاون بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكذا التفكير والتفاعل الجماعي حول مختلف المبادرات التي يمكن أن تسهم بها الدبلوماسية البرلمانية في دعم بناء نموذج شراكة تضمن لشعوب دول الجنوب الأمن والاستقرار والكرامة الإنسانية.
وفي الختام أود ان أجدد التعبير عن مشاعر الاعتزاز والسرور بهذا اللقاء وامتناني لرئاسة برلمان أمريكا اللاتينية والكراييب وكافة المسؤولين بجمهورية بنما على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة–كما اغتنم هده الفرصة لأجدد لكم استعدادنا لمواصلة العمل سويا من أجل الرقي بعلاقات التعاون بين مؤسساتنا التشريعية وبرلمانات بلدان أمريكا اللاتينية والكاراييب إلى مستوى طموحات شعوبنا وإلى مستوى التحديات التي تواجهنا جميعا على كافة المستويات.
شكرا على حسن الإصغاء.