تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

المائدة المستديرة حول موضوع: "المرأة، من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير "

2022-05-26

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

 

حضرات السيدات والسادة المحترمين،

أود بداية أن أرحب بكن وبكم وأن أعبر عن بالغ شكري للسيد وزير العدل المحترم عن رعاية هذه المائدة المستديرة الهامة واختيار رحاب مجلس المستشارين لاحتضان فعالياتها.

وإنه لمن البديهي، أن أعبر باسم مكتب المجلس وكافة مكوناته عن امتنانا العميق، كذلك لشركائنا الدوليين على تقتهم ولكل الكفاءات والخبرات علىمساهماتهم القيمة في إثراء النقاش حول موضوع بالغ الأهمية، ويحظى بالأولوية في جدول عملنا بحكم طبيعة مؤسستنا وانشغالاتها.

ليس من قبيل الصدف، أن تكون هذه المؤسسة المحترمة، حاضنة للتداول والحوار بشأن إلتماس ولوج النساء للعدالة وتطوير منظومتها، لأن واقع الحال دال على أن أغلبية السيدات المستشارات المحترمات منحدرات من التنظيمات النقابية،والتي كان لها سبق -على غرار جمعيات المجتمع المدني والإطارات السياسية النسائية - الترافع لإنصاف النساء والدفاع عن حقوقهن وكآليات انتصاف غير قضائية ضامنة للتمكين الحقوقي للنساء.

ولن أكون منصفا، إن لم أعبر عن اعتزازنابكون بلادنا قد حققت، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، مكاسب غير مسبوقةفيما يخص الحقوق الإنسانية للنساء، وفي مقدمتهاإجراء العديد من الإصلاحات الهادفة إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. نذكر من بينها إصدار مدونة منصفة للأسرة، وإجراء تعديلات هامة على مدونة الشغل، والتشريع الجنائي، وقانون الجنسية، واتخاد تدابير خاصة للرفع من تمثيلية النساء في مراكز اتخاذ القرار السياسي والإداري والاقتصادي. إضافة إلى ما عرفته أوضاع النساء من تقدم على مستوى الإدماج الاجتماعي، وارتفاع وثيرة تمدرس الفتيات وخاصة في العالم القروي.

ينضاف إلى ذلك، المصادقة على مجملالعهود الدولية ذات الصلةبحقوق الإنسان والتي تساهم في تعزيز مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. وهنا أود الإشادة بإقدام الحكومة المغربية مؤخرا على إيداعصك التصديق على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الذي ما فتئنا من مواقعنا المختلفة نطالب به.

وفضلا عن ذلك، تعززت هذه الدينامية الإصلاحية بمقتضيات دستور 2011، الذي كرس المكتسبات الوطنية المتراكمة في مجال حقوق الإنسان عامة، وحقوق المرأة بوجه خاص، عبر التأكيد على التزام المملكة المغربية بمبادئ وقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وإقرار سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، ومنع جميع أشكال التمييز، أيا كانت أسبابه، والنص على مبدأ المناصفة وعلى الآليات الكفيلة بتفعيلها.

حضرات السيدات والسادة

من البديهي القول بأن استشراف أفق الانتقال من "المرآة كموضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير" يتطلب أن نعتبر بأن التمكين القانوني للنساء غير منفصل عن التمكين المتعدد الأوجه وخاصة الاقتصادي والسياسي منها.فالتمكين السياسي للنساء لا يرتبط فقط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى المؤسسات السياسية بل بتمكينها الفعلي في اتخاذ القرارات، وهو ما يصطدم بعدد من الاكراهات المرتبطة من جهة بالثقافة ومن جهة أخرى بالبنيات والمجتمعية.

لذا علينا التعاطي مع الإجراءات المنصوص عليها دستوريا أو قانونيا أو تنظيميا، ليس كهدف في حد ذاتها، وإنماكوسيلة من أجل تيسير سبل تكافؤ الفرص لتولي مراكز القرار وتغيير الصورة النمطية المترسخة عن أدوار النساء وإبراز قدراتهن في قيادة قاطرة التغيير المنشودة في كل أبعادها المؤسساتية، بما فيها مجال العدالة.

وتبعا لذلك، فالتمثيلية السياسية للنساء ورهان المساواة كهدف يجب تحقيقه بحاجة إلى مقاربة متجددة ضامنةلإلتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية، للانتقال بمسألة التمكين الشامل للنساء من مجرد أرقام وإحصائيات إلى تحقيق مشاركة منصفة ونوعية ومعبرة عن وضعهن المجتمعي.

حضرات السيدات والسادة

بنفس القدر من أهمية التمكين السياسي والاقتصادي للنساء، فمن المنطقي أن يتطلع مجلسنا الموقر إلى التعامل بما يلزم من الجدية مع هذه المبادرة المحمودة لإصلاح منظومة العدالة ولضمان سلاسة ولوج النساء لحقوقهن المكفولة دستوريا، وأود، بهذا الصدد، أن أتقاسم معكم  هاجس أرجو أن يكون محط تداول من قبل هذا الجمع المبارك، ومرده  نتائج دراسة أصدرها صندوق الأمم المتحدة للسكان حول عدالة النوع الاجتماعي والقانون بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، تضمنت تقييمًا شاملًا للقوانين والسياسات في ثمانية عشر دولة عربية. وخلصت إلى أنه " لا تزال الفجوات القانونية في العديد من البلدان تحرم المرأة من المساواة أمام القانون... ولا تمنح قوانين الأسرة في جميع البلدان الثمانية عشر المرأة حقوقا متساوية في جميع جوانب الزواج والطلاق والوصاية وحضانة الأطفال... ومن بين جميع القوانين التي تم تحليلها تحقق القوانين الخاصة بالعمل القدر الأكبر من المساواة بما في ذلك كفالة حق النساء في الأجر المتساوي عن نفس العمل الذي يحصل عليه الرجال وفي إجازة الأمومة المدفوعة".

كما أود بنفس المناسبة أن أتقاسم معكن ومعكم انشغال وتساؤل مرتبطبالبرنامج الواعد لرقمنة الوصول إلى مرافق العدالة، ألا وهو كيفيات ضمان التوازن بينحق النساء في الولوج إلى الفضاء العام بما فيه أماكن التقاضي وعدم تقييد حركتهن كأساس لتمكينهن الاجتماعي.

تلكم سيداتي سادتي الأفاضل، بعض الأفكار التي أردت مشاركتها معكن ومعكم بمناسبة استضافة هذه الندوة التي أتمنى لأشغالها كامل التوفيق والنجاح.

وشكرا على حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.