باسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
معالي السيد رئيس مجلس الشورى بمملكة البحرين الشقيقة،
معالي السيد رئيس مجلس النواب بمملكة البحرين الشقيقة،
المحترم السيد رئيس الاتحاد البرلماني الدولي،
المحترم السيد الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي،
السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
السيدات والسادة الحضور الكرام،
يطيب لي، باسمي الخاص ونيابة عن أعضاء الوفد البرلماني للمملكة المغربية،أن أتقدم،في بداية كلمتي أمام هذا الحضور المتميز، بأسمى عبارات الشكر والامتنان لمملكة البحرين الشقيقة، ملكا وحكومة وبرلمانا وشعبا،على ما حضينا به من حفاوة استقبال وكرم ضيافة استثنائيين منذ أن وطأت أقدامنا أرض مملكة البحرين الشقيقة، وهي تحتضن أشغال الجمعية العامة 146 للاتحاد البرلماني الدولي، منوهين بالمناسبة بحسن وجودة التنظيم العالي الذي يميز هذه الأشغال ومشيدين بالاختيار الموفق والسديد لموضوع "المناقشة العامة" لجلستنا هذه، والذي يفتح المجال أمام ممثلي برلمانات العالم، والمنظمات الشريكة بالاتحاد البرلماني الدولي، للتداول في شأن قضايا تحظى براهنية قصوى في عالمنا اليوم وترتبط ارتباطا وثيقا بسعينا الجماعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ل2030 بما يعزز أسس السلم بين البلدان، ويرسخ دعائم العيش المشترك بين الأمم والشعوب، ويقوي الحوار الدائم والمثمر بين مختلف المكونات الثقافية والدينية والسياسية لمجتمعاتنا.
وما يعطي لجلستنا هذه أهمية كبرى هو انعقادها في سياق استثنائي إقليمي ودولي بالغ التعقيد، وذلك بسبب ما يعيشه العالم حاليا من تداعيات متعددة الأبعاد للوضع في أوكرانيا، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية على المستوى الدولي بسبب تحديات التعافي من مخلفات جائحة كوفيد19، بالإضافة لتأثيرات تفاقم تغير المناخ والتي تهدد بعودة شبح المجاعات في بعض مناطق العالم، لاسيما في القارة الإفريقية وتدني مستوى الأمن الغذائي، وهي كلها عوامل تجعل من منسوب التوترات والاضطرابات والنزاعات عبر العالم، وبتأكيد من المنظمات الدولية ذات الصلة، مرتفعا جدا ومثيرا لقلق شديد بات يلقي بظلاله مجددا على عدة مناطق جيو-سياسية بالغة الحساسية.
السيد الرئيس،
أيها السيدات والسادة،
إن التطرف العنيف واللاتسامح والكراهية هي الشحنات التي تتغذى منها الحركات الشعبوية والانفصالية التي بدأت تنتشر بشكل مقلق في مناطق عديدة من العالم حيث تسود الهشاشة الأمنية وعدم الاستقرار،وتوجد على رأس هذه المناطق التي باتت فيها أسس السلم والعيش المشترك مهددة بشكل صريح منطقة الساحل جنوب الصحراء التي تواجه تحديات مستعصية للغاية تلقي بظلالها على مناطق جغرافية أوسع.
لذا، يستوجب الأمر تكثيف وتضافر جهود المنتظم الدولي لتمكين بلدان هذه المنطقة من إرساء دعائم متينة للسلم والسلام والعيش المشترك عبر اقتلاع جذور التطرف العنيف والتعصب والكراهية بما يمكن من تشييد مجتمعات دامجة لسائر المكونات الثقافية والدينية والسياسية، وذلك بمقاربة تستند على مرجعية حقوق الإنسان، وعلى قيم العدالة الاجتماعية والمجالية، وعلى الاحترام الكامل للرموز الدينية والثقافية لأممها وشعوبها، وتستند على مبادئ الحوار الدائم والمثمر لفض النزاعات بطرق سلمية بما يحترم السيادة الوطنية والوحدة الترابية لبلدان المنطقة.
نعم، السيد الرئيس المحترم، لا بد من إعلاء كلمة الحوار الدائم والمثمر، وخاصة حوار الحضارات، شريطة أن يكون حوارا شاملا ودامجا للجميع ويراعي مصلحة البشرية بكل مكوناتها.
زميلاتي، زملائي،
لقد انخرطت المملكة المغربية، باعتبارها من الأعضاء المؤسسين ل"تحالف الحضارات للأمم المتحدة"، في الجهود الدولية لتعزيز مبادئ السلم وترسيخ منظومة القيم والمثل العليا للعيش المشترك، وذلك نابع من صميم الهوية المغربية القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مختلف مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية،ومن الرغبة الأكيدة في الحفاظ على مكانة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح.
ووعيا منه بالدور المنوط به في هذا الصدد، فقد تقدم المغرب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي اعتمدته تحت رقم 73/328 بشأن “النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية”. وقد نوه هذا القرار، الذي دعمته 90 دولة، بأهمية “خطة عمل فاس لمنع التحريض على العنف المحتمل أن يؤدي إلى جرائم وحشية.”
وفي هذا الإطار، اسمحوا لي أن أعرض عليكم مقتطفا من الرسالة السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، رئيس لجنة القدس إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي احتضنه مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر 2022، حيث أكد جلالته:
"في هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ البشرية، والتي ننكب فيها على التصدي للتغيرات المناخية، ومحاربة الإرهاب، ونبذل قصارى الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة والأمن المائي والطاقي والغذائي، ومن أجل التنمية بصفة عامة، ينبغي لنا أن نعود إلى ما هو جوهري وأساسي في هذا الشأن، ألا وهو العيش المشترك.فلا خير يرجى من إطلاق مشاريع كبرى إذا كنا لا نستطيع تجاوز هذه الحلقة الأولى على درب تحقيق العيش المشترك، من أجل إنسانية واحدة تعيد وضع الكائن الإنساني في صلبها." إنتهى المنطوق الملكي السامي.
إن هذه القيم والمبادئ هي التي توجه عملنا داخل البرلمان المغربي وأيضا داخل المنظمات البرلمانية والمحافل الإقليمية والدولية التي نشارك فيها لترقية وتعزيز قيم ومبادئ التعايش السلمي وتدعيم بناء المجتمعات الدامجة ومناهضة مختلف أشكال التعصب والتطرف والكراهية. وهي نفس القناعة الراسخة التي جعلت البرلمان المغربي يقرر تنظيم "الندوة الدولية حول حوار الأديان"، بتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي ومنظمة "أديان لأجل السلام"وتحالف الحضارات للأمم المتحدة والرابطة المحمدية للعلماء، وذلك في يونيو القادم بمدينة مراكش. ونحن على يقين أن هذه الندوة الهامة ستشكل فرصة لتعزيز سعينا الجماعي لإرساء مجتمعات دامجة لمختلف مكوناتها الاجتماعية، وتقوية السلم والعيش المشترك بين الشعوب والأمم من خلال حوار دائم ومنتج بين الحضارات والثقافات والأديان.
فمن قلب العاصمة المنامة، وباسم البرلمان المغربي، نقول لكم مرحبا بكم في يونيو المقبل في الندوة البرلمانية الدولية حول حوار الأديان التي ستنعقد بمراكش، أرض التسامح والسلام والعيش المشترك.
مرة أخرى أجدد شكري وامتناني وتقديري العميق لمملكة البحرين الشقيقة بقيادة صاحب الجلالة الملك حمد بن عسيى آل خليفة، أدامه الله فخرا وعزا لشعبه وبلده، على حسن وكرم الضيافة، متمنيا للشعب البحريني الشقيق المزيد من التقدم والازدهار والنماء.
وشكرا لكم على حسن الإصغاء.