تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مداخلة رئيس مجلس المستشارين الدورة العادية الثانية من الانعقاد التشريعي السادس للبرلمان الافريقي

2023-05-15

فخامة السيد غزالي عثماني، رئيس جمهورية جزر القمر المتحدة، رئيس الاتحاد الافريقي

معالي السيد شيف فورتيون شارومبيرا، رئيس البرلمان الافريقي

معالي السادة رؤساء البرلمانات الوطني والاقليمية

زملائي البرلمانيات والبرلمانيين،

الحضور الكريم،

في البداية، يطيب لي باسم برلمان المملكة المغربية التعبير عن عميق الاعتزاز بالمشاركة، بجانب كل مكونات أسرتنا المؤسساتية القارية، شاكرا للسيد رئيس البرلمان الافريقيصديقي شيف فورتيون شارومبيراعلى دعوته للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للبرلمان الافريقي. هذه الجلسة التيتنعقد في سياق عالمي خاص مطبوع أساسا باستمرار التبعات السلبية للأزمات الجيوسياسية الدولية، وفي ظل مستجدات واحداث اقليمية متسارعة تزيد من حجم التحديات القارية المشتركة، خاصة على مستويات السلم والأمن والتنمية. ونحن مدعوون جميعا، انطلاقا من دورنا الرئيسي كممثلين لشعوبنا، لبناء أجندة برلمانية قارية قادرة على مواجهة كل التحديات وتسريع انبثاق نموذج قاري لضمان التنمية المشتركة وتحقيق تطلعات شعوبنا في الرفاه والتقدم والازدهار.

كما أنوه بتنظيم البرلمان الافريقي للدورة البرلمانية الحالية تحت عنوان "تسريع تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية"، وذلك في انسجام تام مع موضوع الاتحاد الافريقي لسنة 2023، وهو ما سيجعل من دورتنا الحالية "دورة عمل" ومحطة رئيسية للمساهمة في انجاح الورش الاقتصادي القاري الكبير الذي يهدف إلى انشاء أكبر منطقة تبادل حر بالعالم، تضم بسوق قارية مكونة من حوالي 1.3 مليار شخص وناتج داخلي مجمَّع يناهز 3.4 ترليون دولار.

وهو ما سيمكن من تسريع ديناميات التنمية المشتركة وخلق القيمة المضافة القارية وبناء منظومة اقتصادية افريقية قوية وتنافسية، تشكل المدخل الرئيسي نحو آفاق وممارسات وآليات جديدة في مجال التضامن. وهنا اسمحوا لي بأن أذكر بما قاله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خلال القمة الاستثنائية للاتحاد الافريقي بكيغالي حول منطقة التبادل الحر القارية "أن إقامة منطقة للتبادل الحر على الصعيد القاري من شأنها أن تساهم في تعبئة الطاقات وتطوير الخبرات وحفز التفكير الخلاق، كما تستجيب على الخصوص لما يحدو شبابنا من طموح أكيد لبناء قارة إفريقية قوية ومندمجة" انتهى المنطوق الملكي السامي.

السيد الرئيس،

زملائي البرلمانيات والبرلمانيين،

الحضور الكريم،

إن ورش تنفيذ "منطقة التبادل الحر القارية الافريقية" يوجد في صلب اهتمامات المملكة المغربية، بالنظر لأهميتها في تغيير النموذج التنموي القاري، ليصبح أكثر قدرة على الانتاج وخلق الفرص للجميع، كما سيمكن هذا المشروع القاري الهام من إحداث عدد كبير من مناصب الشغل لفائدة الشباب وانقاذ 30 مليون مواطن افريقي من الفقر المدقع وتحسين دخل 68 مليون شخص، مع زيادة الثروة القارية ب 450 مليار دولار.

لذلك، ووفق منهجية طموحةعملت بلاديعلى المساهمة في بناء نموذج قاري "للتنمية المشتركة" من خلال مجموعة من المشاريع والبرامج الدامجة بعدد كبير من دول القارة،تهم تطوير البنيات التحتية والتكوين الجامعي والمهني وتعزيز السيادة الغذائية والطاقية والأمن الصحي وتثمين الموارد الداخلية وتقوية المنظومات الصناعية.

كما تعمل المملكة المغربية على تبادل الخبرات والممارسات الفضلى الخاصة بالبرامج الاقتصادية والتنموية، بجانب تقوية المنظومات المالية والبنكية لعدد كبير من دول القارة. وهو ما مكن من ارتفاع القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية الثنائية للمغرب مع الدول الإفريقية بنسبة 9.5 في المئة كمتوسط سنوي، بالموازاة مع تقوية الاستثمارات المغربية في إفريقيا، والتي تتكون أساسا من الاستثمارات المباشرة في إفريقيا جنوب الصحراء، مما جعل المغرب أول مستثمر إفريقي بالقارة الافريقية.

وانسجاما من روح التعاون والتضامن والتآزر التي تشكل محور عقيدة التعاون بين المملكة المغربية وأشقائها الأفارقة، تعمل بلاديعلى الاستثمار من أجل تعزيز الأمن الغذائي القاري، وذلك بمواكبة مجموعة من الدول الافريقية في بناء استراتيجيات فلاحية متقدمة لتقوية السيادة الغذائية وتعزيز القدرة على المنافسة في الزراعة الدولية وولوج أسواق جديدة. كما تعمل بلاديمن خلال المكتب الشريف للفوسفاط على تطوير سلسلة قيمة قارية متطورة ستمكن افريقيا خلال سنوات من الولوج بشكل عادل ومنصف الى الكميات الكافية من الأسمدة. حيث تعتمد بلادي، رؤية واضحة لتنفيذ مشاريع ستغير الوجه الفلاحي للقارة وستعزز أمنها الغذائي، لعل أبرزها العمل على إنشاء منصة صناعية لإنتاج الأسمدة بإثيوبيا بتكلفة تصل ل  3.7 مليار دولار وبطاقة انتاجية تناهز  2،5 مليون طن سنويا من الأسمدة موجهة للأسواق المحلية وأسواق التصدير. بجانب فتح مصنع بغانا سيكون مخصصا لصناعة الأسمدة ومصنع ثاني بنيجيريا سيكون مخصصا لصناعة الأمونيا التي تُستعمل في التخصيبالزراعي.

وعلى المستوى الطاقي، تعمل بلاديوجمهورية نيجيريا الإتحادية على إنجاز خط الغاز بين البلدين يمر عبر مجموعة من دول غرب القارة. ووهي مبادرة طموحة لتثمين القدرات الموارد الافريقية وإعادة تشكيل الخريطة الطاقية الاقليمية وتعزيز القدرات اللوجيستية والتنافسية للغاز الافريقي وتقوية تموقعه في السوق الأوروبية. وستبلغ استثمارات هذا المشروع حوالي 25 مليار دولار، ليصبح بعد تنفيدهأطول أنبوب غاز بالعالم ومحور الخريطة الطاقية الدولية.

وكل تلك المبادرات تشكل تعبيرا عن إيمان المغاربة وملوكهم بمبادئ التعاون جنوب جنوب والتضامن والتآزر بين دول القارة الافريقية. وهو ليس بخيار جديد أوقتي أو مرتبط بملف ما. بل هي عقيدة مرجعية في الديبلوماسية المغربية منذ الاستقلال، تجلت في استضافت المغرب ودعم وتدريب جيوش تحرير العديد من الدول الافريقية من بينها الجزائر وأنغولا والموزمبيق والرأس الأخضر لمناهضة الاستعمار، وكذلك دعم حركات التحرر الافريقي وفي مقدمتها سعي الزعيم الافريقي العظيم نيلسون مانديلا لتحرير بلاده من نظام الميز العنصري بعد بعد تدريبه العسكري بالمغربسنة 1962.

السيد الرئيس،

زملائي البرلمانيات والبرلمانيين،

الحضور الكريم،

لقد كانت الكلمات الأولى لجلالة الملك محمد السادس عند عودة بلاديلكنف عائلته المؤسساتية القارية عنوانا لمكانة افريقيا عند كل المغاربة، حيث قال جلالته حفظه الله "كم هو جميل هذا اليوم، الذي أعود فيه إلى البيت، بعد طول غياب! كم هو جميل هذا اليوم، الذي أحمل فيه قلبي ومشاعري إلى المكان الذي أحبه ! فإفريقيا قارتي، وهي أيضا بيتي." انتهى منطوق جلالة الملك. وهذه الكلمات كانت موجها رئيسيا لكل المؤسسات المغربية لجعل العمل الافريقي في طليعة أولوياتها واهتماماتها. وهو التوجه الذي يعتمده برلمان المملكة المغربية من أجل تطوير التنسيق مع البرلمانات الوطنية والبرلمان الافريقي والبرلمانات الاقليمية، ونحن نمد أيدينا للجميع من أجل تبادل الخبرات والممارسات الفضلى، والعمل على مواجهة التحديات التي تواجهها بلداننا، كما نعبر من هذا المنبر عن دعمنا لكل المبادرات البرلمانية الجادة، التي تهدف إلى تعزيز التعاون المؤسساتي والتفكير المشترك في سبل انبثاق نماذج تعاون برلمانية قارية تواكب الدينامياتالثنائية والمتعددة الأطراف.خاصة من أجل مواجهة التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي وندرة المياه والمخاطر المتنامية للجماعات الارهابية والحركات والميليشيات المسلحة ومكافحة استغلال الأطفال في النزاعات المسلحةوالهجرة السرية والاتجار في البشر، بجانب تحديات الرقمنة والثورة الصناعية الرابعة ومواجهة التغيرات المناخية وغيرها من المواضيع ذات الاهتمام المشترك قاريا واقليميا.

إن عزم بلادي على تطوير التعاون والتضامن مع كل الأشقاء الأفارقة، لا يضاهيه إلا تشبتهابإنجاح كل الأوراش المؤسساتية التي يعمل على تنفيذها الاتحاد الافريقي، وفي مقدمتها تقوية دور البرلمان الافريقي كتعبير فعلي لشعار القارة "صوت واحد، قارة واحدة".

وهذا التطوير المؤسساتي الذي يقوم به الاتحاد الافريقي لن ينجح بدون تظافر الجهود المشتركة وتعزيز الوحدة والاستقرار بكل دول القارة، وفق منهجية تمكننا من المرور الى السرعة التنموية القصوى بأسلوب عادل ومنصف بين كل مكونات أسرتنا المؤسساتية القارية.

السيد الرئيس،

زملائي البرلمانيات والبرلمانيين،

الحضور الكريم،

نحن على يقين تام أن المرحلة التي دشنها البرلمان الافريقي بانتخاب مكتبه الحالي، ستكون مليئة بالإنجازات البرلمانية القارية والتطوير المؤسساتي لبرلماننا الافريقيوتقوية أدائه ومنظومة الحكامة الخاصة به. وستجدون المملكة المغربية دائما في مقدمة الداعمين لكم ولعملكم الكبير من أجل تفعيلنموذج جديد للعمل البرلماني الافريقي المشترك.

وفي الختام، وإذ نجدد لمكتب البرلمان الافريقي ولرئيسه العزيز... صديقي شيف فورتيون شارومبيرا، اعتزازنا الكبير بدعوتهم لنا لحضور أشغال افتتاح الدورة البرلمانية الحالية، فإننا متيقنون من نجاح أشغالكم ومتطلعون لما سينتج عنها من توصيات، نأمل أن يكون المواطن الافريقي في قلب توجهاتها، واستقرار قارتنا وسلمها وأمنها أبرز اهتماماتها.

حفظ الله إفريقيا وشعوبها

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،