السيد رئيس فريق الاتحاد العالم لمقاولات المغرب بمجلس المستشارين،
السيدات والسادت المستشارون المحترمون،
السيدة منسقة ماستر إدارة الشؤون القانونية للمقاولة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا،
الحضور الكريم،
في البداية يشرفني الترحيب بكم جميعا بمقر مجلس المستشارين للمشاركة في اليوم الدراسي الذي ينظمه فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بشراكة مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا حول موضوع "المقاولة المغربية في ظل المستجدات القانونية، الحكامة وأدوار والتزامات مسيري المقاولات"، شاكرا للسيد رئيس فريق الاتحاد العالم لمقاولات المغرب دعوته الكريمة للمساهمة في الجلسة الافتتاحية لهذا اليوم الدراسي الهام. الذي يناقش موضوعا محوريا في الأجندة التدبيرية للمقاولات، ويعتبر أحد أهم اهتمامات مجلس المستشارين باعتباره مؤسسة تشريعية كرست دورها كصوت للمقاولة وفضاء ا للتفكير في آليات التطوير المستمر لقدرات الاقتصاد الوطني.
وكما تعلمون فالإطار القانوني يشكل أولوية كبرى في العمل اليومي للمقاولات، بالنظر لارتباطه القوي بتدبير التزاماتها وصيانة مصالحها التجارية مع كل الشركاء المؤسساتيين. وقد عملت بلادنا على تطوير ترسانة قانونية مهمة من أجل مواكبة المقاولات على المستويات التدبيرية والجبائية والاجتماعية. وقد عرفت المنظومة
الوطنية القانونية المتعلقة بالتجارة والأعمال تحولات جذرية تمثلت في التطوير المستمر لمجموعة من النصوص القانونية التجارية الأساسية ووضع نصوص أخرى تلائم المستجدات والتحولات المتسارعة في نموذج المقاولة وطنيا ودوليا، وذلك من أجل
تأهيل مناخ الاستثمارات من جهة وتأهيل المقاولة الوطنية وتنمية قدراتها من جهة أخرى.
وقد قامت بلادنا مجموعة من الاصلاحات الهيكلية في ترسانتها القانونية الخاصة بالتجارة والأعمال، من قبيل إصلاح القانون المتعلق بهيئات الاتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، وإحداث المقاولة بطريقة الكترونية والقانون 18/47 المتعلق باصلاح المراكز الجهوية للاستثمار والقانون الإطار 19/69 المتعلق بالإصلاح الضريبي والقانون 18/21 الخاص بالضمانات المنقولة وقوانين أخرى جديدة تنسجم مع الاختيارات الكبرى لبلادنا. كما قامت بلادنا بتعديل مجموعة من القوانين من أجل ملاءمتها مع مستجدات عالم التجارة والاعمال من قبيل القوانين رقم 17/89 و17/73 المغيرين والمتممين لمدونة التجارة، بجانب اصلاحات أخرى عديدة من بينها تيسير عملية نقل الملكية عبر نزع الصفة المادية عن مجموعة من الخدمات المتعلقة بها كشهادة الملكية وتسجيل عقود البيع وغيرها، بالإضافة إلى تيسير عملية الاستيراد والتصدير عبر نزع الصفة المادية عن مسار التعشير الجمركي على الصعيد الوطنية(dématérialisation) .
وقد كان لكل هذه الإصلاحات الأثر الايجابي على عمل المقاولات المغربية وعلى نجاعة مساهمتها في مسارات خلق الثروة بالاقتصاد الوطني. لكن لا تزال هناك إصلاحات عديدة يجب أن نشتغل عليها جميعا بنفس جماعي من أجل الوصول الى ترسانة قانونية تمكن بلادنا من الاستمرار في ريادتها الاقليمية والقارية في مجال مناخ الأعمال والاستثمار. خاصة في ظل الظرفية العالمية الغير مسبوقة، التي تعرف عدم استقرار
على مستويات نسب التضخم وكلفة الانتاج والاهتزاز المستمر لوضعية الأسواق العالمية. لكن نحن مدعوون جميعا لابتكار حلول قانونية قادرة على مواجهة
الصعوبات الاقتصادية العالمية بأسلوب يمكن بلادنا من أن تكون وجهة خلق القيمة المضافة العالمية وفضاءا مناسبا للتوسع التجاري للمقاولات الوطنية والدولية.
حضرات السيدات والسادة،
لقد أطلقت بلادنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، دينامية الميثاق الجديد للاستثمار اذي يهدف الى إحداث مناصب الشغل، والنهوض بتنمية منصفة للمجال وتحديد القطاعات الواعدة ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد الوطني، بجانب رفع حصة الاستثمار الخاص لتبلغ ثلثي الاستثمار الإجمالي في أفق 2035. وهو ما يمكننا من القول إن المقاولة ستكون اللاعب الأساسي في مسار تقوية الاقتصاد الوطني في السنوات المقبلة، باعتبار القطاع الخاص سيكون فاعلا
رئيسيا في تسريع انبثاق نموذج اقتصادي وطني مبني على خلق القيمة المضافة والفرص للجميع من أجل دخول نادي الدول الصاعدة في السنوات القليلة المقبلة. ونحن كبرلمانيين ملتزمون بالمواكبة التشريعية لهذا الطموح الملكي الكبير، الذي من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في أداء المقاولة المغربية خصوصا والاقتصاد الوطني عموما.
وكل هذه المبادرات الكبرى، يجب مواكبتها كذلك بالاشتغال على تطوير الإطار القانوني المرتبط بحكامة المقاولات، خصوصا وأنها تعتبر المدخل الأساسي لتعزيز المناعة التدبيرية للمقاولة وحماية مصالحها ومصالح مسيريها فيما يتعلق بترسيخ الشفافية وضمان تقاسم المعلومة وتحديد المسؤوليات وحقوق المساهمين. وقد حققت بلادنا تطورا هاما في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بحماية مصالح أقلية المساهمين وتحديد
المسؤوليات داخل المقاولة وإنشاء لجن الحسابات وتعويضات المسيرين والشفافية في المعلومات المقدمة عن وضعية المقاولة ونتائجها المالية. ولا يزال الورش المتعلق
بالحكامة مفتوحا ويحتاج للكثير من الابتكارات والاصلاحات من أجل مواكبة التغيرات العميقة التي تعرفها المقاولات العالمية وأسواق رؤوس الأموال وأساليب الحكامة تقنيا وأكاديميا.
كما يجب مواصلة التفكير في سبل تطوير الإطار القانوني الخاص بمسيري المقاولات، وجعله أكثر ملاءمة لواقع المقاولة المغربية، وذلك من خلال اعتماد نماذج تمكن المسير من القيام بأدواره المقاولاتية تحت حماية قانونية منسابة والوفاء بالتزاماته وفق منهجية تضمن مصالح الدولة والعمال والشركاء الاجتماعيين والتجاريين. لأن الهدف الأساسي يبقى هو المساهمة العملية للتشريع التجاري عبر إرساء معالم المسؤولية من أجل تحقيق حكامة المقاولات، وضمان استمراريتها بما يسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني. وهو ما تطور بشكل كبير بفضل القانون 17/73 الذي عوض ونسخ مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة. ونحن كفاعلين برلمانيين مدعوون للمساهمة في تطوير هذا الشق الأساسي من حياة المقاولة بمعية الفاعل الحكومي والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب وكل المتدخلين الآخرين، لنصل إلى إطار قانوني ملاءم لمتطلبات مناخ الاعمال الوطني، من أجل صيانة مصالح كل المتدخلين وفق منهجية تشاركية.
وختاما، وإذ نتمنى لأشغال هذا اليوم الدراسي النجاح والسداد، فإننا نأمل أن تتمخض عن أشغاله توصيات عملية تساهم في الرقي بالمنظومة القانونية الوطنية الخاصة بالمقاولة، وأن نعمل جميعا على تطوير الترسانة القانونية في هذا المجال لتسريع التنمية وتحرير الطاقات الوطنية وتطوير مناخ الاعمال انسجاما مع طموح وتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في هذا المجال الاقتصادي الحيوي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته