السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية المحترمة،
السيدة المديرة العامة للمساعدة لصندوق النقد الدولي المحترمة،
السيد المدير العام المساعد لسياسة التنمية والشراكات بالبنك الدولي المحترم،
زملائي البرلمانيات والبرلمانيين المحترمين،
السيدات والسادة الخبراء والباحثون،
حضرات السيدات والسادة،
في البداية، يشرفني باسم برلمان المملكة المغربية الترحيب بكم في أشغال المنتدى البرلماني العالمي الذي تنظمه الشبكة البرلمانية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشراكة مع مجلسي برلمان المملكة المغربية، وذلك بمناسبة استقبال مدينة مراكش لأشغال الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لسنة 2023، وهي مناسبة لنا جميعا من أجل مناقشة المستجدات الاقتصادية العالمية وتعميق النقاش حول التحديات المرتبطة بها والفرص الكبيرة التي تتيحها، من أجل بناء مستقبل مشترك، يضمن الرفاه والازدهار لكل شعوب العالم.
وباعتبارنا، ممثلين لهذه الشعوب، فنحن مدعوون للعمل على بناء أجندة برلمانية عالمية تمكن من ابتكار أساليب جديدة وعملية لموجهة كل التعقيدات الاقتصادية والمالية المطروحة على جدول أعمالنا، لاستعادة الإطار التنموي العالمي الخالق للقيمة المضافة وللفرص، وفق منهجية عادلة ومنصفة ودامجة للجميع.
كما أود أن أعرب عن عميق امتنان بلادي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، على الإبقاء على تنظيم اجتماعاتهم السنوية بمدينة مراكش، بالرغم من الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز المجاورة لها منذ أسابيع. ونحن، إذ نقدر عاليا هذه البادرة، فإننا نعتبرها شهادة قوية من هذه المؤسسات العالمية المرموقة، على قدرة المملكة المغربية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على التدبير السريع للتحديات الكبرى وحسن إدارتها. ونحن نعتز كثيرا بهذه الثقة المؤسساتية الكبيرة.
كما نعتز بأن تنظم إفريقيا للمرة الثانية الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وذلك بعد خمسين سنة من الغياب. وهو ما يجعل من التنمية في القارة الإفريقية أحد الملفات التي تتصدر جدول أعمال الاجتماعات السنوية لسنة 2023، خاصة وأن قارتنا الإفريقية تمر من فترة تحولات كبرى، تستلزم عناية خاصة منا جميعا، من أجل تطوير مساهمة القارة في الاقتصاد العالمي وتحسين مؤشراتها الاجتماعية وتقليص الهوة التنموية بينها وباقي قارات العالم. وهذا التوجه هو من أساسيات الدبلوماسية المغربية، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك حفظه الله، والذي يهدف إلى بناء إطار شراكات واعدة مع دول القارة مبني أساسا على مفاهيم "التنمية المشتركة" وتبادل الممارسات الفضلى والتمويل الذكي والناجع ومبادئ التعاون الدولي العادل والمنصف.
السيدة الوزيرة،
حضرات السيدات والسادة،
يجتاز العالم اليوم فترة مليئة بالتحديات الاقتصادية الكبرى، فمستويات نمو الناتج الداخلي الخام العالمي لا زالت لم تسترجع مستوياتها الطبيعية، حيث سجلت سنة 2022 نسبة نمو في حدود 3.5% لتصل إلى حدود 3% سنة 2023 وسنة 2024. كما أن معدلات التضخم تسجل مستويات قياسية وصلت إلى 8.7% سنة 2022 وإلى حوالي 6.8 سنة 2023 وستصل 5,2% سنة 2024، وهذه المعطيات تؤكد أن عالمنا يجتاز مرحلة ركود تضخمي (Stagflation)بمجموعة من دول العالم. وبالموازاة مع هذه المعطيات الاقتصادية المقلقة، يعيش عالمنا على وقع استمرار تحديات الحرب في أوكرانيا وتقلبات أسواق الطاقة واستمرار الخلل على مستويات سلاسل القيمة والإمداد وأزمة الأمن الغذائي، بالإضافة إلى استفحال ظاهرة التغيرات المناخية وتراجع عدد كبير من المؤشرات الاجتماعية خاصة في دول الجنوب. كما تسجل معطيات صندوق النقد الدولي استمرار المديونية العالمية في نسق تصاعدي لتناهز حسب آخر تحديث 238% من الناتج الداخلي العالمي.
إن المأزق الاقتصادي الذي يعرفه العالم، بجانب التحديات الجديدة التي يواجهها النظام العالمي من قبيل الصراعات التجارية ومستجدات الثورة الصناعية الخامسة وإعادة تشكيل سلاسل القيمة العالمية وانعكاسات ذلك على منظومة الإنتاج وخلق القيمة المضافة ورهانات السيادة الصحية والطاقية والغذائية، يحتم علينا كبرلمانيين الإضلاع بأدوارنا الكاملة في الدفاع عن المصالح الفضلى للشعوب، وذلك من خلال العمل على ابتكار تشريعات جديدة قادرة على مواكبة التحولات ومواجهة التحديات، وذلك بالإضافة إلى ضرورة العمل والتنسيق مع الفاعلين الحكوميين لبناء نماذج اقتصادية دامجة وقادرة على تحيين الممارسات الاقتصادية، لتكون في مستوى التحديات الاقتصادية المطروحة علينا. كما ينبغي العمل، خاصة على مستوى إعداد الموازنات، على تبني منهجية توجه الاستثمار العمومي الى استثمارات أكثر نجاعة وإدماجا لكل فئات المجتمع، بأسلوب ذكي مبني على النجاعة والنتائج، وذلك باستحضار دائم لأهمية الإصلاح المستمر للمنظومات الجبائية الوطنية وتطوير أبعاد الحكامة والمسؤولية في آليات تدبير المالية العمومية.
السيدة الوزيرة،
حضرات السيدات والسادة،
إن المؤسسات المتعددة الأطراف مدعوة إلى مواكبة النماذج التنموية الوطنية الجادة، من خلال وضع منظومة متقدمة للمواكبة التقنية لاستراتيجيات الدول في التحول التنموي، القادر على توفير "منصات اقتصادية سيادية" تمكن من توفير شروط انبثاق إطار اقتصادي، خالق للفرص للجميع وخاصة الشباب من جهة، وتمكن من تعزيز الفرص الاقتصادية للمقاولات، خاصة المتوسطة والصغيرة من جهة أخرى، لأن النمو الغني بفرص العمل يبقى هو الحل الأمثل للإدماج والقضاء على الفقر بكل أبعاده.
ومن جانب آخر، فمؤسسات التمويل المتعدد الأطراف وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يوجدون في صلب الديناميات التنموية لكل دول العالم، وهم مدعوون بالتنسيق مع الحكومات على ضرورة تطوير أساليب مبتكرة من أجل تقوية تسخير الاستثمار والتمويل المؤسسي لصالح التنمية، وفق أجندة تهم الأولويات المرتبطة بمكافحة التغيرات المناخية وتعزيز تنفيذ التزامات الدول في موضوع الهجرة وتقليص الفجوة الرقمية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، علاوة على بناء جيل جديد من المبادرات المتعلقة بتعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة والشباب، وذلك بالإضافة إلى وضع إطار عالمي جديد من أجل معالجة "أعباء الدين"، التي تثقل كاهل العديد من الاقتصادات منخفضة الدخل والاقتصادات الصاعدة، وتفرمل قدرتها على الاستثمار في التعليم والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية وتطوير البنية التحتية.
وفي هذا السياق، فإننا ندعو الشبكة البرلمانية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي للتفكير في بلورة تصور عملي لبناء "أجندة برلمانية عالمية من أجل تحول تنموي منصف ودامج"، تمكن من وضع دليل للممارسات الاقتصادية البرلمانية الفضلى، ومواكبة البرلمانات الوطنية في تقوية مسارات إعداد الموازنات العامة على المستوى التقني من أجل تحسين نجاعة وإدماج الاستثمارات العمومية من جهة، وتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من جهة أخرى، بالإضافة إلى تكوين البرلمانيين وأطر البرلمانات في الآليات الجديدة للتشريع المتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي (AI) والمالية المشفرة وتخزين البيانات الكبرى ( (Big Dataومكافحة الجرائم المالية والالكترونية، وغيرها من التشريعات الخاصة بالتحديات الاقتصادية الجديدة.
السيدة الوزيرة،
حضرات السيدات والسادة،
إن الاهتمام بالقارة الإفريقية، يشكل أحد المداخل الرئيسية لأسس نظام اقتصادي عالمي عادل ومنصف، فهذه القارة تحتاج اليوم إلى جهود دولية كبيرة، خاصة من مؤسسات التمويل المرجعية العالمية، من أجل سد الفجوة التنموية بين دول القارة ودول الشمال. وهنا ندعو المتدخلين الماليين العالميين من أبناك وصناديق استثمار إلى العمل على ابتكار أساليب تمويل ملائمة لحاجيات القارة الإفريقية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار في إمكانيات منطقة التبادل الحر القارية (ZLECAF، وتعزيز الربط اللوجيستي بين دول القارة وتطوير منصات صناعية وفضاءات عمل المقاولات الناشئة(startups) ودعم الإنتاج الفلاحي لضمان السيادة والأمن الغذائي، وذلك من أجل تعزيز التجارة البينية القارية، كمدخل أساسي لتقوية المنظومات الاقتصادية للدول الافريقية.
وفي الختام، وإذ نجدد الترحيب بكم بمدينة مراكش الحمراء، فإننا نتمنى أن يصدر أن أشغال المنتدى البرلماني العالمي توصيات عملية ومبادرات ناجعة، تساهم في بناء عالم أكثر إدماجا وعدلا وإنصافا. كما نطمح ليكون هذا اللقاء بداية مسار برلماني جديد، يكون فيه الفاعل البرلماني مساهما في بناء معالم مستقبل يستع للجميع، ومليء بالثقة والأمل لكل شعوب العالم.
كل التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته