تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس مجلس المستشارين خلال اللقاء الدراسي المنظم من طرف الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية

2023-12-12
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وحده والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد الأمين العام المحترم
السيد رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية المحترم؛
السيدات والسادة المستشارات والمستشارين المحترمين؛
حضرات السيدات والسادة،الحضور الكريم كل باسمه وصفته؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
يسعدني أن أحضر معكم افتتاح هذا اللقاء الدراسي ، و إذ أشكر اللجنة المنظمة على دعوتها الكريمة ، فإنني أود في البداية التأكيد على أهمية الموضوع المعروض للنقاش ليس فقط لراهنيته و لكن لكون تنظيم هذا اليوم الدراسي يتزامن مع تخليد العالم للذكرى 75 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، و هي مناسبة لا بد أن نستحضر فيها المكاسب التي حققتها بلادنا في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة بطبيعة الحال.
 إن الوضع الحقوقي للمرأة بأبعاده المختلفة لئن كان موضوعا مركزيا طالما استأثر بالاهتمام البالغ منذ الاستقلال ، فإنه شكل محورا للنقاش العمومي بكيفية واسعة النطاق منذ دعوة  صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطاب العرش المجيد ليوم 30 يوليوز 2022 إلى مراجعة مدونة الأسرة من أجل تجاوز الاختلالات والسلبيات التي أظهرتها التجربة العملية، مع تحديده للخطوط العريضة لهذا الإصلاح وحدوده. 
و إذا كان تنظيم هذا اللقاء الدراسي يتزامن مع المشاورات التي تشرف عليها اللجنة المكلفة بتلقي اقتراحات مختلف الفعاليات بشأن إصلاح مدونة الأسرة ، فإنه في اعتقادي يشكل فرصة مهمة ومساهمة إيجابية في النقاش العمومي من شأنه المساهمة في تقديم اقتراحات قمينة بمعالجة الاختلالات التي تعرفها مدونة الأسرة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛ 
لا يخفى على الجميع أن موضوع المرأة ظل يحتل حيزًا هاماًّ في النقاش العمومي ، و لا يخفى كذلك أن بلادنا تمكنت بفضل الإرادة والرعاية الملكية السامية ، من تحقيق عدة مكتسبات حقوقية لفائدة المرأة المغربية مقارنة مع المحيط الإقليمي ، وذلك في سياق الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها بلادنا ، إذ لا يمكن عزل تطور وضعية المرأة عن تطور المسلسل الديمقراطي ببلادنا ، على اعتبار أن الارتقاء بالمرأة يعتبر أحد مرتكزات الانتقال الديموقراطي وبناء الدولة الحديثة.
و هكذا ، يعتبر إصلاح مدونة الأسرة سنة 2004 ثورة قانونية وحقوقية بكل المقاييس . وبعد هذا الإصلاح  تضمن دستور  2011 عدة مستجدات أكثر انفتاحا في المجال الحقوقي مؤديا بذلك الى دسترة عدة مكتسبات للمرأة و للأسرة بصفة عامة . 
و بالموازاة مع هذه المكتسبات صادقت بلادنا على عدد من الاتفاقيات الدولية، من أبرزها اتفاقية مؤتمر بكين،  و الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) .
هذا المسار المتدرج و المتطور يؤكد أن مسلسل الإصلاح ببلادنا استمر بشكل تصاعدي و منفتح، و لئن كانت نتائجه قد أدت الى الارتقاء التدريجي بوضعية المرأة ليس فقط في علاقتها بالرجل و لكن من خلال الارتقاء بوضعيتها داخل المجتمع انطلاقا من ترسيخ مبدأ المساواة في كل مظاهر الحياة الاقتصادية و الاجتماعية الى السعي الى المناصفة ، فإن طموحنا لا يقف عند هذا الحد بل يتعداه الى ضرورة معالجة كل الإشكالات العالقة و التي تحد من التوازن المطلوب في الحقوق و الواجبات بين الرجال و النساء داخل المجتمع .
و بالفعل ، فإنه بكل صراحة رغم التقدم الحاصل على المستوى الدستوري والقانوني والسياسي و كذا على مستوى السياسات العمومية المستجيبة للنوع الاجتماعي ، فإن واقع وضعية المرأة المغربية  عموما ما زال  يصطدم بعدد من الإكراهات المتعددة المعقدة والمتداخلة، يتقاطع فيها الاقتصادي بالثقافي والاجتماعي بالقانوني و هو ما يساهم في الحد من مبادرات الإدماج والتمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمرأة.  
و هكذا يعتبر إصلاح مدونة الأسرة مدخلا أساسيا لمعالجة مجموعة من الاختلالات التي أصبحت متجاوزة  بفعل تطور المكتسبات الدستورية و الالتزامات الاتفاقية لبلادنا  . و لكسب رهان هذا الإصلاح لا بد من تحلي الجميع بقيم المواطنة الصادقة بعيدا عن المزايدات مهما كانت طبيعتها و الاحتكام الى المصلحة العامة للمجتمع بما ينطوي عليه ذلك من حرص على ضمان التوازن المطلوب لبناء أسرة متكاملة يسود بين أفرادها الوئام و التكامل و الألفة بما يكفل الحفاظ على مقوماتها الأصيلة بعيدا عن الصراع و التوتر .
و تجدر الإشارة في الأخير إلى أن أي إصلاح لمدونة الأسرة ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار المستجدات الدستورية والقانونية والتشريعية والمجتمعية، وكذا الاجتهادات الفقهية في هذا الصدد من خلال إيجاد توازن بين المرجعية الإسلامية السمحة وواقع المجتمع المغربي الحديث،  الأمر الذي من شأنه تعزيز مكانة المرأة في المجتمع بعد المكتسبات التي تحققت لها  في مختلف الميادين خلال هذه السنوات الأخيرة ، و موازاة مع هذا الإصلاح أعتقد أنه لا بد من مضاعفة الجهود على مستوى تدبير الشأن العام من خلال المزيد من الإنصاف للمرأة، والادماج الفعلي لمقاربة النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج التنموية. بما يكفل بناء مجتمع متوازن و دامج للجنسين معا   .
أتمنى التوفيق والنجاح لأشغال هذا اللقاء الدراسي، وشكرا على حسن اصغاءكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.