20 فبراير 2017
حضرات السيدات والسادة،
يسعدني، باسم مجلس المستشارين، أن أرحب بكم جميعا وأن أشكركم على مشاركتكم معنا في فعاليات النسخة الثانية من المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، الذي نطمح أن نجعل منه موعدا للنقاش العمومي المؤسساتي، ومحطة أساسية لتعميق التفكير في بناء مقومات النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية.
واسمحوا لي أن أدعوكم للوقوف دقيقة صمت ترحما على روح علم من أعلام الوطنية بالمغرب، الفقيد المجاهد سي محمد بوستة.
إن مجلس المستشارين ينظم هذه المنتدى، في نسخته الثانية وفاءا منه بالتزام سابق قطعه المجلس على نفسه يوم 20 فبراير من السنة الماضية : وقتها أعلن المجلس، في إحدى خلاصاته، أن مسلسل التفكير في قضايا وأبعاد العدالة الاجتماعية سيتواصل على أرضية الوثيقة المرجعية بشأن النموذج المغربي للعدالة الاجتماعية.
وبطبيعة الحال، فان تنظيم النسخة الثانية يعكس طموح المجلس إلى إرساء وترسيخ تقليد سنوي في ثقافتنا المؤسساتية: تقليد للاحتفال المؤسساتي باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف ل 20 فبراير من كل سنة وليس احتفالا بالمعنى الفلكلوري، بل بمعنى احتضان وإطلاق نقاش عمومي/ مؤسساتي بشأن القضايا الكبرى المطروحة على جدول أعمال بلدنا، على غرار احتفالنا باليوم العالمي لحقوق الإنسان في ال10 دجنبر من كل سنة واليوم العالمي للمرأة في 8 مارس من كل سنة.
إن تنظيم النسخة الثانية، يعكس أيضا طموح وعزم المجلس على تقديم إسهامه المؤسساتي انطلاقا من:
قناعتنا الراسخة، أن القضايا، المطالب، التطلعات التي يعبر عنها المجتمع، والتي تكون محط توترات، احتجاجات في الشارع.. ينبغي ان تجد لدى صدى داخل المؤسسات .. ينبغي أن تكون موضوع نقاش مجتمعي / مؤسساتي/ تعددي .. للبحث عن صيغ التجاوب معها أو تقديم حلول لمعضلاتها من خلال سياسات عمومية أو عبر قناة التشريع...
وكما قلت في النسخة الأولى فالبرلمان الذي لا يتفاعل مع قضايا وتطلعات وأسئلة المجتمع هو برلمان ليس جديرا بهذا الاسم.
حضرات السيدات والسادة المحترمين،
لست بحاجة، فيما اعتقد، لتقديم مرافعة مطولة لإثبات حقيقة وجود ترابط وثيق بين مفهوم الحوار الاجتماعي ومبدأ العدالة الاجتماعية: ذلك عددا من الوثائق المرجعية، الأممية والوطنية على حد سواء، تفصل في أوجه الترابط بين الحوار الاجتماعي والعدالة الاجتماعية بعض هذه الوثائق موجود في الملف الوثائقي الذي بين أيديكم....
وسواء تعلق الأمر بوثائق منظمة العمل الدولية الكثيرة وضمنها الاتفاقية 144 بشأن المشاورات الثلاثية لتعزيز تطبيق معايير العمل الدولية التي صادق عليها المغرب بتاريخ 16 ماي 2013، أو بوثائق الجمعية العامة للأمم المتحدة،أو بتلك التي صدرت عن اللجنة المعنية بالحقوق والثقافية أو بمقتضيات العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو بغيرها من الوثائق التي لا يسمح المجال لذكرها جميعا، فان الارتباط بين مفهوم الحوار الاجتماعي ومبدأ والعدالة الاجتماعية قائم وقوي، بصورة يصعب معها تصور الفصل بينهما ، نظريا وواقعيا.
وكما يؤكده عنوان النسخة الثانية من المنتدى البرلماني، فإن مأسسة الحوار الاجتماعي هو أيضا مدخل لا غنى عنه للتنمية المستدامة، وهو يشكل جوهر الهدف الثامن من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ، كما أن تحقيق عدد من الأهداف الفرعية المرتبطة بالهدف الثامن على سبيل المثال لا الحصر مرتبط إلى حد كبير بمـأسسة آليات الحوار الاجتماعي على المستوى الوطني. كما هو الشأن مثلا بالنسبة للهدف الفرعي 6-8 المتعلق ب " الحد بدرجة كبيرة من نسبة الشباب غير الملتحقين بالعمالة أو التعليم أو التدريب بحلول عام 2020" أو الهدف الفرعي 8-8 ب " حماية حقوق العمل وإيجاد بيئات عمل توفر السلامة والأمن لجميع العمال، بمن فيهم العمال المهاجرون، وبخاصة المهاجرات والعاملون في الوظائف غير المستقرة" .
حضرات السيدات والسادة المحترمين،
دون الحاجة إذن في الخوض أو التذكير بعناصر المرجعية الأممية والوطنية ذات الصلة بالترابط الموجود بين الحوار الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية والمستدامة: فإن هناك عددا من الاعتبارات والدواعي التي تجعل من مأسسة الحوار الاجتماعي أمرا في غاية الأهمية، إن لم نقل في غاية الإستعجالية والملحاحية :
ودعونا نذكر، بحقيقة تمكن البرهنة عليها علميا:
-
الأفراد..... النزاع/التوتر/ الصراع = الشر
-
النزوع إلى التعاون/الحوار/الإنصات= الخير. وهكذا خلق الله سبحانه وتعالى البشر وما ينطبق على الأفراد، ينطبق على الجماعات/ المجموعات.
-
المأسسة: مدخل أساسي، لا غنى عنه: لتوحيد الجهود الوطنية( التي يقودها جلالة الملك محمد السادس نصره الله) من أجل إنجاح الديناميات والأوراش الإصلاحية التي تعج بها الأجندة الوطنية.
-
تحديات المحيط الجهوي والدولي المعقدة
-
بروز جيل جديد من المطالب الاجتماعية والتعبيرات الثقافية يجب استيعابها في إطار حوار اجتماعي ممأسس وبدون مركب نقص، يجب الإقرار بأن عددا من جولات الحوار الاجتماعي، قد تمت تحت الضغط،أو تحت الطلب، وعددها منها أدير( تمت إدارته) تحت وقع الظرفية، وبمنطق غاب عنه النفس الإستباقي والإستشرافي.
-
من هنا أهمية وملحاحية إخراج الحوار الاجتماعي من دوائره الضيقة،من هنا ضرورة وضع منهجية إدارته تحت المجهر، بغرض تثمين وتحصين مكتسباته وإيجابياته، وهو موجودة، ولكن أيضا بهدف معالجة إخفاقاته وسلبياته وهي موجودة؛ كل ذلك في أفق العمل الجماعي من أجل صياغة منظومة جديدة للحوار الاجتماعي بمغرب يتطلع بجدارة إلى التقدم إلى الأمام، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي الآن بأن أتقاسم معكم بعض القضايا للتفكير في صيغة تساؤلات ذات طابع إجرائي، ينتظر مجلس المستشارين أن يتمخض نقاشكم و تبادل تجاربكم على عناصر إجابات عملية بشأنها ، علما أن الأمر لا يتعلق هنا بلائحة حصرية للتساؤلات أو للقضايا.
-
ما هي الشروط القانونية و التنظيمية و المنهجية للانتقال إلى منظومة جديدة للحوار الاجتماعي بالشروط و المواصفات التي حددت معالمها الأساسية في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركات و المشاركين في المنتدى؟
-
كيف يمكن أن تتحمل الأجندة الوطنية و الترابية و القطاعية الجديدة للحوار الاجتماعي قضايا جديدة من قبيل المساواة بين الجنسين في سياق العمل و القضاء الفعلي و التام على تشغيل الأطفال و ضمان شروط العمل اللائق للأشخاص ذوي الإعاقة، و تأهيل القطاع غير المهيكل؟
-
كيف يمكن استثمار الفرص الدستورية المعيارية خاصة المنصوص عليها في الفصلين 8 و 13 من الدستور من أجل إعادة بناء المنظومة الوطنية للحوار الاجتماعي؟
-
كيف يمكن ضمان بناء أجندات متكاملة للحوار الاجتماعي على المستويات الترابية و القطاعية في تكامل مع الأجندات الوطنية؟
-
كيف يمكن تحويل آليات الحوار الاجتماعي إلى فرص للوساطة و التدبير الوقائي و الاستباقي للنزاعات الاجتماعية؟
-
كيف يمكن ضمان تكامل أدوار المنظومة الوطنية للحوار الاجتماعي، بما فيها هيئات التشاور الممكن إحداثها على أساس الفصل 13 مع الأدوار الدستورية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي و مع أدوار مجلس المستشارين؟ و كيف يمكن استثمار التجارب المقارنة لإبداع إجابات عملية عن هذا التحدي المنهجي؟
-
ما هي الأشكال المثلى للمأسسة القانونية للحوار الاجتماعي؟ باعتبار ذلك رافعة لنموذج جديد للمنظومة الوطنية للحوار الاجتماعي
-
كيف يمكن تحقيق أحد الشروط المنهجية الأساسية لجعل الحوار الاجتماعي مدخلا أساسيا للتنمية المستدامة ألا و هو توسيع مجالات الحوار الاجتماعي ليشمل ليس فقط القضايا المتعلقة بعلاقات العمل و إنما أيضا قضايا أوسع ذات ارتباط وثيق بعلاقات العمل كالسياسة الاقتصادية و إطار السياسة الماكرو اقتصادية، و النمو الاقتصادي، و استراتيجيات القضاء على الفقر، و التشغيل، و المقاولات المستديمة و الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، و سياسة التربية و التكوين في علاقة بالتشغيل؟
-
كيف يمكن استحضار بعض المعايير النوعية critères qualitatifs لتوسيع الطابع الدامج للحوار الاجتماعي، إلى جانب المعايير الكمية من أجل تحديد التمثيلية représentativité ، بما في ذلك مثلا معايير احترام المبادئ الديمقراطية في سير أشغال المنظمات، و كيفية تقدير الاستقلال المالي و التنظيمي للمنظمات، وقوة الحضور في شبكات المنظمات النقابية على المستويات الإقليمية (الإفريقية مثلا) و الدولية؟
تلكم أيتها السيدات و السادة، معالم مساهمة أولية لطرح بعض قضايا مأسسة الحوار الاجتماعي للنقاش في منتداكم البرلماني هذا الذي أتمنى لأشغاله كامل النجاح.
وختاما، اسمحوا لي بأن أجدد الشكر لكافة المؤسسات والفعاليات الوطنية والأجنبية المشاركة في أشغال هذا المنتدى، وأن أتوجه بالشكر الخاص لمؤسسة ويسمنستر للديمقراطية على دعمها المتواصل لأشغال ومبادرات مجلس المستشارين، ولمؤسسة كونراد أديناور الألمانية على انخراطها في دعم هذا المنتدى وعلى استعدادها لإبرام اتفاقية تعاون مع مجلس المستشارين لدعم عدد من مبادراته في المستقبل.
وأتوجه بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي تواكب أشغال هذا المنتدى، كما أغتنم هذه الفرصة لتجديد الشكر لأطر وموظفي المجلس الذين يعود لهم الفضل الكبير في انجاح مبادرات وأنشطة المجلس.
وشكرا على حسن الإصغاء.