تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الكلمة الافتتاحية للسيد رئيس مجلس المستشارين في أشغال اللقاء البرلماني الإفريقي التشاوري تحضيرا لقمة الأطراف

2017-10-27

الرباط، 27 أكتوبر 2017

حضرات السيدات والسادة،

يطيب لي أن أرحب بكم جميعا ، بدوري باسم مجلس المستشارين، في بلدكم الثاني المغرب وأن أشكركم على حضور هذا اللقاء التشاوري البالغ الأهمية، في سياق دولي ينذر بالتراجع عن مكتسبات إنسانية محققة إبان مؤتمر باريس وبعد قمة مراكش.

وكما لا يخفى على علمكم، فإن هذا اللقاء يستهدف بالدرجة الأولى، كما أشار إلى ذلك السيد الرئيس، تقاسم وتوحيد الرؤى بين برلماناتنا الوطنية الإفريقية حول موضوع المسارات التفاوضية ومكانتنا كممثلين لشعوبنا وكسلط تشريعية بشأن التغيرات المناخية وآثارها على أوطاننا وقارتنا، إضافة إلى تنسيق فعلنا البرلماني بهدف استكشاف إمكانيات وفرص التأثير، وهي موجودة، على مسلسل المفاوضات في مؤتمرات الدول الأطراف، وخصوصا المؤتمر المرتقب تنظيمه بمدينة بون الألمانية في غضون الأسبوع الأول من الشهر المقبل–الكوب 23-.

حضرات السيدات والسادة

أود أن أعيد التشديد على أن انخراط برلماننا، وأملي أن يكون انخراطا مشتركا لكافة برلماناتنا الإفريقية في المسعى العالمي نحو عدالة مناخية، يتماهى تمام التماهي مع غايات فلسفة ومقاربات صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي ما فتئ يؤكد، ويعمل، على إعادة الاعتبار للتموقع الجيو استراتيجي المغاربي والعربي والإفريقي على الساحة الدولية.

وتأسيسا على ذلك أريد أن أتقاسم معكم أولا: بعض أحدث المعطيات الدالة التي تساؤلنا جميعا كمنتخبين ومنتخبات يفترض أننا نعبر عن إرادة شعوبنا، وأن أعرض عليكم، ثانيا بعض المقترحات العملية، التي نعتقد أنها جديرة بالدراسة لرفع التحديات التي تجابهنا جميعا، أو على الأقل جزء منها.

لقد كشف التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن أنشطة التكيف في إفريقيا، عن أن الدول الإفريقية ستواجه فجوة تمويلية، فيما يتعلق بتنفيذها لخطط وبرامج التكيف مع تغير المناخ، لا تقل عن 12 مليار دولار سنويًّا حتى عام 2020، وستتضاعف بعد ذلك باستمرار.

أظهرت بعض الدراسات البيئية المتخصصة على أن "ارتفاع درجة الحرارة يعد من بين العوامل المسؤولة عن موجات الجفاف والفيضانات والعواصف، حيث خلصت إلى أن هنالك تصاعدا في درجة الحرارة في أجزاء من شرق ووسط إفريقيا وجنوبها، فضلًا عن نقص في المياه في منطقة غرب تشاد ودارفور، ناهيكم عن أن ارتفاع درجة الحرارة في العالم أصبح مؤكدا الآن أنها من مسببات انصهار الثلوج على قمة جبل كليمنجارو في تنزانيا، كما أن هنالك دلائل على أن بحيرة فيكتوريا وبحيرة تشاد وأجزاء من نهر النيل بدأت تجفُّ تدريجيًّا بسبب ارتفاع درجة الحرارة."

هناك أيضا تقارير صدرت قبل فترة قصيرة عن وكالات متخصصة، تشير إلى أن منطقة شمال إفريقيا تواجه الآن، تحديا سيزداد تفاقما خلال ال15 سنة المقبلة، تحدي نذرة المياه بسبب تزايد معدلات درجات الحرارة ب2 نقط وتناقص التساقطات المطرية ب 2 نقط.

وتشير تقييمات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن عدد الأشخاص المعرضين لمخاطر الجوع في إفريقيا هذا العام يصل إلى نحو 18 مليون شخص. وقد أثَّرت المخاطر المناخية، مثل الجفاف والفيضانات، على أكثر من 34 مليون إفريقي في عام 2012، وتسببت في خسائر اقتصادية تُقدَّر بأكثر من 1.3 مليار دولار في الفترة بين عامي 2011 و2012، وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن إستراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث.

وللحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، تحتاج الدول الإفريقية إلى معالجة عوامل الخطر الكامنة، مثل إدارة الأراضي والمخاطر الصحية، ثم تطوير استراتيجيات أكثر شمولًا للحد من هذه المخاطر.

ومن بين المؤشرات المقلقة أيضا، آثار تغير المناخ على الزراعة والنظم الغذائية الأخرى تزيد من معدلات سوء التغذية وتساهم في الفقر. “واحد من كل أربعة أشخاص لا يزال يعاني سوء التغذية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أن آثار تغير المناخ تجعل الأمر أكثر صعوبة في مختلف أنحاء المنطقة لتحسين الأمن الغذائي وتساعد على تقليل التوترات.

وهنا يجدر الاستشهاد واعتبار الحكمة مما ورد في الرسالة الملكية السامية -قبل يومين- التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، يوم الأربعاء 25 أكتوبر2017، إلى المشاركين في المؤتمر السابع لوزراء البيئة للدول الإسلامية بمدينة الرباط، والتي شدد فيها جلالته، على أنه: " لا يخفى على أحد أن التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، تعد من أهم القضايا البيئية الراهنة، نظرا لارتباطها وتأثيرها المباشر على مختلف القطاعات الحيوية، من فلاحة ونقل ومياه وموارد طبيعية وغيرها.

غير أن ضمان الأمن الغذائي في مواجهة هذه الظاهرة، يظل من بين أهم التحديات التي تواجه البشرية.

لذلك أصبح لزاما علينا، التدبر والتفكير لإيجاد آليات مستدامة، وتدابير ناجعة لمواجهة هذا التحدي المناخي المتنامي، الذي يؤرق المتخصصين، ويشكل تحديا لأجيال الحاضر والمستقبل." [انتهى كلام صاحب الجلالة].

ومن بين التداعيات الكثيفة الناجمة عن التغيرات المناخية وجب التنبيه إلى تفاقم "القلق المائي" وتضاعف النزاعات المرتبطة بالولوج للمياه، والصعوبات ذات الصلة بالإنتاج الفلاحي فضلا عن ارتفاع مستوى مياه البحر، مما يؤدي إلى تراجع ظروف العيش وتدهور البيئة في المناطق الساحلية وما يستتبعه من إضرار بليغ بالتنوع البيولوجي وتقلص متفاقم للغطاء الغابوي وانتشار مطرد للأمراض المعدية.

وفي سياق متصل، تشير بعض التقارير الصادرة في مجال التمويل -ذو الصلة بموضوع التغيرات المناخية-إلى أن "من أصل مبلغ 41 مليار دولار التي أعلنت البلدان الغنية عن أدائها سنويا، يستشف أن ما خُصص بالتحديد للعمل من أجل المناخ، يتراوح فقط ما بين 11 و21 مليار دولار، فيما خُصص ما بين 4 و8 مليار دولار لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وهو ما يعد أدنى بكثير من المستوى المطلوب.وبحسب ذات المصدر، فإن التمويلات من أجل المناخ التي صرفت للبلدان الأقل نموا لا تتجاوز 7،8 مليار دولار، أي مجموع الدول الـ48 الأكثر فقرا وتأثرا بالتغيرات المناخية، بسبب النقص في الموارد اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة".

حضرات السيدات والسادة،

نستحضر هذه المعطيات، ليس فقط لغاية التشخيص وتقاسمه، ولكن بغرض استشعار مسؤوليتنا الجسيمة ولدق ناقوس الخطر بشكل جماعي.

فعندما تتحول قارة بأكملها إلى ضحية أفعال وممارسات وسياسات ليست مسؤولة عنها أو أن تظل رهينة جشع لوبيات–جماعات ضغط اقتصادية أو مالية-  مختلفة الجنسيات ومتعددة التسميات، فذلك ما لا يمكن السكوت عنه.

وأمام هذا الوضع المقلق والذي يسائلنا كممثلين للشعوب الإفريقية، مثلما يسائل ضميرنا الإنساني، لا مناص من المضي نحو استكمال بناء وعينا المشترك بهذه التحولات وتطوير هذا الوعي إلى أفعال ملموسة مدرة للنفع المشترك لشعوبنا.

وفضلا عن اختصاصات مؤسساتنا التشريعية التي يتعين تفعيلها بالكثير من الصرامة والشجاعة والحزم، يجدر في هذا الباب أن نضطلع بمهمتنا النبيلة عبر اعتماد دبلوماسية ناجعة قوامها الندية والفاعلية الدبلوماسية تتغيا تحقيق العدالة البيئية والتنمية المستدامة، اسمحوا لي أن أقدم بعض المقترحات العملية الإضافية، لأن وقت العمل قد حان، إن لم يكن قد فات جزء هام منه:

  1. أقترح القيام بحملة ترافعية بتنسيق مع الاتحادات البرلمانية المماثلة بغية الاعتراف بالبرلمانات كفاعل رسمي في المفاوضات المتعلقة بإعمال السياسات والخطط والبرامج الرامية إلى إعمال اتفاق باريس؛

  2. أقترح العمل على أن تدمج الأطراف المعنية في منطقتنا الإفريقية وبشكل حازم الانشغالات المرتبطة بالتغيرات المناخية في السياسات والاستراتيجيات والبرامج والممارسات في مجال النماذج التنموية ولاسيما ذات الصلة بالتحمل العرضاني لآثار التغيرات المناخية بشأنها كي نقدم المثال المحتذى والقيمة المضافة عالميا؛

  3. أقترح الضغط على حكوماتنا قدر الإمكان من أجل أن تأخذ على محمل الجد التسريع باستكمال مجهود المساهمات المحددة الوطنية ببلداننا للمرحلة ما قبل 2020؛

  4. أقترح استثمار واستلهام مقتضيات الخطة البرلمانية بشأن ملاءمة تشريعاتنا الوطنية مع مضامين اتفاق باريس حول التغيرات المناخية، والتي تم اعتمادها عقب الندوة الدولية التي سبق تنظيمها من قبل مجلس المستشارين المغربي،وكذا مضامين "إعلان مراكش"الذي اعتمدته البرلمانات الإفريقية المشاركة في اجتماعها المنعقد على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف -كوب22- شهر نونبر المنصرم، في وضع خطة برلمانية إفريقية حول العدالة المناخية؛

  5. أقترح الاستمرار ورفع وثيرة عقد لقاءات إفريقية دورية لتتبع برامج مكافحة التغيرات المناخية وحشد الدعم المالي والمعرفي والقدرات البشرية والمادية لاستشراف الحد من العوامل المسببة للتغيرات المناخية؛

  6. أقترح الاشتغال على خطة إفريقية لزيادة مستوى الوعي لدى صانعي القرارات والفاعلين بالمجتمع المدني والمواطنين بوجه عام إزاء درجة التدهور البيئي وآثاره وتداعياته؛

  7. أقترح تطوير أنظمة الوقاية من تدهور البيئة وتخفيف آثاره من خلال تحسين الأطر التنظيمية وتعزيز تدخلات المكلفين بإنفاذ القوانين ذات العلاقة؛

  8. أقترح تثمين وخلق حوافز إيجابية داعمة للممارسات الفضلى الصديقة للبيئية، بما فيها مشاريع الطاقات المتجددة أو البديلة.

حضرات السيدات والسادة،

إننا نتطلع إلى أن ينصب مجهودنا الترافعي بدرجة أولى على الدول المانحة وغيرها من كبار الفاعلين في مؤتمر الأطراف المزمع عقده بمدينة بون الألمانية، من أجل تكثيف الجهود الرامية إلى الرفع من مستوى الدعم الموجه للتكيف، خاصة لدى الدول الأقل نموا، والعمل إلى جانب حكومات البلدان النامية من أجل تيسير سبل الاستفادة من التمويلات لمن هم في أمس الحاجة إليها، بالإضافة إلى تسريع وتيرة العمل، بغية تحديد معايير مشتركة، وتتبع التمويلات من أجل المناخ، ناهيكم عن ملحاحية إنصاف القارة الإفريقية عبر، ليس فقط نقل التقنيات والمعارف والخبرات، بل بحيازة التكنولوجيا الملائمة وتأهيل وتعزيز القدرات من أجل التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من وطأتها.

حضرات السيدات والسادة،

علينا أن نعترف وأن نقر، بأن المهام التي تنتظرنا، في ارتباط بالتغيرات المناخية وما تفرضه من تحديات على شعوبنا وعلى الأجيال القادمة، ليست من النوع الذي يمكن معالجته في مجرد لقاء تشاوري واحد أو حتى عدة لقاءات تشاورية.

علينا أن نعترف أيضا بأننا لسنا نحن الشعوب الإفريقية وحدنا المعنيين بهذه التحديات؛ إن هناك شعوبا ومناطق أخرى في العالم تؤدي تكلفة وثمنا باهظا جراء التغيرات المناخية وتواجه نفس التحديات، ومطلوب منا أن نطلق مبادرات تنسيق الجهود وتوحيد الرؤى معها.

وفي هذا الصدد، أعيد اقتراح مبادرة سيق أن اشتغلنا عليها منذ أكثر من سنة ونصف، ألا وهي مبادرة تأسيس المنتدى البرلماني الأفريقي الأمريكو لاتيني. ومن حسن الصدف، أننا بينما نحن مجتمعون هنا، هناك وفد برلماني مغربي ببنما يجري مباحثات مع أتحادات برلمانية أمريكية لاتينية وعلى رأسها البرلاتينو والبارلسين والفوبريل التي أكدت دعما وانخراطها في هذه المبادرة.

وضمن هذا المنحى، وخير ما سأختتم به هذه المساهمة المتواضعة، التنويه إلى أن التزام المملكة المغربية راسخ وغير قابل للتأويل، وهذا ما أعاد صاحب الجلالة التشديد عليه في رسالته السامية السالفة الذكر، حيث أكد على أنه: "وتجسيدا للالتزام الراسخ للمغرب بتكريس التعاون جنوب-جنوب، كخيار استراتيجي في سياسته الخارجية، تم إحداث مركز للكفاءات في مجال تغير المناخ، كآلية جديدة لتوطيد أسس التعاون والتكامل بين دول الجنوب في هذا المجال، لاسيما بين الدول الإسلامية ومع الدول الأفريقية الشقيقة." [انتهى كلام صاحب الجلالة].

وشكرا على حسن المتابعة.