تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الندوة الموضوعاتية الجهوية تحت شعار "الجهوية المتقدمة بين تحديات الممارسة ومتطلبات المراجعة القانونية"

2024-06-06

السيد والي جهة فاس-مكناس المحترم؛

السادة العمال المحترمون؛

السيد رئيس جهة فاس-مكناس المحترم؛

زملائي، السيدات والسادة البرلمانيون المحترمون؛

السيدات والسادة أعضاء مجلس جهة فاس-مكناس المحترمون؛

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الجماعات الترابية المحترمون؛

السيدات والسادة رؤساء وأعضاء الغرف المهنية المحترمون؛

السيدات والسادة ممثلو المؤسسات الدستورية؛

السيدات والسادة ممثلو المصالح الخارجية اللاممركزة؛

الحضور الكريم؛

يسعدني أن أفتتح أشغال هذه الندوة الموضوعاتية الجهوية التي ينظمها مجلس المستشارين بتنسيق وشراكة مع مجلس جهة فاس-مكناس في موضوع "الجهوية المتقدمة بين تحديات الممارسة ومتطلبات المراجعة القانونية"؛ وهي الندوة التي يصادف موعد انعقادها (سادس يونيو) تاريخ إحداث الملتقى البرلماني للجهات، الذي دأب مجلس المستشارين على تنظيمه، بمعية شركائه المؤسساتيين، منذ سنة 2016.

وأود التذكير،  في مستهل هذه الكلمة، أن الملتقى البرلماني للجهات، الذي يحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، يعتبر إطارا مؤسساتيا مبتكرا لتنزيل روح الدستور، الذي ينص في فصله 137 على مساهمة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين.

وهي مناسبة لكي نستحضر، بكل فخر واعتزاز، مضامين الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في فعاليات الملتقى البرلماني الثاني للجهات بتاريخ 16 نونبر 2017، والتي جاء فيها: "إن اختياركم لعقد لقاءات دورية للتشاور وتبادل وجهات النظر والنقاش، بشأن تطور هذا الورش المهيكل، ليعكس بحق انخراطكم التام، وإيمانكم بالأهمية القصوى التي نوليها شخصيا لهذا الورش الإصلاحي الكبير؛ الذي يتوخى إضفاء المزيد من الديمقراطية على تدبير الشأن العام، وضمان تقاطع السياسات الوطنية والقطاعية والترابية، حول الغاية التي حددناها، ألا وهي تحقيق ما يستحقه مواطنونا من تقدم منصف ومستدام، ورفاهية وازدهار." (انتهى النطق الملكي السامي)

اليوم، حضرات السيدات والسادة، نلتقي ضمن فعاليات هذه الندوة الموضوعاتية الجهوية، باعتبارها أولى المحطات التحضيرية لأشغال الملتقى البرلماني للجهات في نسخته السادسة، ونحن نتطلع إلى استشراف مداخل التغيير الأساسية على مستوى المنظومة القانونية ذات الصلة على ضوء ما أفرزته الممارسة من إكراهات وتحديات حالت دون بلوغ الفعالية اللازمة في ممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها، ودون الاستثمار الأمثل للآلية الاتفاقية وما تتيحه من إمكانيات لتحقيق الالتقائية على مستوى السياسات العمومية الترابية.

وبالحديث عن الآلية الاتفاقية، وجب التذكير أننا كنا قد خصصنا فعاليات النسخة الرابعة من الملتقى البرلماني للجهات، قبل سنتين، حصرا لموضوع "مأسسة النهج التعاقدي...".

وتحتفظ ذاكرة الملتقى، في هذا الصدد،  بتأكيد السيد رئيس جهة فاس-مكناس ضمن مداخلته آنذاك على أن اعتماد التعاقد الترابي قد جاء من أجل تجاوز، وإيجاد حلول، للعديد من الإشكاليات من بينها: هيمنة المقاربة القطاعية على السياسات العمومية، وضعف التكامل في الرؤية التنموية ذات البعد الترابي، بسبب عدم تنسيق وانسجام تدخلات الدولة والجهات والجماعات الترابية الأخرى، بالإضافة إلى ضعف اللاتركيز الإداري، الذي يعطل فعالية اتخاذ القرار على المستوى الجهوي، وغموض العلاقة بين الفاعلين على المستوى الترابي، وغياب إطار قانوني أو تنظيمي ينظم العلاقة بين الدولة والجهة، واللجوء المبالغ فيه، والغير مؤطر، لعقد اتفاقيات شراكة وتعاون بين الجهات والقطاعات يطغى عليها الطابع القطاعي، أدت في غالب الأحيان إلى جعل تدخلات الجهات تتميز بالظرفية، وضعف الاندماج، ومحدودية الالتقائية، وما يترتب عنها من هدر للموارد، وافتقاد للرؤية الاستراتيجية، وضعف الحكامة.

هذا، وقد شددنا ضمن خلاصات الملتقى الرابع للجهات، وجددنا التأكيد ضمن أشغال النسخة الخامسة من ذات الملتقى، على ضرورة وضع ضوابط قانونية للتعاقد، ضمن إطار منهجي ومرجعي يحدد بدقة شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقود والاتفاقيات بين الدولة والجهات من جهة، وبين الجهات فيما بينها، وبينها وبين باقي أصناف الجماعات الترابية، من جهة أخرى.

وفي نفس السياق، أوصى الملتقى البرلماني للجهات في نسختيه الأخيرتين بالتسريع بفتح ورش الملائمة التشريعية والتنظيمية المتعلقة باختصاصات القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجماعات الترابية، وبمراجعة الإطار القانوني المنظم للجماعات الترابية لجعله أكثر وضوحا وتجانسا، لاسيما فيما يتعلق بتدقيق الاختصاصات وإعادة النظر في توزيعها بين الدولة والجماعات الترابية.

حضرات السيدات والسادة؛

إن موضوع الاختصاصات يحيل بشكل مباشر إلى إشكالية الموارد، المالية منها والبشرية.

فعلى مستوى الموارد المالية، يلاحظ أن تمويل الجهوية يعتمد بشكل أساسي على الموارد المرصودة من الدولة بما يناهز 93% خلال الفترة 2018-2021 في حين لم تتعدى الموارد الذاتية 7% (حسب التقرير الموضوعاتي الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات خلال شهر أكتوبر من السنة المنصرمة).

وفي سياق متصل، يسجل تأخر في تأطير الشراكة مع القطاع الخاص، حيث اقتصرت حصيلة الشراكات بين الجهات والقطاع الخاص على إبرام اتفاقيات شراكة من قبل 4 جهات في إطار دعم المقاولة، علما بأن هذا النوع من الشراكات يتيح إمكانية الاستفادة من قدرات الابتكار والتمويل المتوفرة لدى القطاع الخاص.

وعلى صعيد الموارد البشرية، يجدر بنا تجديد التأكيد على أهمية تمكين إدارات الجهات من الموارد البشرية الكافية والمؤهلة وجعل الوظيفة الجهوية أكثر استقطابا وجاذبية. وهو ما يستوجب بالأولوية إرساء منظومة للتدبير التوقعي للأعداد والوظائف والكفاءات لتسهيل اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير الموارد البشرية وتقوية قدراتها التدبيرية وملاءمة المناصب والكفاءات لخصوصيات المجال الترابي للجهة.

وفي هذا الصدد، لابد من التأكيد على ملحاحية إحالة مشروع القانون المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي إدارات الجماعات الترابية إلى مجلس المستشارين، قصد الإسراع بإدراجه ضمن مسطرة التشريع، للنهوض بالموارد البشرية بالجماعات الترابية، واستقطاب الكفاءات على المستوى الترابي وتعزيز التكوين المستمر لفائدة موظفي الجماعات الترابية، مع الحرص على تضمينه للضمانات الكافية لجعل موظفي الجهات بمنأى عن أي تأثيرات غير موضوعية.

ونجدد تأكيدنا، في نفس السياق، على أهمية الإسراع بوضع نظام أساسي ملائم للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع لتمكينها من الرفع من جاذبيتها لاستقطاب موارد بشرية ذات تجربة وخبرة عالية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجال الترابي التابع لها.

كما نؤكد على ملحاحية مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بتنظيم القطاعات الوزارية وبالوظيفة العمومية والتعيين في مناصب المسؤولية، لتعزيز تنظيم المديريات الجهوية وتحقيق التوازن بين المستوى المركزي واللاممركز والرفع من جاذبية المناصب على المستوى اللاممركز وتمكين رؤساء المصالح اللاممركزة من صلاحيات تدبير المسار المهني للموارد البشرية الخاضعة لسلطتهم.

حضرات السيدات والسادة؛

تلكم بعض الهواجس والاعتبارات المنهجية التي وددت تقاسمها معكم إسهاما مني في تأطير النقاش ضمن أشغال هذه الندوة، التي نأمل في أن تفضي إلى بلورة خلاصات تشكل أرضية للتداول والنقاش ضمن أشغال الملتقى البرلماني السادس للجهات، في أفق استكمال حصر جميع النصوص القانونية المتعلقة بمجالات  تدخل القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجهات، التي تقتضي التتميم أو التعديل في إطار الملاءمة التشريعية والتنظيمية؛ واستكمال مراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة باللاتمركز الإداري؛ ووضع إطار قانوني لضبط شكليات وشروط إبرام وتنفيذ العقود والاتفاقيات بين الدولة والجهات من جهة، وبين الجهات فيما بينها، وبينها وبين باقي أصناف الجماعات الترابية، من جهة أخرى.

وهي مناسبة للتذكير بأن الحكومة ملتزمة في إطار البرنامج الحكومي للفترة 2021-2026 باستكمال الجهوية المتقدمة من خلال نقل اختصاصات واسعة من الدولة إلى الجهة بالموازاة مع تحويل الموارد المالية والبشرية الكافية لذلك، وعلى نحو يضمن الاستقلالية في التدبير المالي والإداري للجهة، ويجعل من هذه الأخيرة قطبا تنمويا حقيقيا ورافعة للتنمية البشرية والارتقاء الاجتماعي وشريكا أساسيا للدولة.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛

في ختام هذه الكلمة، أريد أن اتوجه بالشكر إلى السيد والي جهة فاس-مكناس والسادة عمال الأقاليم التابعة للنفوذ الترابي للجهة، وإلى مجلس جهة فاس-مكناس، رئيسا ومكتبا، على تفاعلهم الإيجابي والسريع مع مبادرة تنظيم هذه الندوة الموضوعاتية الجهوية.

كما أتوجه بالشكر إلى كافة البرلمانيين ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم ورؤساء الغرف المهنية وكل الفاعلين في التنمية الترابية على صعيد الجهة، الذين لبوا الدعوة للمشاركة في فعاليات هذه الندوة.

والشكر موصول أيضا لممثلي المؤسسات الدستورية الحاضرين معنا،  ولممثلي المصالح الوزارية اللاممركزة، والخبراء والأكاديميون الذين يواكبون معنا هذا التمرين الفكري الجماعي.

ولا تفوتني الفرصة دون أن أشكر المنابر الإعلامية التي تغطي أشغال هذه الندوة بكل احترافية ونكران للذات.

 

أتمنى لأشغال هذه الندوة الموضوعاتية الجهوية كامل التوفيق والنجاح، وشكرا على حسن الإصغاء.