تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

خطاب اختتام دورة أكتوبر 2016-2017

2017-02-09

بسم الله الرحمان الرحيم

السيدات والسادة المستشارون المحترمون،

السادة الوزراء المحترمون

الحضور الكريم،

 

 

طبقا لأحكام الفصل 65 من الدستور ومقتضيات المادة السادسة من النظام الداخلي يختتم مجلس المستشارين، اليوم، دورة أكتوبر للسنة التشريعية 2016ـ 2017.

وقبل استعراض حصيلة عمل المجلس خلال هذه الدورة، لا بد أن نتوقف عند الحدث التاريخي المتمثل في عودة المملكة المغربية إلى الإتحاد الإفريقي، والتي جاءت كتتويج لدبلوماسية مبادرة، حكيمة ومتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، هيأت شروط هذه العودة المستحقة والمظفرة للمملكة إلى حظيرة الاتحاد الافريقي.

لقد شكل خطاب جلالة الملك أمام المشاركين في أشغال القمة الثامنة والعشرين لقادة دول ورؤساء حكومات بلدان الاتحاد الافريقي التي احتضنتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عنوانا لمرحلة تاريخية قوية ومتميزة وواعدة بالنسبة للمغرب ولأفريقيا على حد سواء اعتبارا لمكانة المغرب ودوره الريادي في الدفاع عن قضايا ومصالح شعوب القارة الأفريقية

"لقد جاء قرار العودة إلى المؤسسة الإفريقية ثمرة تفكير عميق. وهو اليوم أمر بديهي.

لقد حان موعد العودة إلى البيت: ففي الوقت الذي تعتبر فيه المملكة المغربية من بين البلدان الأفريقية الأكثر تقدما، وتتطلع فيه معظم الدول الأعضاء إلى رجوعنا، اخترنا العودة للقاء أسرتنا.

وفي واقع الأمر، فإننا لم نغادر أبدا هذه الأسرة. ورغم السنوات التي غبنا فيها عن مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فإن الروابط لم تنقطع قط؛ بل إنها ظلت قوية. كما أن الدول الأفريقية وجدتنا دوما بجانبها...".( انتهى النطق الملكي)

 إن عودة المملكة المغربية إلى حظيرة الإتحاد الافريقي بقدر ما تعد انتصارا تاريخيا أسقط كل المخططات والمناورات التي كانت تستهدف النيل من مصالحنا، فهي تفتح أمامنا كبرلمانيين تحديات جديدة، تفرض علينا استلهام التحرك الدبلوماسي الذي قاده جلالة الملك، ومواصلة هذا التحرك وإعطائه مضمونا ملموسا في علاقتنا مع إخواننا الأفارقة.

 

حضرات السيدات و السادة،

 

لقد حاول مجلس المستشارين منذ افتتاح البرلمان من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أن يمارس صلاحياته الدستورية في مجال الرقابة على العمل الحكومي من خلال الجلسة الأسبوعية وفي حدود المهام الموكولة لحكومة تصريف الأعمال لاسيما وأن الساحة الوطنية عرفت أحداثا على قدر كبير من الأهمية تستدعي تفاعل البرلمان معها. وهكذا راسل المجلس الحكومة في هذا الشأن، إلا أن هذه الأخيرة كان لها رأي أخر تمثل في عدم الاستجابة لطلب المجلس، مستندة في ذلك إلى القانون التنظيمي الخاص بتنظيم وتيسير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها وفق تأويل خاص للفصل 37 منه.

وتحمل المجلس مسؤوليته، وأصدر بلاغا بهذا الصدد يشرح فيه حيثيات الموقف ويخلي مسؤوليته من أي تعثر في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي. كما واصل المكتب اجتماعاته الأسبوعية للتداول في مختلف القضايا المندرجة في مجالات اختصاصاته وكذا اللقاءات التنسيقية مع رؤساء الفرق ومنسقي المجموعات البرلمانية ورؤساء اللجان الدائمة للتشاور حول القضايا ذات الأولوية في تدبير المؤسسة.

وجدير بالذكر أن مجلس المستشارين لم يستسلم لوضعية الجمود الاضطراري ، بل بادر إلى تفعيل دينامية متجددة ونشيطة همت جميع مناحي الاشتغال في مجال اختصاصاته.

فعلى مستوى المراقبة، تابعت اللجنة النيابية لتقصي الحقائق حول وضعية الصندوق المغربي للتقاعد أشغالها واستمعت إلى عدد من المسؤولين.  ومن أجل استجلاء المزيد من الحقائق حول موضوع اشتغالها، طلبت عن طريق مكتب المجلس استصدار تقرير من المجلس الأعلى للحسابات حول وضعية الصندوق المغربي للتقاعد. وقد خصص المجلس لتقديمه اجتماعا مشتركا اعتبر الأول من نوعه جمع بين فعالياته ثلاثة لجان دائمة ولجنة مؤقتة، وتم فيه الاستماع إلى عرض قدمه السيد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات حول الموضوع.

وعلى مستوى التشريع، واعتبارا للأهمية التي يكتسيها مشروع القانون رقم01.17 المتعلق بالمصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي لارتباطه بتوفير شروط عودة المغرب إلى مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فقد تعبأت كل مكونات المجلس للتحسيس بدقة هذه اللحظة، وهو ما ترجم في الاجتماع الهام الذي عقدته لجنة الخارجية والحدود والدفاع الوطني والمناطق المغربية المحتلة وكذلك الجلسة العامة التي عرفت حضورا وازنا للسيدات والسادة المستشارين، مما يعكس حرص الجميع على التعبئة عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا للوطن.

وعلى المستوى الدبلوماسي، شهدت هذه الدورة كذلك نشاطا دبلوماسيا هاما، إذ استقبل المجلس 9 وفود يمثلون مؤسسات حكومية وبرلمانات وطنية وشخصيات دولية، كما شارك المجلس في 21 تظاهرة  إقليمية ودولية، وعلى رأسها الزيارة التي قمنا بها على رأس وفد من المجلس إلى جمهورية الشيلي بدعوة من رئيس مجلس النواب الشيلي، حيث التقينا مع مسؤولين حكوميين وبرلمانيين رفيعي المستوى، وتناولنا مختلف القضايا والمواضيع التي تهم توطيد علاقاتنا الثنائية. وتوجت هذه الزيارة بالتوقيع على مذكرة تعاون وبالاتفاق على غقامة منتدى برلماني أفريقي – لاتيني أميركي لتعزيز التعاون جنوب-جنوب.

وتميزت هذه الدورة بتنظيم المجلس لمجموعة من الأنشطة حول قضايا ذات أهمية على المستوى الإقليمي والدولي نذكر من بين أهمها:

  • احتضان البرلمان المغربي ما بين 5 و 9 نونبر أشغال الدورة ال69 للجنة التنفيذية والمؤتمر ال39 للاتحاد البرلماني الإفريقي، وقد انكبت على الدراسة والمصادقة على التعديلات الخاصة بالنظام الأساسي والقانون الداخلي للاتحاد، والبرنامج السنوي للعمل، ومشروع الميزانية برسم سنة 2017، فضلا عن تحديد جدول أعمال وتاريخ ومكان انعقاد الدورة ال70 للجنة التنفيذية للاتحاد. كما عقدت لجنة النساء البرلمانيات للاتحاد البرلماني الإفريقي، بنفس المناسبة، اجتماعا خصص لدراسة موضوع "مساهمة البرلمانات الإفريقية في محاربة استغلال وتشغيل النساء والأطفال".

  • أما أشغال المؤتمر ال39 للاتحاد البرلماني الإفريقي فقد جرت أطواره يومي 8 و 9 نونبر، وعرف الاستماع إلى التقرير العام الذي قدم من طرف اللجنة التنفيذية، وإلى تقرير حول أنشطة الاتحاد، فضلا عن تقرير حول أنشطة لجنة النساء البرلمانيات.  وتطرق المشاركون، خلال هذا المؤتمر، إلى عدد من المواضيع تتعلق ب "مشاركة المواطنين وخاصة الشباب في النهوض بالديمقراطية"، و"دور البرلمانات الإفريقية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، وكذا «محاربة الإرهاب في أفريقيا." وعرف هذا المؤتمر انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وتحديد مكان وتاريخ انعقاد المؤتمر ال40 للاتحاد البرلماني الإفريقي.

  • وعلى هامش فعاليات الكوب 22 بمراكش، عقدت البرلمانات الإفريقية اجتماعا تشاوريا، بمبادرة من البرلمان المغربي، وذلك يوم السبت 12 نونبر 2016، خصص لتنسيق المواقف وتوحيد الجهود من أجل بلورة مبادرة للترافع بشأن تمكين البلدان الإفريقية السائرة في طريق النمو، من تدعيم قدراتها للتخفيف من تداعيات التغيرات المناخية والتكيف مع مشروع الانتقال الطاقي بما يوفر لها التمويلات الملائمة، وكذا التحويل التكنولوجي، كما استهدف تقاسم وتوحيد الرؤى بين البرلمانات الإفريقية حول موضوع التغيرات المناخية وآثارها على القارة السمراء وتوج اللقاء باعتماد إعلان مراكش للبرلمانات الإفريقية المشاركة في الكوب 22.

  • وفي نفس الإطار عقد اجتماع تنيسيقي تشاروي لممثلي البرلمانات الفرانكفونية واستهدف هذا اللقاء أيضا اطلاع وتحسيس البرلمانيين الفرانكفونيين على بنوذ ومقتضيات اتفاق باريس للمناخ من أجل تسريع مسلسل المصادقة على الاتفاق وإدراجه ضمن التشريعات الوطنية وتعزيز المراقبة في ما يخص احترام الالتزامات الوطنية والدولية، وتعزيز الشفافية وإلزامية تقديم حصيلة الأعمال المنجزة في مجال مكافحة التغيرات المناخية.

  • وبمناسبة انعقاد الكوب 22 نظم البرلمان المغربي بشراكة مع الإتحاد البرلماني الدولي فعاليات الاجتماع البرلماني  بمناسبة مؤتمر "كوب 22" بمراكش يوم 13 نونبر 2016. وشارك في أشغال هذا الاجتماع، وفود عن 167  دولة أعضاء في الإتحاد البرلماني الدولي، بالإضافة إلى ممثلي المنظمات البرلمانية الإقليمية والجهوية والدولية، وكذا ممثلي المنظمات الحكومية وغير الحكومية. وتميز هذا اللقاء البرلماني بالتداول في قضايا ترتبط أساسا بدور البرلمانات في تفعيل مضامين "اتفاق باريس"، وكذا تفعيل "المخطط البرلماني حول التغيرات المناخية" المصادق عليه في الجمعية العامة 134 للإتحاد البرلماني الدولي التي انعقدت بلوسكا بزامبيا. وتوج هذا اللقاء بالمصادقة على الوثيقة الختامية التي كان لمجلسنا الموقر شرف صياغة مضامينها.

وسيعرف مساء هذا اليوم تنظيم ندوة حول "محاربة الإرهاب والتطرف العنيف في البحر الأبيض المتوسط: أي تعاون بين الضفتين؟ (المغرب نموذجا)" في إطار زيارة وفد عن الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط لمجموعة الحوار 5+5 للوقوف على التجربة المغربية الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، باعتبارها نموذجا عرف نجاحا كبيرا وإشعاعا إقليميا ودوليا، وبالمجهودات التي بذلتها بلادنا في ما يخص تجديد الحقل الديني ودوره في محاربة التطرف العنيف. 

 

 وفي إطار تعزيز الدور المحوري لمجلسنا في توطيد وتثمين العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية، استقبل مجلسنا وفدين هامين، الأول قاده رئيس مجلس النواب الشيلي، والذي قام بزيارة للأقاليم الجنوبية للمملكة، التقى خلالها مع شيوخ القبائل الصحراوية، ووقف عند التطور الهام الذي عرفته مدينة العيون على مستوى البنية التحتية وتحديث المرافق الاجتماعية.. والوفد الثاني قادته رئيسة مجموعة الصداقة البرلمانية الشيلية ـ المغربية.

 

وعلى مستوى تفعيل مجموعات الصداقة، تميزت هذه الدورة باستكمال تشكيل لوائح مجموعات الصداقة والتعاون مع برلمانات المجالس المماثلة (65 مجموعة)، وأيضا تفعيل وإحداث مجموعات تعاون وصداقة مع برلمانات الدول الإفريقية (15 دولة). كما واصلت مجموعة الصداقة البرلمانية المغرب – الاتحاد الأوروبي عملها الدبلوماسي من خلال زيارة إلى ستراسبورغ بمناسبة مناقشة والتصويت على مشروع التقرير السنوي لـ 2015 حول وضعية حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم، وسياسة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال، وزيارة مماثلة لبروكسيل للتباحث حول القضايا ذات الاهتمام المشترك ومناقشة سبل تعزيز التعاون الثنائي بين المؤسستين التشريعيتين.

 

وبخصوص العلاقة مع المؤسسات الدستورية، فقد شكل التعاون والتفاعل معها هاجسا يحظى بالأولوية لدى مجلس المستشارين، حيث الحرص الشديد على استمرار السلاسة التي طبعت علاقته بها على الدوام بتفاعل المجلس الدائم مع التقارير الصادرة عنها بتعميمها على جميع مكوناته من فرق ومجموعات ومكتب، بغاية استثمار ما يرد فيها من تحاليل ومعطيات تساعد السيدات والسادة المستشارين في ممارسة الأدوار الرقابية والتشريعية المنوطة بهم؛ فضلا عن المساهمة والمشاركة النوعية لكل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ومجلس الجالية المغربية بالخارج في مختلف المبادرات التي أقدم عليها مجلسنا والمندرجة في اختصاصاتها. وكذلك الشأن بالنسبة لاسترسال العلاقة مع المجلس الدستوري بخصوص قراراته ذات الصلة بالمنازعات الانتخابية لأعضاء مجلس المستشارين.

 

أما بخصوص الانفتاح على المحيط وتنشيط الحوار العمومي، فقد واصل مجلسنا الموقر تنظيم عدد من الفعاليات الحوارية بغرض التداول والتناظر بشأن بعض القضايا الوثيقة الصلة بمهامنا أو المرتبطة بالتزامات بلادنا الدولية، حيث شهدت هذه الفترة تنظيم ندوة برلمانية غير مسبوقة حول موضوع "ملاءمة التشريعات الوطنية مع مضامين اتفاق باريس حول التغيرات المناخية" بشراكة مع "مؤسسة وستمنستر للديمقراطية" و"معهد غرانثهام للأبحاث حول المناخ والبيئة"، انكبت على تدارس العديد من القضايا المتعلقة بنتائج مؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار حول التغيرات المناخية COP22 / CMP12 / CMA1 من قبيل تدعيم قدرات التخفيف والتكيف وتحقيق التمويل الملائم وتعزيز ونقل التكنولوجيا وإعمال الشفافية والمساءلة. وخلصت إلى إعداد "مشروع المخطط البرلماني لملائمة التشريعات الوطنية مع اتفاق باريس" والذي عرض على أنظار مجلس النواب الموقر قصد إبداء الرأي واعتماده كصيغة نهائية لمساهمة البرلمان المغربي بمجلسيه في المجهود البرلماني الدولي الرامي إلى الرقي بالممارسة البرلمانية الوطنية في مجال تحيين وملاءمة التشريعات الوطنية ذات الصلة بتغيرات المناخ.

وفي سياق متصل وقناعة من مجلسنا بترابط إعمال مقتضيات باريس مع الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة لعام 2030 ، عملنا على تنظيم يوم دراسي حول أدوار البرلمان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمعية المندوبية السامية للتخطيط وبتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية ومؤسسة "وسمنستر للديمقراطية"، التي وقعنا معها بالمناسبة اتفاقية للشراكة والتعاون.

ومن بين مخرجات هذا اللقاء، صياغة تقرير تركيبي استعرض مداخلات اليوم الدراسي والنقاشات التي جرت فيه من حيث المكتسبات ذات الطابع المنهجي والمعياري ومكتسبات أخرى متعلقة بالسياسات العمومية، تشكل أساسا يمكن الانطلاق منه لبناء إطار متكامل لإعمال أدوار البرلمان في تتبع تنفيذ وتقييم إعمال أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك تكييف السياسات العمومية القطاعية والأفقية والترابية، لجعلها محققة لأهداف التنمية المستدامة وإجراء المراجعات القانونية التي يتطلبها ذلك.

وفي مقابل ذلك تم التوقف على بعض التحديات التي يمكن في حال عدم إيجاد أجوبة قانونية وسياسات عمومية من أجل رفعها أن يعيق ليس فقط إعمال أدوار البرلمان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بل تفعيلها على أرض الواقع، ليخلص هذا اليوم الدراسي إلى التداول بشأن مشروع الإعلان حول دور البرلمان في رصد وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة والموافقة على فحواه واعتماده.

وتجدر الإشارة في نفس الإطار، إلى أنه تم  تقديم مشروع الدليل البرلماني في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذي تم إعداده استنادا إلى مسودة دليل برلماني أعدها لفائدة برلمانات آسيا خبراء المنظمة العالمية للبرلمانيين ضد الفساد بدعم من برنامج الأمم المتحدة  الإنمائي والبنك الإسلامي للتنمية، وقام بتكييفها مع السياق المغربي خبير وطني وفريق مركز الدراسات والبحوث البرلمانية التابع لمجلس المستشارين.

وترصيدا لمجهودنا الترافعي بخصوص تقوية دور البرلمانات الوطنية ومكانتها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، بادرنا إلى تنظيم ندوة برلمانية حول دور مجلس المستشارين في حماية و تعزيز حقوق الإنسان بشراكة مع مؤسسة "وستمنستر للديمقراطية" والتي تندرج أيضا في إطار احتفال المنتظم الدولي باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وتكريسا لأهمية الدور الذي تلعبه البرلمانات في حماية و إرساء هذه الحقوق وتنفيذ التزامات الدولة.

وقد حرصنا على توفير شروط النقاش التعددي من خلال دعوة المؤسسات الوطنية والحكومية والمدنية والأكاديمية ذات الصلة بالموضوع للمشاركة في هذه الندوة مع استثمار الخبرة الدولية عبر إشراك باحث مساعد في "مشروع الحرية وحقوق الإنسان العالمية"، وخلصت أشغال هذه الندوة إلى تقديم تقرير تركيبي تضمن توصيات جديرة بالاعتبار وكذا التداول بخصوص دراسة معدة لفائدة المجلس حول ملاءمة التشريع الوطني مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والتي نتطلع إلى أن تنير عملنا كبرلمانيين في مجهود ملاءمة منظومتنا التشريعية الوطنية مع منظومة حقوق الإنسان الدولية.

علاوة على ذلك، وضمن نفس المنحى نظم المجلس بتعاون مع المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان لقاء تشاوريا حول التقرير الوطني الذي سيعرض أمام مجلس حقوق الإنسان برسم الدورة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل. واستهدف هذا اللقاء التفاعلي عرض مضامين التقرير الوطني الذي أعدته المندوبية الوزارية بالتعاون مع باقي الفاعلين الوطنيين المعنيين، وإطلاع السيدات والسادة المستشارين المحترمين على مضامينه وإبداء الرأي بشأنه.

وفي سياق السعي نحو الترصيد والتوثيق، نظمنا بمعية مجلس الجالية المغربية بالخارج، ورشة عمل لتقديم أعمال الندوة الدولية حول موضوع " مغاربة العالم و الجهوية الموسعة " المنظمة خلال فصل الصيف من السنة الفارطة. وقد تم الإعلان عقب هذه الورشة على عزم المؤسستين تنظيم النسخة الثانية لهذه الدورة في غضون شهر يوليوز المقبل.

أما بشأن السعي إلى إشراك المجتمع المدني في بلورة مقترحات ملموسة لتفعيل مستلزمات الديمقراطية التشاركية المنصوص عليها دستوريا، فقد نظمنا بتعاون مع المركز الدولي لقوانين منظمات المجتمع المدني لقاءا دراسيا حول"تفعيل وتدبير حق تقديم العرائض والملتمسات- الآليات التنظيمية والإدارية لمجلس المستشارين وأدوار المجتمع المدني-". وسعى هذا اللقاء التفاعلي الثالث، إلى تكثيف التفاعل المؤسساتي المدني من أجل مساهمة فاعلة تنكب بصفة خاصة على تطوير مقتضيات النظام الداخلي لمجلس المستشارين، لجعله أكثر ملائمة مع المرجعيات الوطنية والدولية، ومتسقا في كثير من جوانبه مع التجارب والممارسات الفضلى، وكذا تفعيل المرتكزات والقواعد الدستورية والمرجعيات الوطنية ذات الصلة. وقد توزعت أشغال هذا اللقاء الدراسي على محورين بارزين؛ ضمن خمس مداخلات مركزية؛ حيث هم المحور الأول أهم الآليات القانونية والإدارية لتفعيل وتدبير مجلس المستشارين للحق في تقديم العرائض والحق في الملتمسات، وخصص المحور الثاني لأدوار وآليات المجتمع المدني في تفعيل الحق في تقديم الملتمسات والعرائض إلى مجلس المستشارين ومرافقة المواطنين لممارسته.

واسمحوا لي في هذا الصدد، أن أجدد التنويه إلى أنه فيما يخص العلاقة مع المجتمع المدني فإن مقاربتنا تتجاوز جوانبها الموضوعاتية إلى ما هو إجرائي  وتنظيمي عبر ترجمة التوصيات والخلاصات المتمخضة عنها إلى مقتضيات في بنود مشروع النظام الداخلي. واغتنم هذه الفرصة للتنويه بالعمل الذي تقوم به لجنة النظام الداخلي التي واصلت اشتغالها خلال هذه الدورة، وفق منظور جديد للعمل البرلماني يروم إدماج مختلف القضايا المستجدة وعلى رأسها قضايا حقوق الإنسان ومتطلبات التنمية المستدامة.

كما انكب المجلس على تحضير البنيات الإدارية المستقبلية تماشيا مع المستجدات التشريعية في العلاقة باهتمامات المجتمع المدني كتلك المتعلقة بتقديم العرائض والملتمسات وكذلك إدماج اللغة الامازيغية في أشغال مجلس المستشارين.

 وعلى مستوى مناقشة وتقييم السياسات العمومية، فقد حقق المجلس تراكما هاما، إذ سيفعل المقتضيات الدستورية المتعلقة بها للمرة الثالثة على التوالي، ذلك أن مكتب المجلس وطبقا لمقتضيات النظام الداخلي باشر مسطرة إحداث المجموعة الموضوعاتية المكلفة بالتحضير للجلسة السنوية بالتعاون والتشاور مع مكونات المجلس، حيث حدد عدد أعضائها في 13 عضوا حسب التمثيل النسبي للفرق والمجموعات.

وقد سبقت هذه العملية، توصل مكتب المجلس من الفرق والمجموعات بأربعين 40 اقتراحا في مواضيع تهم مختلف مناحي الحياة الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، منها 12 موضوعا هم وضعية المرفق العمومي.

وبعد مشاورات مكثفة وتفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب افتتاح البرلمان، استقر الرأي على اختيار السياسة العمومية في مجال المرفق العمومي كمحور للجلسة السنوية لهذه السنة.

وبغرض تجويد العمل البرلماني والرفع من نجاعته، اتخذ مكتب المجلس قرارا يخص اعتماد نظام المساعدة البرلمانية كما هو معمول به في مجموعة من البرلمانات الوطنية عبر العالم.

وعلى مستوى تدبير الموارد البشرية للمجلس، فإن المكتب منكب على إعداد مخطط استراتيجي يروم تقوية قدرات هذه الموارد والرفع من مردوديتها وتحقيق الفعالية والنجاعة في العمل الإداري. وسعيا منه إلى إشراك الجميع في هذا الورش الهام، فقد عقد سلسلة من المشاورات مع جميع المكونات بغاية إنضاج شروط تفعيل المخطط واتخاذ التدابير المصاحبة له وعلى رأسها تعميق النظر وتوسيع الاستشارة حول منظام إدارة مجلس المستشارين بعد مرور ثلاث سنوات على تطبيقه.

 

 

حضرات السيدات والسادة،

في الختام، يسعدني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى السيدات والسادة  المستشارين المحترمين، أعضاء مكتب المجلس، ورؤساء الفرق البرلمانية ومنسقي المجموعات البرلمانية، ورؤساء اللجن الدائمة، على نشاطهم المتواصل وحضورهم الدائم وحرصهم على الرقي بأداء المجلس.

والشكر أيضا موصول لكافة السيدات والسادة المستشارين على حرصهم ومواظبتهم في إغنـاء النقاش داخل المجلس.

ويسعدني بنفس المناسبة، أن أنوه بكافة أطر وموظفات وموظفي مجلس المستشارين، على تفانيهم في العمل من أجل النهوض بأداء مجلسنا والرفع من إنتاجيته...

كما لا يفوتني بهذه المناسبة، أن أتوجه بالشكر إلى جمعيات المجتمع المدني على متابعتهم الدائمة لأنشطة المجلس، وكذا مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية على مواكبتها لأنشطة المجلس، ونقلها بمهنية للرأي العام.

 

وشكرا على حسن إصغائكم