السيد نائب رئيس البعثة الدبلوماسية للمملكة المتحدة بالمغرب،
السيد مدير برامج مؤسسة وستمنستر للديمقراطية،
السيد منسق بحوث برنامج "دعم،
زميلاتي وزملائي البرلمانيات والبرلمانيين،
السيدات والسادة الحضور،
يشرفني أن أفتتح أشغال هذه الندوة التي يحتضنها مجلس المستشارين في إطار الشراكة التي تربطه بسفارة المملكة المتحدة بالمغرب ومؤسسة وستمنستر للديمقراطية، والمنظمة من طرف برنامج "دعم" لتقديم مساهمة البحوث الإجرائية في السياسات العمومية.
ويسعدني بشكل خاص أن يحتضن مجلس المستشارين هذا النوع من النشاط الذي يرمي إلى عرض إسهامات تلة من فعاليات المجتمع المدني في مجال البحوث الإجرائية حول السياسات العمومية وتقاسم مخرجاتها مع مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية التابع للمجلس.
وهي مناسبة لأذكر بأن المجلس ومنذ انتخابه في حلته الجديدة، اتخذ من احتضان النقاش العمومي والحوار المجتمعي التعددي هدفا استراتيجيا ضمن خطة عمله، الشيء الذي مكنه، في إطار الانفتاح على انتظارات وتطلعات المواطنات والمواطنين، من تنظيم واحتضان العديد من الأنشطة الحوارية والفكرية في مجموعة من القضايا المجتمعية الراهنة، وعلى رأسها المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية والذي نحضر لتنظيمه في نسخته الخامسة يوم 19 فبراير المقبل في موضوع "توسيع الطبقة الوسطى: قاطرة للتنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي"، والملتقى البرلماني للجهات الذي نهيئ كذلك لتنظيمه في دورة رابعة...
حضرات السيدات والسادة،
إن ممارسة البرلمان لوظيفة التشريع تجعله مؤهلا لوضع الإطار القانوني للسياسات العمومية، وخصوصا في المجالات التي حددها الفصل 71 من الدستور، كما تخوله التحكم في الآلية القانونية الأساسية لإعمال وتنفيذ مختلف السياسات العمومية عبر دراسته وتصويته على مشاريع قوانين المالية السنوية طبقا للفصل 71 من الدستور، وذلك بغض النظر عن القيود والحدود التي فرضها المشرع الدستوري على اختصاص البرلمان في المجال المالي.
كما تم توسيع مجال الرقابة البرلمانية، من أجل تمكين البرلمان من آليات جديدة لمراقبة الحكومة في تنفيذها للسياسات العمومية، وذلك عبر إقرار مجموعة من الآليات الجديدة من قبل الأسئلة الشفوية الموجهة لرئيس الحكومة المتعلقة بالسياسات العمومية طبقا للفصل 100 من الدستور، وعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين طبقا للفصل 101، وفتح الباب أمام اللجان المعنية في كلا المجلسين لكي تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم.
إضافة إلى ذلك، وبعدما أرست الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011 دعائم ممارسة البرلمان لوظيفة تقييم السياسات العمومية، جاءت الفقرة الثانية من الفصل 101 موضحة بأنه "تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها".
ولقد سارع مجلس المستشارين إلى تعزيز ممارسته لهذه الوظيفة الجديدة استنادا إلى مسطرة دقيقة توضح الآجال والقنوات وتضبط المسؤوليات، يحددها نظامه الداخلي، وتسهر على تنفيذها مجموعة موضوعاتية مؤقتة يتم تشكيلها من مختلف الحساسيات السياسية والنقابية والمهنية المكونة للمجلس، مع الاستفادة من الدعم الذي يضمنه الدستور للبرلمان في هذا المجال من لدن مؤسسات وهيئات الحكامة.
استنادا إلى هذا المقتضى الدستوري، أنجز مجلس المستشارين ابتداء من سنة 2015 ثلاث عمليات للتقييم تتعلق بما يلي:
- تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالحكامة الترابية ومتطلبات التنمية الجهوية (يوليوز 2015).
- تقييم السياسات العمومية المرتبطة بإنتاج الثروة (يوليوز 2016)
- تقييم السياسات العمومية المتعلقة بالمرفق العمومي (يوليوز 2019)
وللإشارة، فان اختيار تقييم السياسات العمومية السالف ذكرها كان اختيارا جماعيا عبرت عنه مقترحات مختلف مكونات المجلس وحسم فيه مكتب المجلس بتنسيق مع مجلس النواب- في استحضار تام لأولويات التنمية وبتجاوب مع طموحات وتطلعات المواطنين.
حضرات السيدات والسادة،
إن البرلمان باعتباره ممثلا للأمة ومنصتا ومترجما لصوتها يحرص على أن تعود السياسات المقررة بالنفع على جميع المواطنات والمواطنين، وبشكل خاص الفئات الأشد ضعفا، كما أنه يستحضر خلال ممارسته لوظائفه جداول الأعمال العالمية وذلك من أجل ضمان تنفيذ الحكومة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعتها، خاصة بعد تأكيد هذا التوجه في تصدير دستور المملكة.
في هذا السياق، ومن أجل دعم هذا العمل البرلماني متعدد القنوات، أحدث مجلس المستشارين مركزا للدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية، وأوكل إليه ابتداء من السنة التشريعية 2016-2017 مهمة الانكباب على الخطة العالمية لأهداف التنمية المستدامة 2030، باعتبارها مدخلا شموليا لمختلف القضايا التي تهم الإنسان في هذا الوطن وفي العالم ككل.
وبالفعل، انكب المركز على إنجاز مجموعة من الدراسات والبحوث ذات الصلة بالعمل البرلماني، والمتعلقة بالسياسات العمومية المرتبطة بالأهداف السبعة عشر للخطة، وهي دراسات انصبت أساسا على قضايا:
الطفولة: عبر إنجاز دراسة حول التعليم الأولي بالمغرب في أفق سنة 2030، ودراسة ثانية حول تشغيل الأطفال بين القوانين الوطنية والمواثيق الدولية؛
التشغيل: من خلال إنجاز دراسة حول الحق في ممارسة الإضراب في ضوء المعايير الدولية، وأخرى حول منظومة حماية الأجور في المغرب على ضوء مدونة الشغل ومعايير العمل الدولية؛
الحماية الاجتماعية: عبر إعداد دراسة حول منظومة الحماية الاجتماعية بالمغرب؛
التغيرات المناخية: عبر إنجاز ورقة بحثية حول ملائمة القوانين الوطنية مع المواثيق الدولية المتعلقة بالتغيرات المناخية؛
الهجرة: من خلال الدراسة حول ملائمة القوانين الوطنية للهجرة مع الميثاق العالمي للهجرة...
وجدير بالذكر، أن ما يميز هذه الدراسات هو طابعها العملي وكونها تقدم "في الوقت المناسب والشكل المناسب والمحتوى المناسب" مخرجات موجهة لدعم العمل البرلماني.
ولأجل ذلك، اعتمدت هذه الدراسات منهجية تقوم على استقراء السياق القانوني والواقع الوطني والتجارب المقارنة بشأن القضايا مواضيع البحث، وتنتهي بمقترحات عملية إما في شكل توصيات إجرائية أو مقترحات قانونية دقيقة. (هذه الدراسات متاحة أمام العموم على البوابة الإلكترونية للمجلس)
حضرات السيدات والسادة،
اسمحوا لي في ختام هذه الكلمة، أن أنوه بجمعيات المجتمع المدني التي نجحت ضمن برنامج "دعم" في إجراء بحوث حول السياسات العمومية في أبعادها الوطنية والترابية، وأن أنوه بسفارة المملكة المتحدة بالمغرب على دعمها لهذا النوع من المبادرات الهادفة.
وأغتنم الفرصة لأتوجه بالشكر إلى مؤسسة وستمنستر للديمقراطية التي تربطنا بها شراكة نموذجية على الصعيد الدولي.
أتمنى لأشغال هذه الندوة كامل التوفيق، وآمل في أن يفضي تبادل التجارب في مجال البحوث والدراسات بين فعاليات المجتمع المدني ومركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرلمانية إلى تعزيز القدرات البحثية لدى الطرفين.
وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.
الكلمة تلاها بالنيابة عن السيد رئيس مجلس المستشارين، السيد عبد الحميد الصويري الخليفة الخامس لرئيس المجلس.