تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد الرئيس في أشغال القمة الثالثة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط

2016-05-30

أيتها السيدات والسادة،

يشرفني أن أشارككم تمرين التفكير الجماعي في أفق " المستقبل المشترك للفضاء الأورو متوسطي" و هو الأفق المتمثل في طموح بناء مرتكز متوسطي بثقافي، مولد للتنمية المتقاسمة في مجال السلم و الأمن و التنمية المستدامة مع اعتبار التحولات المناخية و حماية البيئة في المتوسط.

و علينا ان نقرفي البداية بأن الإشكالية المطروحة في هذه الجلسة كأفق للتفكير، هي إشكالية معقدة، وهي تطرح على الأقل  في ثلاث مستويات أود التذكير بها و نحن على أبواب COP22:

  • المستوى الأول: ربط الإشكالية بشكل عضوي بين التنوع الثقافي المتوسطي، و السلم و الأمن و التنمية المستدامة، و التحولات المناخية و حماية البيئة؛

  • المستوى الثاني: ارتباط الإشكالية بجميع المجالات ذات الأولوية لعمل الاتحاد من أجل المتوسط بما في ذلك تنمية المقاولات و النقل و التنمية الحضرية المستدامة و الطاقة و العمل من أجل المناخ و الماء و البيئة و التعليم العالي و البحث والشؤون المدنية و الاجتماعية؛

  • المستوى الثالث: الارتباط العضوي للإشكالية بدرجات متفاوتة و أشكال مختلفة بأهداف التنمية المستدامة في أفق 2030 و لاسيما الهدف 7 المتمثل في " ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة" و الهدف 11 المتمثل في " جعْل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة" و كذا الهدف 12 الخاص ب" ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة" و الهدف 13المتعلق ب" اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغيّر المناخ وآثاره" دون إغفال الهدف 14 المتمثل في " حفظ المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام لتحقيق التنمية المستدامة".  

أيتها السيدات و السادة،

انطلاقا من الإشكالية المذكورة بمستوياتها الثلاث، اسمحوا لي أن أثير قضية تتعلق بطبيعة العمل الحالي و المرتقب للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط على هذه القضايا جميعها في الفضاء المتوسطي و في إطار الاتحاد من أجل المتوسط.

و يجدر التذكير بداية بأن الجمعية العامة للأمم المتحدة  قد ذكرت في الفقرة 45 من قرارها رقم70/1  بتاريخ 25 سبتمبر 2015 بعنوان"تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030"  " بالدور الأساسي الذي تضطلع به البرلمانات الوطنية من خلال سن التشريعات واعتماد الميزانيات ودورها في كفالة المساءلة عن فعالية تنفيذ التزاماتنا" . و من الجدير بالذكر أن هذا المستوى من الالتزام ينصب أيضا على الشبكات و الجمعيات البيبرلمانية interparlementaire   سواء على المستويات الإقليمية و الدولية.

و لكي أقدم لكم مثلا ملموسا فإنه بالقدر الذي طورت فيه الكتابة العامة للاتحاد من أجل المتوسط ارضيات تتعلق بالطاقة على مستوى الاتحاد و تدبر فيه عمل مجموعة الخبراء حول التحولات المناخية و  بنفس القدر الذي تتطور فيه دينامية وزارية للتعاون بشأن قضايا التحول المناخي على مستوى الاتحاد من أجل المتوسط خاصة بعد عقد الاجتماع  الوزاري حول البيئة و التحول المناخي الذي انعقد في أثينا يوم 13 ماي 2014 و الذي صدر عنه إعلان وزاري أعيد فيه التذكير  بمساندة مبادرة "أفق 2020" فإني أعتقد، بوصفي رئيسا لمجلس المستشارين أنه قدحان الوقت لتفعيل أكبر  لدور  للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، في تحقيق ربط عضوي بين التنمية المستدامة و مواجهة التحولات المناخية.  و يبدو لي، أيتها السيدات و السادة، أن مستوى جديدا من تفعيل هذا الربط ممكن انطلاقا  من ثلاث مداخل:

يتمثل المدخل الأول في استثمار دور الجمعية البرلمانية للاتحاد و كذا برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد في تحقيق الأهداف الاستراتيجية الثلاث لعمل الاتحاد في مجال الطاقة و العمل من أجل المناخ و ذلك عبر  دعم الحوار البنيوي الجهوي حول الطاقة و التحولات المناخية,، و  توفير  برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد لبيئة تشريعية ملائمة لدعم المشاريع المتعلقة بالطاقات النظيفة و المتجددة و تأمين الموارد اللازمة لذلك، و  النهوض بمثل هذه المشاريع و تشجيع التعريف بها من خلال التعاون بين البرلمانات.

أما المدخل الثاني فيتمثل من وجهة نظري في ضرورة استلهام الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط من خطة العمل البرلمانية حول التحولات المناخية للاتحاد البرلماني الدولي  و التي تم إعدادها في إطار الاجتماع المنظم من طرف الاتحاد البرلماني الدولي و البرلمان الفرنسي في 5 و 6 ديسمبر 2015 بباريس في إطار مؤتمر   الأمم المتحدة حول التحولات المناخية.

ذلك أن خطة العمل تستهدف تكثيف عمل البرلمانات و الاتحاد البرلماني الدولي في مجال المناخ، وتشكل من ثم خطة متكاملة يمكن الاستلهام منه لصياغة خطط مماثلة ليس فقط على مستوى الجمعيات البرلمانية الجهوية (كما هو الشأن بالنسبة للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط) , و إنما أيضا على مستوى البرلمانات الوطنية.  و يمكن الاستدلال في هذا المجال بأولويات للخطة تعتبر، من وجهة نظري كرئيس لمجلس المستشارين، ذات طابع استراتيجي لتحقيق إجابة فعالة تمكن من الوصول إلى الأفق المشترك الذي تم تحديده في بداية الجلسة التي أشارك فيها.

و من تلك الأولويات التي يمكن التذكير بها، و الواردة في الخطة التحليل الممنهج للعمل التشريعي على المستوى الوطني في مجال التحولات المناخية، و تقديم تعديلات على الإطار التشريعي المتعلق بالبيئة بناء على اتفاق باريس حول المناخ ووضع آليات لمراقبة قدرة الحكومة على القيام بالتزاماتها الوطنية و الدولية.

و يتمثل المدخل الثالث و الأخير في استثمار برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد للديناميات الوطنية المتعلقة بدعم البعد البيئي في السياسات العمومية،. و لأني لست في موقع تقديم تجارب مقارنة يمكنني الاكتفاء بتقديم تجربتين لمجلس المستشارين في إغناء هذه الدينامية الوطنية.

تتمثل التجربة الأولى في كون    إعلان المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية الصادر عن المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية المنعقد يومي 19 و 20 فبراير 2016 تحت شعار " تنمية الكرامة الإنسانية لتمكين العيش المشترك" و المنظم من طرف مجلس المستشارين. قد حدد في إحدى تحدياته الأساسية " الحماية من الآثار الاجتماعية للتقلبات المناخية، في إطار متطلبات التنمية المستدامة، و ذلك عبر آليات دعم عمومي ملائم.    

أما التجربة الثانية فتتمثل في كون الإستراتيجية المرحلية لعمل مجلس المستشارين للفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 تحدد كهدف ثالث لها "جعل مجلس المستشارين فضاء للحوار  العمومي و النقاش المجتمعي التعددي لا سيما بخصوص الموضوعات الرئيسية لإعمال الدستور و تحقيق الطابع الفعلي للتمتع بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية." ، و  يندرج تنظيم الملتقى البرلماني للجهات في مطلع الشهر القادم ضمن تحقيق هذا الهدف.

حضرات، السيدات و السادة،  

لا أجد أحسن ما أختم به هذه  المساهمة المتواضعة  سوى مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله للدورة 69 من الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 25 شتنبر 2016، حيث يؤكد جلالته " أن العالم اليوم في مفترق الطرق. فاما أن يقوم المجتمع الدولي بدعم الدول النامية، لتحقيق تقدمها، وضمان الأمن والاستقرار، بمناطقها، وإما أننا سنتحمل جميعا، عواقب تزايد نزوعات التطرف والعنف والإرهاب، التي يغذيها الشعور  بالظلم والأقصاء، والتي لن يسلم منها أي مكان في العالم، وأني لواثق بأن تنامي الوعي من طرف المجتمع الدولي بالتهديدات العابرة للحدود، التي يعرفها العالم بسبب ضعف التنمية البشرية والمستدامة، إضافة ألى الأيمان بالمصير المشترك  للشعوب سيكون له تأثير كبير في إيقاظ الضمير العالمي من أجل عالم أكثر أمنا وانصافا وإنسانية".

ان مضمون هذا المقطع الذي استشهد به يلخص التحديات والرهانات التي تواجهنا في الفضاء المتوسطي، انني أجدد التأكيد هنا أن مواجهة هذه التحديات  يحتاج إلى اكثر من أي وقت مضى الى الأفعال لا إلى  الأقوال،

أشكركم على إصغائكم وامل أن يؤدي هذا الحوار التفاعلي الى انتاج توصيات عملية تؤدي الى تفعيل اكبر لدور الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسطي ومن أجل المساهمة في بناء المستقبل المشترك للفضاء الأورو متوسطي.

شكرا على انتباهكم.