الرباط، 08 نونبر2016
حضرات السيدات والسادة،
من حسن الصدف أن مؤتمرنا هذا يتزامن مع انطلاق فعاليات مؤتمر الأطراف حول التغيرات المناخية COP22 بمراكش.
وإذا كانت القضايا المطروحة على جدول أعمال مؤتمر COP22 كما تعرفون، تتعلق إجمالا ببحث صيغ مكافحة التحديات المترتبة عن التغيرات المناخية، والتي تتحمل قارتنا الإفريقية، أعباء كبيرة منها، وبحث صيغ تحويل اتفاق باريس إلى إنجازات وأفعال، فإننا في هذا المؤتمر نبحث تحديات إضافية، غير منفصلة عن تحديات وتبعات التغيرات المناخية: تحديات إضافية مرتبطة بهذا الكابوس المخيف المتمثل في تناميي التهديدات الإرهابية، والتحديات المرتبطة بتعثر وتعقد مسارات إشراك المواطنين الأفارقة والشباب على وجه الخصوص، في عمليات صناعة القرار السياسي المرتبطة ببلدانهم.
وإذا أضفنا تحديات أخرى، ليست مطروحة في جدول أعمال هذه الدورة،النزوح، والهجرة، والتوترات و النزاعات، عندئذ ندرك كم هو مزدحم جدول أعمال قارتنا، وكم هي عظيمة وجسيمة المسؤولية التاريخية التي نتحملها.
وعودة إلى المواضيع المطروحة على جدول أعمال هذا اليوم، فإنني أنوه بالمواضيع التي وقع الإختيار عليها، وعلينا أن نستحضر، أننا لا ننطلق، في معالجتنا لهذه المواضيع، من الصفر.
بل كإتحاد برلماني إفريقي..... كون بشكل متدرج و تشاركي عناصر رؤية شمولية بشأن مكافحة الإرهاب، سواء على مستوى أسبابه و أعماله و آثاره أو على مستوى سبل ومداخل مكافخته، غير أنه أود التذكير ببعض المداخل الإضافية التي تتكامل مع هذه الرؤية وهي مداخل تتوخى التذكير ببعض العوامل و الآثار البنيوية و العميقة للإرهاب.
فالإرهاب ليس فعلا فحسب، لكنه بالأساس نتاج فكر منحرف، ونتاج خطاب يحرض على الكراهية: كراهية للمجتمع والدولة والعصر وفي أحيان كثيرة كراهية حتى للحياة. وبذلك فالإرهاب أساسه فكر متطرف، يقوم على ادعاء مطلق بتملك الحقيقة كاملة، مع رفض كامل لنسبية الحقيقة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ووجبت الإشارة هنا إلى القرار رقم 33/21 بشأن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، و الذي تم اعتماده من قبل مجلس حقوق الإنسان بتاريخ 30 سبتمبر 2016 وصوتت عليه عشر دول إفريقية منها المغرب، حيث أكد على الدور الهام للتعليم، واحترام التنوع الثقافي، ومنع التمييز ومكافحته، والتشغيل والإدماج بمعناه الواسع، وكذا وضع استراتيجيات تعليمية ملائمة في المساعدة على منع الإرهاب والتطرف العنيف المفضي إلى الإرهاب؛ مشددا في نفس الآن على أهمية دور القيادات والمؤسسات الدينية والمجتمعات المحلية و قيادات المجتمع المدني في منع ومكافحة الإرهاب والتطرف ...، وكذا على ضرورة " النظر في وضع آليات لإشراك الشباب في جهود تعزيز ثقافة السلام والعدالة والتنمية البشرية، وتعزيز التسامح الإثني والوطني والديني".
وفي تساوق مع هذه المداخل، يجذر التأكيد على بعض المسلمات التي يتعين أن تنور نقاشنا بشأن مكافحة الإرهاب ودورنا كبرلمانيين، أذكر منها (4 مسلمات):
-
أن شبح الإرهاب والتهديدات الإرهابية يمثل تحديا مشتركا، ينبغي أن يظل على الدوام على رأس أولويات العمل المشترك والتكامل البرلماني على الصعيد القاري والدولي؛
-
أن التدابير الأمنية وإجراءات حفظ النظام هي ضرورة ملحة لا غنى عنها، ولكنها غير كافية، إذ ينبغي أن تتعزز وأن تتوطد أكثر فأكثر، من خلال صياغة ودعم
-
برامج عملية للوقاية من النزوع الراديكالي المستشري على نطاق واسع، وأن تتعزز أيضا ببرامج لنزع الطابع الراديكالي المتفاقم والآخِذ في التصاعد؛
-
أهمية وضرورة عدم السقوط في الفخ الذي يسعى الإرهابيون جاهدون إلى جرنا إليه، وهو فخ الاستسلام السهل لإغراء التخلي التدريجي عن القيم التي تُشكل
-
أساس المجتمعات الديمقراطية، خصوصا القيم المرتبطة والمُتمحورة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية؛
-
أن جهود مكافحة الإرهاب واجتثاث ينابيعه ينبغي أن تسير في خط متوازي ومتزامن كذلك مع جهود دعم وتعزيز التعاون القاري والدولي من أجل التنمية ومن أجل إبداع وابتكار أجوبة ملموسة لانتظارات قطاعات واسعة من مواطنات ومواطني بلداننا في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
وتأسيسا على ما سبق، يتعين من منظورنا المتواضع، استحضار عوامل بنيوية إضافية، تسهم في تغذية البيئة الحاضنة للإرهاب بما في ذلك عوامل العجز على مستوى الحكامة السياسية والاقتصادية وهشاشة أطر الديمقراطية ودولة القانون، ومحدودية تحقق الطابع الفعلي لولوج أوسع فئات المجتمع إلى حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضعف إطار المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى استشعار الحاجة الملحة إلى إدراك المخاطر الجمة، سواء الظاهرة منها أو المستترة، والتي ينطوي عليها الالتقاء والتقاطع الموضوعي الموجود في منطقة الصحراء والساحل، على وجه الخصوص، ما بين الحركات الانفصالية والجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر والتسول بمآسيهم وتبييض الأموال وتحويل المساعدات الإنسانية...
حضرات السيدات والسادة،
إن إدراك بلادنا المبكر لترابط هذه العوامل، هي ما جعلها تبني مقاربة خاصة لمكافحة الإرهاب مرتكزة في آن واحد على الاستراتيجية الأممية المندمجة في مجال مكافحة الإرهاب، وعلى مفهوم الأمن البشري" كما تم التنصيص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 290-66 بتاريخ 10 سبتمبر 2012 وكذا قرارها رقم 291-64 بتاريخ 16 يوليوز 2010، وكما طورته التقارير المتعددة للأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص.
إن هذه المقاربة تقدم بكل تواضع خبرة هامة، نعتقد أنها جديرة بالدراسة وبأن يتم استثمارها على نطاق واسع.
والمغرب كما أشار إلى ذلك جلالة الملك في خطاب دكار، ملتزم بوضع خبرته رهن إشارة أشقائه و أصدقائه، ومن ضمن أهم الخبرات والدروس التي تقدمها المقاربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، يهمني أن أتوقف عند خبرتين أساسيتين وجوهريتين، تتعلق أولاهما بسياسات إعادة هيكلة الحقل الديني، التي باشرها ويباشرها المغرب، والتي تقوم أساسا على إعلاء وتسييد قيم التسامح والوسطية والاعتدال. وثانيهما بدعم مساعي الرعاية اللاحقة والمراجعات الإرادية التي ينخرط فيها عدد من المحكومين سابقا في قضايا الإرهاب.
ينضاف إلى ذلك إبداع حلول وطنية وإفريقية بالتعاون مع شركاء المغرب في قارتنا في مجال مكافحة العوامل البنيوية المؤدية إلى الإرهاب، تغطي عدد من المجالات منها دعم الديمقراطية المحلية على مستوى الجماعات الترابية بوصفها إحدى أفضل الضمانات للوقاية من الإرهاب. وفي الوقت الحالي الذي بدأت فيه الجهات بممارسة اختصاصاتها الدستورية والقانونية الجديدة خاصة في مجال الإعداد التشاركي لبرامج التنمية الجهوية يمكن التفاؤل بالأثر الذي سيحدثه هذا الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية على مستوى بعض المناطق القروية وبعض الأحياء المحيطة للمدن، المحددة جغرافيا، التي تعيش بعض الفئات
الهشة فيها وضعية تعرضهم إلى مخاطر الانزلاق نحو مشاريع إرهابية أو الالتحاق بجماعات إرهابية.
ولي اليقين أن مسؤولياتنا المشتركة، كبرلمانات، تتجلى في الحرص على مكافحة الإرهاب وإنضاج الشروط التي تُمكن الشعوب من أن تنال وأن تحصل على حقها المشروع في الاستقرار، وفي السلم، والتنمية، والديمقراطية، والكرامة. وأن مسؤولياتنا الجماعية هي أن نضع في مقدمة أولوياتنا، وفي تساوق تام مع جهودنا الجماعية لمكافحة الإرهاب، بلورة سياسات من شأنها أن تخفف على الأقل من حالة اللايقين التي أصبحت تخيم على منطقتنا.
واسمحوا لي، حضرات السيدات والسادة، بأن أوصي بإحداث آلية لوضع خارطة طريق برلمانية للتتبع والتنسيق وتبادل الخبرات بين البرلمانات المكونة للاتحاد البرلماني الإفريقي من أجل تفعيل هذه المسؤولية. وتمثل هذه التوصية أجرأة للفقرة 21 من قرار الاتحاد البرلماني الإفريقي بعنوان " كفاح البلدان الإفريقية ضد الإرهاب بكل أشكاله من خلال دعم القدرات الوطنية وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال" لسنة 2014.
حضرات السيدات والسادة،
لاشك أن ضمان مشاركة المواطنين، وبشكل خاص فئة الشباب، في صنع القرار، هي إحدى واجهات العمل التي ينبغي المراهنة عليها في مواجهة الإرهاب. ذلك أن الدول التي اعتمدت على الاستفادة من طاقاتها الشابة الضخمة، استطاعت أن تشكل قوة ايجابية في تنمية مجتمعاتها وأن تكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة، والصورة معكوسة بالنسبة للدول التي أهملت الاستثمار في شبابها حيث جعلت هذا الإمكان البشري معطل ومنتج للإشكالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وعدم الاستقرار.
وتشكل خطة التنمية المستدامة للعام 2030 أرضية سانحة وواجهة عمل واعدة للارتقاء بدور البرلمانات في تعزيز مشاركة المواطنين، وعلى رأسهم الشباب، ودفعهم إلى الانخراط في عملية التنمية للمساهمة في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجه بلداننا، ومن تم الحد من تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب.
وكما لا يخفى عليكم، ونظرا للدور الكبير الذي تضطلع به المؤسسات التشريعية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، شاركت البرلمانات في صياغة هذه الأهداف، من خلال مشاركتها بفعالية في المؤتمرات والتظاهرات العالمية ذات الصلة، وآخرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 70/1 المتضمن لخطة التنمية المستدامة، والذي كرس دور البرلمانات الوطنية حيث جاء في الفقرة 45 منه أنه " نعترف أيضا بالدور الأساسي الذي تضطلع به البرلمانات الوطنية من خلال سن التشريعات واعتماد الميزانيات ودورها في كفالة المساءلة عن فعالية تنفيذ التزاماتنا".
كما أوردت الفقرة 52 من قرار الجمعية العامة البرلمان كمكون قائم الذات في إعمال وتتبع وتنفيذ خطة التنمية المستدامة حيث ورد في الفقرة المذكورة أنه " إذا كانت العبارة الشهيرة ”نحن الشعوب“ هي فاتحة الميثاق، فإننا ”نحن الشعوب“ نبدأ اليوم مسيرنا في الطريق الذي يقودنا نحو عام 2030. وسيرافقنا في رحلتنا كل من الحكومات والبرلمانات ومنظومة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، والسلطات المحلية، والشعوب الأصلية، والمجتمع المدني، والأعمال التجارية والقطاع الخاص والأوساط العلمية والأكاديمية والناس قاطبة. وقد تفاعل مع هذه الخطة ملايين الناس الذين سيجعلون منها خطة لهم. فهي خطة الناس وضعت على أيدي الناس لصالح الناس، وهذا في اعتقادنا ما سيكفل لها النجاح. "
طبعا نحن نعرف ما هي القنوات والآليات الرئيسية التي يمكن من خلالها للبرلمانات ضمان تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والتي تتمثل في تفعيل أدوارها واختصاصاتها المخولة لها، والمتمثلة في التشريع والرقابة والمناقشة واعتماد الميزانيات.
وأود في هذا الصدد التذكير ببعض المحددات المنهجية التي أعتبرها ضرورية لأي مسعى يستهدف أجرأة خطة التنمية المستدامة للعام 2030، وتتمثل هذه المحددات فيما يلي:
-
الترابط الوثيق بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والتماسك الاجتماعي؛
-
استحضار المقاربة التشاركية والمقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان؛
-
استحضار الالتزامات الدستورية لكل بلد والالتزامات بمقتضى الاتفاقيات الدولية، لاسيما المتعلقة منها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وحقوق الطفل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛
-
و أخيرا استحضار الطابع الأفقي للمساواة بين الجنسين.
واسمحوا لي، قبل أن أنهي كلمتي، بأن أجدد التأكيد على أهمية المبادرات التي يقوم بها الاتحاد البرلماني الإفريقي في دعم وتطوير التنسيق والتعاون بين البرلمانات الإفريقية، بما يساعد المؤسسات التشريعية الإفريقية على تحسين أدائها، خصوصا عبر ترسيخ قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وتكريس الحكامة الجيدة وتحقيق مستلزمات التنمية المستدامة، واسمحوا لي كذلك أن أفصح عن أملي في أن تكلل أشغال هذا المؤتمر ببلورة تصور مشترك ومواقف موحدة بشأن المواضيع المطروحة للنقاش وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
كما أجدد الدعوة، بهذه المناسبة، إلى مشاركة مكثفة ومنسقة ضمن فعاليات الاجتماع البرلماني الإفريقي حول التغيرات المناخية الذي سنعقده بمدينة مراكش يوم 12 نونبر المقبل، من أجل الخروج برؤية إفريقية موحدة تسهم في إسماع صوت إفريقيا أمام المنتظم الأممي في الموضوع.
نحن مصممون على أن يكون لشعوبنا مكانا مشرفا تحت الشمس، ولكي نتمكن من الحصول على هذه المكانة، علينا أن نقوي وندعم هذا الوعي الإفريقي الذي ينبثق شيئا فشيئا.
وعلينا التسلح بالثقة في النفس، والتعاون والعمل المشترك البناء.
ولدينا في الثقافة المغربية مثل يقول "ما حك جلدك مثل ظفرك".
وشكرا على حسن الإصغاء.