كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين، ذ. حكيم بن شماش
في افتتاح أشغال الندوة الموضوعاتية حول
"التنمية المندمجة للأقاليم الجنوبية"
مدينة الداخلة، 28 يونيو 2018
حضرات السيدات والسادة،
أود في بداية هذه الكلمة التعبير عن اعتزازنا بالرعاية الملكية السامية التي حظيت بها هذه الندوة والتوجه بالشكر الجزيل إلى السادة رؤساء الجهات على تفاعلهم السريع مع مبادرة مجلسنا لتنظيم هذا اللقاء وعلى حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة المعهود في ساكنة هذه المنطقة العزيزة.
وإذا كان تنظيم هذه الندوة الموضوعاتية يستجيب لواجب التعبئة الشعبية والرسمية لمرافقة التطورات المتواترة التي يعرفها ملف أقاليمنا الجنوبية ولاسيما التوجهات الرامية إلى التشويش على مسارات البناء المتعددة الأوجه التي تعرفها المنطقة، فإنه يندرج أيضا في سياق متابعة تنفيذ التوصيات الصادرة عن الملتقى البرلماني للجهات، وتفاعلا مع مضامين الرسالة الملكية الموجهة للمشاركات والمشاركين في فعاليات النسخة الثانية من هذا الملتقى بتاريخ 16 نونبر 2017، ومن منطلق مواكبة تطبيق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بالعيون، شهر نونبر 2015 ، حيث أكد جلالته في خطابه السامي إلى الأمة بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة ، على : "إن تطبيق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، يجسد وفاءنا بالتزاماتنا تجاه المواطنين بأقاليمنا الجنوبية، بجعلها نموذجا للتنمية المندمجة.
كما نريده دعامة لترسيخ إدماجها، بصفة نهائية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي، وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.
لذا قررنا، بعون الله وتوفيقه، تعبئة كل الوسائل المتاحة لإنجاز عدد من الأوراش الكبرى، والمشاريع الاجتماعية والصحية والتعليمية بجهات العيون الساقية الحمراء، والداخلة وادي الذهب، وكلميم - واد نون." [انتهى النطق الملكي السامي]
وكما لا يخفى عليكم، فقد فتح النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية آفاقا واعدة لكافة المناطق الجنوبية للمملكة، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي بالنظر لما يتضمنه من مشاريع ضخمة في مجال البنيات التحتية والصحة والتكوين والصناعة والفلاحة والصيد البحري وغيرها من القطاعات. وبلغ الغلاف المالي المقترح لإنجاز برنامج النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية، 77 مليار درهم، ويتوقع أن يسهم تنفيذه في مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي وخلق 120 ألف فرصة عمل. ودون الدخول في المزيد من التفاصيل والتي ستكون موضوع المداخلات اللاحقة، فإننا نسعى كما جاء ذلك في أرضية الندوة إلى الإجابة على التساؤلات التالية:
- ما الذي تحقق إلى حد الآن من هذه المشاريع؟
- هل يتم تنفيذ المشاريع المبرمجة بوتيرة كفيلة بتحقيق الأهداف المنشودة في الآجال المحددة؟
- ما مدى التزام القطاع الخاص بتنفيذ المشاريع المدرجة ضمن إستراتيجية تنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية؟
حضرات السيدات والسادة،
إن المبادئ الدستورية للتدبير الحر، والتعاون، والتضامن، والتفريع، ومشاركة السكان في تدبير شؤونهم بوصفها مبادئ للتنظيم الترابي، ومساهمة الجهات وباقي الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين، لا يكتسي طابعا تصريحيا أو مجرد إعلان نوايا، وإنما يقع في قلب ورش التغيير العميق لهياكل الدولة وتحديث المقاربات العملية للحكامة الترابية، ذلك أن إعمال المبادئ المذكورة، لا يتم فقط بواسطة القوانين والمساطر الإدارية، وإنما يستلزم أيضا تعبئة تامة للأدوار الدستورية للحكومة والبرلمان، في تكامل مع مؤسسات وآليات الديمقراطية التشاركية.
وإن اختيار مجلس المستشارين تنظيم هذه الندوة الموضوعاتية بشراكة مع الجهات الثلاث، ليندرج أيضا في إطار الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة حفظه الله والتي شدد عليها في رسالته السامية إلى المشاركين في الدورة الرابعة لمنتدى كرانس مونتانا، التي احتضنها هذه المدينة العزيزة يوم الجمعة 16 مارس 2018 حيث أكد جلالته على: "فالجهوية المتقدمة ليست مجرد تدبير ترابي أو إداري، بل هي تجسيد فعلي لإرادة قوية على تجديد بنيات الدولة وتحديثها، بما يضمن توطيد دعائم التنمية المندمجة لمجالاتنا الترابية، ومن ثم تجميع طاقات كافة الفاعلين حول مشروع ينخرط فيه الجميع.
ومن هذا المنطلق، فإن الجهة مدعوة اليوم، لتتحول إلى مجال ترابي يملك صلاحية تدبير الشؤون المتعلقة بمستقبلها، في إطار الوحدة الترابية للمملكة." [انتهى النطق الملكي السامي]
حضرات السيدات والسادة،
تتمثل الغاية الأسمى للنموذج المغربي للجهوية المتقدمة، كما ارتضاه جلالة الملك، في إيجاد إطار ترابي ملائم للاستجابة العملية للتطلعات المشروعة للمواطنين في مجالات التنمية والتعليم والصحة والشغل وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية التي أقرها الدستور، والحد من الفوارق المجالية التي تشكل عائقا أمام تحقيق هذه المقاصد.
وإن رفع تحدي استثمار هذه الإمكانيات المؤسساتية والتنظيمية الجديدة يتوقف على تقديم إجابات ذكية ومبتكرة على عدد من الأسئلة المقلقة: كيف يمكن تطوير حكامة الجهة من أجل ممارسة ناجعة لاختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة؟ كيف يمكن أن تشكل برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، وثائق تعاقدية بين فاعلي التنمية على مستوى الجهة وأدوات لالتقائية السياسات العمومية على المستوى الترابي؟ وكيف يمكن تعزيز الموارد المالية للجهات لاسيما عبر الاستثمار الأمثل لأدوات التمويل وتعبئة الموارد؟
وتبعا لما نوه إليه صاحب الجلالة حفظه الله في رسالته السامية إلى المشاركين في أشغال المنتدى البرلماني الثاني للجهات، يوم الخميس 16 نونبر 2017 والذي جاء في منطوقها :" وإننا لنسجل اليوم، أن الآليات القانونية اللازمة لتفعيل الجهوية المتقدمة قد تم اعتمادها في مجملها، وأن المنتخبين بمختلف الجماعات الترابية لم يتوانوا في العمل على تكريس مسلسل الجهوية المتقدمة على أرض الواقع.
أما الآن وقد تم تسطير الأهداف، وتحديد المبادئ والقواعد بوضوح، واضطلع الفاعلون بمهامهم؛ فإن المرحلة المقبلة ستكون حتما هي بلوغ السرعة القصوى، من أجل التجسيد الفعلي والناجع لهذا التحول التاريخـي." [انتهى كلام صاحب الجلالة]
فإننا نتطلع، في مجلس المستشارين، فضلا عن الأسئلة المشار إليها سلفا تعميق النظر في التساؤلات المحورية التالية:
- ماهي النواقص والاختلالات التي تميز المنظومة الحالية للاختصاصات المخولة للجهات؟
- ما هو الحد الأدنى من الاختصاصات الذاتية التي ينبغي تخويلها للجهات باعتبارها جماعات ترابية تتمتع بخاصية الصدارة على المستوى المحلي؟
- على ضوء التجارب المعيشة، ما هي الاختصاصات الذاتية والمشتركة المخولة حاليا للجهات التي تحتاج إلى دقة في التحديد لتسهيل وتحسين شروط مزاولتها من قبل المجالس الجهوية؟
- ما هي مجالات الاختصاص المركزي التي ينبغي أن تؤول إلى الجهات، وما هي البرمجة الزمنية التقديرية الواجب اعتمادها لتفعيل نقل الاختصاصات من الدولة إلى المجالس الجهوية، وبشكل خاص على مستوى الأقاليم الجنوبية للمملكة؟
حضرات السيدات والسادة
سبق لمجلس المستشارين أن خصص الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسات العمومية ليوم 15 ماي 2018 لموضوع النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، وقد بشرنا السيد رئيس الحكومة بأن النسبة العامة لتقدم أشغال مشاريع برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية (2015-2021)، إلى حدود شهر مارس 2018، أي سنتين بعد انطلاقه، قد بلغت ما يناهز48%. ويتوقع أن تصل هذه النسبة إلى حوالي 70%مع متم السنة الجارية. وعلى المستوى المالي، بلغت قيمة الاعتمادات الملتزم بها إلى حدود نهاية شهر مارس 2018 حوالي 21 مليار درهم.
وفي نفس السياق أكد السيد رئيس الحكومة على أن لهذه الأخيرة رؤية وهي عازمة على مواصلة انخراطها التام في تنزيل ورش النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، بما يمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منه وتحقيق تطلعات وانتظارات ساكنة الأقاليم الجنوبية وعلى أن هذه المشاريع ستنجزها الحكومة في الوقت المناسب.
وتبعا لذلك، أود في الختام، الإشارة إلى أن مكتب مجلس المستشارين وعبره كافة مكوناته كل من موقعه سيعمل، وتبعا لالتزامات الحكومة المعبر عنها، على مواكبة ومرافقة التفعيل الواقعي لهذا الورش المهيكل طبقا لما خول له من صلاحيات واختصاصات، كما يحدونا الأمل بأن تكون هذه المحطة بداية تأسيس لتقليد جديد من شأنه الرقي بالعمل الرقابي للبرلمان المغربي، لكونها ستشكل ممارسة فضلى نتمنى من خلالها تنوير عملنا.
وشكرا على حسن الإصغاء والمتابعة.