الأربعاء 18 ماي 2022، بالمكتبة الوطنية، الرباط.
السيد ممثل الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان المحترم؛
السيد ممثل المندوب الوزاري لحقوق الإنسان المحترم؛
السيد ممثل مؤسسة كونرادأدناور المحترم؛
حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛
يسعدني في البداية أن أشكركم على دعوتكم الكريمة للمشاركة في هذه الندوة العلمية المهمة حول موضوع : "التجربة البرلمانية العاشرة، قراءات متقاطعة" على ضوء تقريركم الموسوم ب: " التجربة البرلمانية المغربية العاشرة 2016-2021 رصد لوظائف: التمثيل، والتشريع، والرقابة، والتقييم ". وأهنئك، بالمناسبة، على هذا العمل الأكاديمي الرصين سواء من حيث المنهجية المعتمدة في إعداده أو من حيث مضمونه، والذي يسمح بتصنيفه في خانة "التقارير الاستراتيجية" المهمة لعدة اعتبارات:
- أولا، لكونه يشكل مساهمة جادة من مَرصدكم في التأسيس لثقافة المساءلة التي يقوم بها الفاعل المدني ويفتح بواسطته مجال النقاش العمومي أمام الفاعل السياسي والرأي العام، بما سيساهم في التقييم الموضوعي والعلمي لعمل المؤسسة التشريعية بعيدا عن أحكام القيمة وعن الانطباعات. وهذا سيسمح بالوقوف على نقط القوة ونقط الضعف في التجربة البرلمانية خلال الولاية السابقة لتدارك نقائصها ، في أفق البحث عن السبل الكفيلة بتطوير وتجويد ممارستنا البرلمانية وإضفاء الفعالية عليها.
-وثانيا، للمصداقية التي يتميز بها هذا العمل بفضل الاستعانة في إعداده بالخبرات والكفاءات الأكاديمية المتخصصة في العمل البرلماني والمتميزة بصرامتها ومنهجيتها العلمية .
لذلك نعتبر أن هذا التقرير يشكل قيمة مضافة سيغني الخزانة الوطنية وخزانة المؤسسة التشريعية، وسيشكل مرجعا موثوقا به، ولا محيد عنه، لعموم الباحثين و لكل المهتمين بالممارسة والعمل البرلمانيين لاعتماده على معطيات ومصادر علمية ورسمية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
لا يمكن لأحد أن ينكر المكانة المتميزة التي أعطاها دستور 2011 للمؤسسة البرلمانية داخل الهندسة الدستورية المؤسساتية، من خلال تعزيز وتقوية صلاحياتها التشريعية والرقابية والدبلوماسية، وتمكينها من مختلف الوسائل والآليات القانونية التي تسمح للفاعل البرلماني بمباشرة اختصاصاته الدستورية المستمدة من تمثيليته للأمة (الفصل 2 من الدستور) للإسهام الحقيقي في التأثير الإيجابي في مختلف مجالات الفعل العمومي.
ولعل من بين المكتسبات الدستورية، التشكيلة والفلسفة الدستورية المتقدمة بصلاحيات ووظائف جديدة والتي منحت لمجلس المستشارين مكانة متميزة في نظام الثنائية المجلسية، بصفة خاصة، وفي البناء المؤسساتي الوطني، بصفة عامة، كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس ، حفظه الله ونصره ، في خطابه السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة ( الجمعة 09 أكتوبر 2015).حيث قال جلالته: "لقد أعطى الدستور لمجلس المستشارين مكانة خاصة في البناء المؤسسي الوطني، في إطار من التكامل والتوازن مع مجلس النواب. فهو يتميز بتركيبة متنوعة ومتعددة التخصصات، حيث يضم مجموعة من الخبرات والكفاءات، المحلية والمهنية والاقتصادية والاجتماعية. لذا، يجب أن يشكل فضاء للنقاش البناء، وللخبرة والرزانة والموضوعية، بعيدا عن أي اعتبارات سياسية".انتهى كلام صاحب الجلالة نصره الله.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
صحيح أن التقرير الذي قمتم بإعداده نجح في رصد مختلف المستجدات في التجربة البرلمانية العاشرة للبرلمان المغربي بغرفتيه، وخصوصا ما يتعلق بوظائف التمثيل والتشريع والرقابة والتقييم، وتمكن من تجميع مختلف الأحداث والوقائع التي عاشتها السنة التشريعية، وأعاد تركيبها، ليضعها في صورة مكتملة، وفي سياقاتها التي جرت فيها.
ولذلك لست محتاجا للحديث بشكل مفصل على الحصيلة المشرفة، على جميع الأصعدة، التي تميزت بها الولاية العاشرة للبرلمان بغرفتيه ولمجلسنا الموقر على وجه الخصوص، منها ما تطرق له إصدراكم الذي تحتفون به اليوم، والتي سماها "بالوظائف الأربع" وكلها تدخل في خانة الوظائف التقليدية للبرلمان. وجدير بالذكر أن مجلسنا وثَّقَ تجربته بشكل دقيق في الوثائق التي أصدرها بخصوص الحصيلة العامة والتفصيلية للولاية التشريعية العاشرة والمنشورة في موقعه الالكتروني. (يتعلق الأمر بكل من: الحصيلة العامة لمجلس المستشارين والملخص التنفيذي، وكذا الحصيلة التفصيلية لكل من : التشريع، المراقبة وتقييم السياسات العمومية، العلاقات الخارجية، إثراء الفكر والحوار والانفتاح على المحيط)
ولكن أسمحوا لي أن أتطرق هنا ،بشكل سريع ومقتضب، إلى المجالات الأخرى التي لم يتناولها تقريركم: الأُوُلَى يمكن تصنيفها ضمن المهام الدستورية الجديدة للبرلمان ونقصد بها "مهمة الديبلوماسية البرلمانية"، والثانية، والتي تفرد بها مجلسنا، وكانت واحدة من أهدافه الاستراتيجية خلال التجربة البرلمانية السابقة، وأيضا خلال التجربة الحالية كما حددها في مخططه الاستراتيجي خلال الولاية الحالية 2022-2027 ، والرامية إلى "جعل مجلسنا فضاء للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي ".
1- ففي ما يتعلق بالديبلوماسية البرلمانية، لابد أن ننوه بالعمل الجبار والنوعي الذي قام به مجلسنا لمواكبة وإغناء ما تحقق من مكتسبات لقضيتنا الأولى، قضية الوحدة الترابية، بفضل النهج الدبلوماسي الحكيم بقيادة جلالة الملك نصره الله والذي تحقق بفضله اعتراف قوى إقليمية وعالمية وازنة بالسيادة المغربية على صحرائه. سواء من خلال الديبلوماسية البرلمانية اليقظة لمجلسنا، أو من خلال تخصيص حيز زمني للقضية الوطنية وانشغالاتها في الجلسات العامة أو في نطاق اللجان المختصة. حيث شكل العمل البرلماني الدبلوماسي إحدى الأدوار والأولويات الأساسية لمجلسنا، كواجهة محورية للدفاع عن القضايا الاستراتيجية لبلدنا وعلى رأسها القضية الوطنية، وكذا تمتين وتعزيز علاقات الشراكة والتعاون مع مختلف مكونات المنتظم البرلماني الدولي. ولقد تمكن مجلسنا من مواصلة تعزيز عمله الدبلوماسي وخلق دينامية متجددة ومبادرات نوعية، مكنته من مراكمة الإنجازات وتحقيق المزيد من المكتسبات الدبلوماسية.
2- أما بخصوص الانفتاح على المحيط الخارجي وتنشيط الحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي، فوعيا من مجلسنا، بكل مكوناته، بأهمية الانفتاح على انشغالات واهتمامات المواطنين والمواطنات لم يدخر جهدا في استثمار كل الفرص المتاحة له لإطلاق مسار نقاش عمومي تعددي وتشاركي قصد التشاور وتبادل وجهات النظر وإثراء الفكر بخصوص العديد من الأوراش الاستراتيجية الكبرى المترابطة والمتكاملة والمتقاطعة فيما بينها (في شكل منتديات وملتقيات وندوات فكرية ولقاءات وأيام دراسية) ، لا سيما بخصوص عدد من الموضوعات الرئيسية لإعمال مقتضيات الدستور ذات الصلة بطبيعة وخصوصية تركيبته وكذا بمهامه واختصاصاته، باعتباره غرفة برلمانية ثانية تتميز بتعدد التخصصات والتمثيليات وتتوفر على جميع مقومات الأداء الناجع لدورها بما يترجم بدقة تطلعات المجالات الترابية والفاعلين المهنيين والنقابيين والمدنيين. وتندرج هذه المقاربة ضمن مساعي المجلس الرامية إلى التفاعل مع نبض المجتمع، وتهدف من بين ما تهدف إليه نقل الانشغالات والمطالب الاجتماعية من الشارع إلى الفضاء المؤسساتي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدد من هذه الأوراش حضيت بالرعاية السامية لصاحب الجلالة نصره الله وأيده، من قبيل المنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية والملتقى البرلماني للجهات....، و قد أفضت إلى بلورة مخرجات في شكل وثائق وأرضيات عمل من أجل دعم العمل البرلماني، سواء على مستوى التشريع أو الرقابة أو تقييم السياسات العمومية أو الدبلوماسية البرلمانية، وكذلك من أجل استيعاب الوظائف الدستورية الجديدة للمجلس. ولقد عمل المجلس على توثيق جزء منها في كتيب تحت عنوان: "وثائق ومخرجات المنتديات والملتقيات المنظمة من طرف مجلس المستشارين 2016-2019".
كما لا يجب أن نغفل ما قام به المجلس من خلال تعبئته للدور الاستشاري لمختلف المؤسسات الدستورية عبر طلب آراء استشارية منها، على أساس أنه خيار إستراتيجي لا محيد عنه يضمن من جهة أولى تقوية البناء المؤسساتي الوطني القائم على التعاون، ومن جهة ثانية يشكل أرضية لخلق نقاش مؤسساتي – مجتمعي حول القضايا التشريعية المحورية.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
حقيقة لا يسمح المجال ،في هذه الكلمة الافتتاحية المقتضبة، للتفصيل في حصيلة تجربة مجلسنا وفي رصد حصيلة مختلف وظائفه واختصاصاته وعلى كل الأصعدة. ولكن إجمالا ورغم بعض العوائق الموضوعية والتحديات البنيوية التي يحاول المجلس، بتنسيق مع مجلس النواب، جاهدا تجاوزها من خلال المخططات والاستراتيجيات التي يضعها لتأهيل أدائه وتحقيق النجاعة، ويستقي مرتكزاتها من الدستور والنصوص المكمّلة له، ومن التوجيهات الملكية السامية، واجتهادات القضاء الدستوري، والممارسات البرلمانية الفضلى. فإننا نعتبر أن مجلسنا لم يتردد في الاستثمار الأمثل لتنوع تركيبته بروافدها المختلفة، وذلك لخدمة القضايا التشريعية المطروحة على المجلس، من خلال إدماج العمل التشريعي في صلب الأولويات الوطنية ذات الأبعاد السياسية والمجالية والاقتصادية والاجتماعية.
كما أنه لم يدخر جهدا، على المستوى الرقابي وتقييم السياسات العمومية، في تفعيل صلاحياته الرقابية التي خوّلها له الدستور ، وساهم مع باقي مؤسسات الرقابة الدستورية في تقييم السياسات العمومية خدمة للتوجه التنموي لبلادنا.
إلا أنه ورغم كل المظاهر الإيجابية ،لا يمكن إنكار العديد من الإكراهات القانونية والموضوعية المرتبطة بالنصوص المؤطرة لطبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان المبنية على التوازن، والتي تقيّد من هوامش حركة العمل البرلماني في بلوغ الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، كعدم توفره على ما يكفي من المعطيات لممارسة دوره الرقابي، أو لأن هناك شروط تتعلق بالتوفر نصاب معين أو لا بد من موافقة الحكومة لاستعمال بعض الآليات الرقابية ذات التأثير على عملها التدبيري، أو لبعض العوائق السياسية الكابحة.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛
هذه بعض الأفكار والقضايا المقتضبة التي وددت تقاسمها معكم في هذه الجلسة الافتتاحية ، لأنه بعد ما يقارب عشر سنوات من الممارسة البرلمانية على ضوء الاطار الدستوري والقانوني الجديد المؤطر للعمل البرلماني، أصبح من الضروري القيام بوقفة تأمل وتقييم لتجربتنا البرلمانية بغرض استخلاص العبر والدروس بشكل موضوعي وعلمي، ولاستثمار كل الفرص الممكنة من أجل تطوير العمل البرلماني، وترسيخ أسس نظام برلماني مغربي حديث بثنائية مجلسية متميزة، وتقوية وتدعيم تجربة الديمقراطية التمثيلية في بلادنا بما يستجيب لتطلعات ملكنا، حفظه الله وأيده، الذي يقود منذ 22 سنة من توليه عرش أسلافه الميامين، مسارات وأوراش إصلاحية متعددة ورائدة خدمة لبلدنا وشعبنا.
لذلك ننتظر من ندوتكم العلمية هاته القيام بهذا التمرين وبالخصوص أن المداخلات المبرمجة ستكون قيمة بحكم طبيعة المتدخلين كفاعلين سياسيين في التجربة البرلمانية السابقة أو كأكاديميين وجامعيين متخصصين.
أتمنى النجاح لأشغال ندوتكم العلمية هذه آملين أن تتوج بتوصيات يمكن أن نستنير بها ونستثمرها في تجربتنا خلال هذه الولاية التي نتحمل فيها المسؤولية لتقويم بعض الأعطاب وتليين الكوابح وغايتنا في ذلك تطوير وإنجاح هذه التجربة في إطار التراكم والبناء.
شكرا على حسن اصغاءكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.