تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

كلمة السيد رئيس مجلس المستشارين في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الـ 25 الطارئ للاتحاد البرلماني العربي

2017-07-27

حضرات السيدات والسادة،

اسمحوا لي في بداية هذه الكلمة المقتضبة، بعد الترحيب بكم جميعا ضيوفا أعزاء في بلدكم الثاني، أن أعبر باسمي الخاص ونيابة عن كافة مكونات مجلس المستشارين، عن تضامننا المطلق مع المقدسيين والمقدسيات ومع الشعب الفلسطيني بصفة عامة جراء ما يتعرضون له من انتهاك جسيم لحقهم في ممارسة إحدى أهم أركان ديننا الحنيف واستمرار القيود المفروضة على ممارسة هذا الحق منذ عقود ولاسيما تلك المتعلقة بالوصول إلى أماكن العبادة وصون وحماية المواقع الدينية بالقدس الشريف؛ وهو انتهاك كما لا يخفى عليكم يشكل حلقة أخرى في رحلة العذاب والعقاب التي كابدها ويكابدها الشعب الفلسطيني على مدى عقود ممتدة. وهي رحلة تشعرنا بصراحة أو ينبغي أن تشعرنا بالخجل حين ننظر في المرايا بسبب التلكؤ والتردد والعجز عن تقديم ما ينتظره منا الشعب الفلسطيني.

لن أكرر هنا عبارات الشجب والإدانة والاستنكار لممارسات الكيان الصهيوني وما إلى ذلك من الخطابات التي ألفناها على مدى تاريخ طويل، والتي أخال أنها صارت من كثرة ما رددناها واستهلكناها موضوع سخرية الشعوب، ولكن أرى أن من صميم الواجب أن أشير في البداية، إلى أن ما يقع اليوم ليس وليد الصدفة أو اللحظة، بل هو في جذره الأساس محصلة واقع ووضع غير سليم بمنطقتنا، وقد سبق لي أن أثرت معاينة في مداخلتي خلال آخر مؤتمر لاتحادنا البرلماني (شهر مارس المنصرم وهنا بالرباط) مفادها استمرار العجز البنيوي لما تبقى من منظومتنا الإقليمية للعمل المشترك، على العمل الفعال لإيجاد حلول عربية للتحديات العابرة للحدود وكذا للأزمات الإقليمية، والتي لا تعتبر حالات الإرهاب في سوريا والعراق، الآثار الإقليمية لحرب اليمن، توتر العلاقات بين إيران ودول الخليج والوضع الحالي في البيت الخليجي، والجمود غير المقبول الذي يعيشه البيت المغاربي، وتمزق العديد من أجزاء خريطة عالمنا العربي... مخاطر المس بالسلامة الإقليمية لعدد من الدول)، سوى تجليات ومظاهر صارخة للعجز البنيوي المشار إليها؛ علاوة على عجزنا البنيوي والتاريخي عن التأثير من أجل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بشكل عام والوضع القانوني للقدس الشريف كمهد للديانات بشكل خاص.

السيدات والسادة

إن واقع حالنا اليوم يدعونا إلى إعادة طرح سؤال محوري ورد في الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، الموجه إلى الدورة 27 للقمة العربية العادية، المنعقدة بالعاصمة الموريتانية نواكشوط: "فمتى كانت التفرقة مصدر قوة، وهل يمكننا فرادى أن نواجه التحديات المشتركة، دون أن يكمل بعضنا البعض؟ وألم توقعنا الحلول الجاهزة المستعارة والنظريات الفضفاضة المبتدعة، والنزعات الانفصالية، في تشرذم لا حد له ولا نهاية، حتى تصبح الدولة هي الحي أو الحارة ؟".

وفي نفس المنحى أود التأكيد على أن ما يقع اليوم –وبصراحة مبنية على تتبع يقض لما يجري على صعيد منطقتنا وفي العالم- هو إلى حد كبير نتيجة حالة التمزق والتفرقة وانكماش نظامنا الإقليمي الرسمي، فضلا عن واقع التجزئة الذي يطبع العلاقات فيما بين دولنا؛ حيث أننا نتحدث عن الدول وليست الشعوب

التي نمثلها- تعيش على وقع خلافات بينية مزمنة، وصراعات داخلية عقيمة، فضلا عن تنامي النزعات الطائفية والتطرف العنيف والإرهاب.

السيدات والسادة،

ستسعفنا ،لا محالة، إعادة القراءة المتأنية والرصينة لمجمل الخطب والرسائل الملكية السامية البليغة -ولا داعي للتذكير بها توخيا للاقتصاد في الكلام-، بشأن القضية الفلسطينية، وفي مناسبات عدة، الوقوف على مكامن الخلل ونقط ضعفنا، ومن بين تجليات تشخيص واقعنا تلكم المتمثلة في أن" دولنا توجد في مفترق الطرق إزاء ما ينتظرنا من تحديات تنموية وتطلعات شعبية ملحة، إلى المزيد من الحقوق والحريات، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية"؛ وأن الأوان" قد حان  للانكباب على كيفية إعادة اللحمة للوطن العربي، وتوحيد الكلمة، بنية صادقة وإرادة قوية، لرفع التحديات الحقيقية وفق منظور شامل ومتعدد الأبعاد".

وفضلا عن أن إعادة نسج تلك اللحمة، لن تجد سبيلها للنجاح إلا عبر "إجراء مصالحات عربية بينية، وتجاوز أسباب التجزئة، وتوحيد المواقف، وتعزيز العمل المشترك، في نطاق احترام سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية".

السيدات والسادة

تبعا لما سبق ذكره من تشخيص خاطف وسريع لوضعنا الإقليمي –مشرقا ومغربا-، من الجدير ملاحظة معضلة أخرى تنضاف إلى هذا الواقع، ألا وهي خفوت حجم التضامن الدولي مع قضيتنا المشتركة وذات الأولوية بالنسبة للشعوب التي نمثلها.

وأود أن أتقاسم معكم بعض من الأفكار التي راودتني، من خلال متابعة المستجدات ذات الصلة بموضوع تداولنا اليوم، حيث أنه وإذ أشدد عن عدم كوني من دعاة التشاؤم أو من المنتصرين لرسم الصور السوداوية عن مآلات مستقبل قضيتنا، استسمحكم لاعتبار وتقاسم بعض من التأملات المدعاة للتفاؤل وتتعلق بـ:

  1. إعداد مخطط ترافعي استعجالي لإعادة الحياة للتضامن الدولي مع قضيتنا العادلة، على أساس أن يستدمج هذا المخطط البعدين الرسمي والشعبي؛

  2. النظر في إمكانية وضع وتنفيذ إستراتيجية لتعبئة البعد الإفريقي والآسيوي –عربيا وإسلاميا- بشأن هذه القضية الحيوية والمصيرية؛

  3. استثمار هذه اللحظة وكذا عضوية برلماناتنا الوطنية في العديد من التكتلات القارية والجهوية، لنحول أقوالنا إلى أفعال، والمرور من خطاب الاستنكار والتنديد، إلى صياغة عريضة برلمانية إلى الاتحاد البرلماني الدولي بغرض إذكاء الوعي الشعبي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية، من جهة، وبغية استحداث وايفاذ بعثة دولية لاستطلاع الأوضاع بالقدس الشريف والتماس استصدار قرار بشأن الوضع القانوني لهذه المدينة المقدسة، بدل المطالبة بتسجيل هذا الأمر كبند طارئ –كما دأبنا على ذلك- في أشغال مؤتمراته، من جهة أخرى؛

  4. تقديم ملتمس إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعقد دورة طارئة مخصصة لموضوع انتهاكات حق المقدسيين والمقدسيات في ممارسة شريعتهم الدينية وفي حال تعذر ذلك تشكيل وبعث لجنة لتقصي الحقائق بهذا الشأن؛

السيدات والسادة

قبل أن أختم كلمتي هذه، اسمحوا لي أيضا، أن أعيد التذكير بأهمية متابعة وتخصيص الموارد المادية والفنية اللازمة لاستكمال تنفيذ إحدى المشاريع المهيكلة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله،بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للجنة القدس الشريف - طبقا لمواصلة النهج التضامني غير المشروط والموصول مع أشقائنا في القدس السليبة- والتي تسهر على تنفيذها وكالة بيت مال القدس الشريف في سياق مخطط يشمل الفترة الممتدة من 2014 إلى 2018؛ لكونه يشكل برنامجا واقعيا وعمليا لحماية القدس ودعم صمود أهلها.

    تلكم سيداتي وسادتي، عناصر تأملات وددت تقاسمها معكم، وشكرا على حسن الإصغاء، والسلام عليكم.