بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
حضرات السيدات والسادة المحترمين،
يطيب لي بداية أن أرحب بكم وأن أشكركم على تلبية الدعوة للمساهمة في هذا اللقاء التفاعلي المندرج في إطار التحضير ومرافقة تقديم التقريرالوطني أمام المنتدى الأول لاستعراض الهجرة الدولية (IMRF)، المقرر عقده في نيويورك من 17 إلى 20 ماي 2022، والمشاركة المرتقبة لمجلسنا في أشغال جلسة الاستماع متعددة الأطراف حول الهجرات التي سينظمها رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16 ماي الجاري عشية المنتدى.
وتسترشد مبادرتنا، بعقد هذا اللقاء، بالرؤية الملكية السديدة والمتبصرة والتي عبر عنها صاحب الجلالة في رسالته الموجهة إلى المؤتمر الحكومي الدولي الذي احتضنت أشغاله مدينة مراكش أيام 10 و11 دجنبر 2018من أجل المصادقة على الاتفاق العالمي حول الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية، بكون اهتمام المملكة المغربية بمسالة الهجرة "ليس وليد اليوم ولا يرتبط بظرفية طارئة، بل هو نابع من التزام أصيل وطوعي، يجد تجسيده الفعلي في سياسة إنسانية في فلسفتها، شاملة في مضمونها، وعملية في نهجها، ومسؤولة في تطبيقها. فرؤيتنا تقوم أساسا على استشراف المستقبل، بما يضمن تنظيم حركية الأشخاص. .. أما مقاربتنا، فتهدف إلى تحقيق توازن سليم بين الواقعية والطوعية؛ وبين المصالح المشروعة للدول، واحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين".(انتهى كلام صاحب الجلالة). وفضلا عن ذلك، فهي مبادرة نابعة عن تقاسمنا نفس الايمان برسالة الميثاق الجوهرية والتي مفادها أن زمن السياسات الوطنية المعزولة في مجال الهجرة، قد ولى، ذلك أن المقاربة الشاملة للهجرة تتطلب استراتيجيات منسقة ومتلائمة أكثر مع أهداف عملية محددة.
وقبل الوقوف على مساهمتنا المتواضعة بهذا الشأن، وفقا لاختصاصاتنا، اسمحوا لي أن استعيد معكن ومعكم بعض اللحظات الدالة المواكبة لمسار اعتماد هذا الميثاق. وهكذا، فقد قدمنا كمجلس بسان- بيتيرسبورغ خلال انعقاد الدورة 137 للاتحاد البرلماني الدولي مقترحا باعتماد قرار بعنوان تقوية التعاون البرلماني والحكامة في مجال الهجرة، في أفق اعتماد ميثاق مراكش. وهو القرار الذي لقي ترحيبا وتمت المصادقة عليه فعليا في أكتوبر 2018.كما احتضن البرلمان المغربي يومي 6 و7 دجنبر 2018 أشغال الندوة البرلمانية المنعقدة بمناسبة اعتماد ميثاق الهجرة، والمنظمة من قبل كل من الاتحاد البرلماني الدولي وبرلمان المملكة المغربية، توج باعتماد إعلان الرباط،الذي تم الالتزام بموجبه بالمشاركة في المنتدى الدولي لاستعراض الهجرة من أجل دراسة / والتعريف بالتطورات الحاصلة في مجال إعمال ميثاق الهجرة وادماج الأهداف المحددة فيه عبر مختلف الوسائل المتاحة للبرلمانات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة المعلن عنها في أجندة 2030.
أما على المستوى القاري، فقد اعتمد الاتحاد البرلماني الإفريقي مقترحا، قدمه المغرب يتعلق بمخطط العمل البرلماني الإفريقي حول الهجرة يتعلق ببلورة "مخطط عمل برلماني إفريقي حول الهجرة وحكامة الهجرات"، وذلك في ختام أشغال الندوة البرلمانية الإفريقية الثالثة حول الهجرة التي انعقدت يومي 4 و5 شتنبر 2018 بالعاصمة النيجيرية نيامي.
وبحكم انخراط مجلسنا في تتبع إعمال أهداف التنمية المستدامة (أجندة 2030)، خاصة وأن الخطة اعترفت لأول مرة بمساهمة الهجرة في التنمية المستدامة، واستحضارا لذلك، أنجز مجلس المستشارين - عبر مركزه في الدراسات والبحوث البرلمانية- دراسة في موضوع الهجرة بعنوان "ملائمة القوانين الوطنية للهجرة مع الميثاق العالمي للهجرة". وقد سلطت الضوء على القوانين المنظمة للهجرة على المستوى الوطني، وعلى رأسها القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية واستخلصت جملة من التوصيات من أجل تحيين الترسانة القانونية وجعلها مطابقة لما التزم به المغرب من اتفاقيات على المستوى الدولي.
وفي علاقة بتنشيط الحوار العمومي والانفتاح على القضايا التي تسترعي الاعتبار على المستوى الوطني والدولي، نظم مجلسنا عددا من المنتديات الحوارية ذات الصلة بالموضوع، نذكر من بين أهمها: اليوم الدراسي حول "السياسة المغربية في ميدان الهجرة واللجوء: فرص وتحديات"، المنظم بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسانوالجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، يوم 12 يوليوز 2018، والندوة البرلمانيةالمنعقدةبالرباط يومي 6 و7 دجنبر 2018، قبيل اعتماد ميثاق مراكش، والمنظمة بشراكة مع الاتحاد البرلماني الدولي.
حضرات السيدات والسادة،
بخصوص المبادرات التشريعية فقد سجلنا،في علاقةبالهجرة، خلال الفترة ما بين السنة التشريعية 2016-2017 والسنة التشريعية 2020 -2021 عددا من المبادرات التشريعية المتمثلة في:
- المصادقة على مشروع القانون رقم 01.19 يوافق بموجبه على اتفاق المقر الموقع بمراكش في 10 دجنبر 2018بين حكومة المملكة المغربية والاتحاد الإفريقي بشأن إنشاء مقر المرصد الإفريقي للهجرة بالرباط؛
- المصادقة على مشروع القانون رقم 01.16 يوافق بموجبه على الاتفاقية رقم 143 بشأن الهجرة في أوضاع اعتسافيه وتعزيز تكافؤ الفرص والمعاملة للعمال المهاجرين، المسماة اتفاقية العمال المهاجرين (أحكام تكميلية)، 1975؛
- المصادقة على مشروع قانون رقم 27.14 يتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر.
أما بشأن المبادرات ذات الطابع الرقابي من خلال آليتي الأسئلة الشفهية الأسئلة الكتابية، فقد صبت هذه الأخيرة علىالعديد من القضايا ذات الصلة بالهجرة، ومنها بين أهمها مآل الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء والإجراءات المتخذة لتفعيل مقتضياتها، مقاربة الوزارة المعنيةلكيفية التعامل مع مخرجات المؤتمر الدولي للهجرة وتصور الحكومة لمحاربة الهجرة غير الشرعية. وفي سياق تداعيات الجائحة، شكلت مواضيع ضمان ولوج المهاجرين واللاجئين إلى العلاج بنفس الشروط المتوفرة للمواطنين المغاربة ووضعية المهاجرين العالقين بسبب الجائحة وخاصة الأفارقة منهم، موضوع اهتمام خاص تبلور من خلال طرح عدد من الأسئلة الشفهية والكتابية خلال تلك الفترة؛ فضلا، بطبيعة الحال، عن الأسئلة المتعلقة بقضايا جاليتنا المقيمة بالخارج وعلى رأسها إشكالية المغاربة العالقين بالخارج بسبب الجائحة، سواء منهم المقيمون بشكل دائم أو مؤقت، والترتيبات المتخذة لإرجاعهم.
حضرات السيدات والسادة
إن أهمية الخطوات المتخذة من قبل بلادنا من أجل ضمان هجرة آمنة منظمة ومنتظمة لا ينبغي أن تنسينا بأننالا نزالمدعوين كل من موقعه إلى بذل مزيد من الجهود، خاصة وأن أعداد المهاجرين لا تفتأ تتصاعد بسبب التغيرات المناخية والنزاعات والحروب دون أن ننسى الانعكاس السلبي لجائحة كوفيد19 على ملايين الأفراد في العالم عموما وداخل القارة الافريقية على وجه الخصوص. ويكفي التنويه إلى ما أعلنت عنه الأمم المتحدة بمناسبة اليوم الدولي للمهاجرين في 18 دجنبر 2020، حيث بلغ عدد المهاجرين الدوليين 281 مليونا سنة 2020وهو ما يمثل 3.6% من سكان العالم، بعد أن حدد العدد في 272 مليون سنة 2019.
وتبعا لذلك، وكما لا يخفى على علمكم، فقد كان لبلادنا نصيبها من مد الهجرة القادم من إفريقيا جنوب الصحراء وكذا من بعض دول آسيا والشرق الأوسط، مما يستلزم معه مواصلة التعاطي مع واقع كون بلادنا أضحت بلد استقبال أكثر منها بلد عبور والاستجابة وفق ذلك، ومع تدفقات الهجرة من منظور المقاربة السديدة لصاحب الجلالة نصره الله وتوجيهاته السامية المؤطرة لغايات الاستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء التي اعتمدتها بلادنا والمبنية على القيم الكونية لحقوق الإنسان والمسؤولية المشتركة والتعاون المتجدد مع مختلف الأطراف، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين لتمكينهم من الولوج إلى الحقوق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والسكن والشغل والتكوين المهني والمواكبة الاجتماعية والقانونية، والمرافق الترفيهية والرياضية، وهي السياسة التي أريد منها أن تكون شاملة، حقوقية، وإنسانية، تمحورت بنودها حول محاور ثلاث أساسية تتعلق بـ: (1)تغيير القوانين الخاصة باللجوء والهجرة واستغلال البشر، (2)تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين و(3)التعاون الداخلي والدولي بين المتدخلين بالمغرب والخارج.
وفي ختام هذه المداخلة المقتضبة، اسمحوا لي، أن أتقاسم معكم بعض التساؤلات التي أتمنى أن تكون محط التداول خلال هذا اللقاء والذي هو في الآن ذاته فرصة ثمينة للتعرف على مجهودات الحكومة المغربية في الوفاء بالتزاماتها في المجال، ولحظة للوقوف على التقدم المحرز بخصوص تفعيل محاور الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء، ويتعلق الأمر بـ:
- ما الذي تم إنجازه لجعل الهجرة اختيارا وفرصة وليس ضرورة؟
- وإذا كان مهاجر من كل ثلاثة يصرح أن وضعيته غير قانونية بالمغرب فهل تم توفير قنوات شرعية للهجرة يندمج من خلالها المهاجرون بشكل أفضل في المجتمع وأيضا داخل سوق الشغل؟
- وهل تمكنا بالفعل من تجاوز الصورة النمطية حيال المهاجرين من داخل قارتنا؟
- وهل هناك من تصور واضح لحماية حقوق المهاجرين على كافة المستويات، خاصة الأطفال والنساء منهم؟
- وإذا كان أكثر من ثمانية مهاجرين من كل عشرة تتراوح أعمارهم بين 15 و44 سنة بحسب بحث المندوبية السامية للتخطيط، فهل هناك من سياسة لاستثمار الطاقات والقدرات التي تزخر بها فئات المهاجرين إلى بلادنا؟
- وهل من رؤية استباقية للتعاطي مع الأفواج المتوقعة للمهاجرين بسبب التغيرات المناخية وتنامي النزاعات والحروب؟
تلكم بعض المعطيات والتساؤلات التي وددت مشاطرتكم إياهاوشكرا على حسنإصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.